السلطة الفلسطينية تواصل حصار مخيم جنين: عقاب للسكان

06 يناير 2025
مدخل مخيم جنين المحاصر من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية، 4 يناير 2024 (جعفر إشتية/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعيش سكان مخيم جنين في خوف مستمر بسبب الاشتباكات العنيفة بين الأجهزة الأمنية وكتيبة جنين، مما أدى إلى تدمير المنازل والبنية التحتية وانقطاع الخدمات الأساسية.
- تتدهور الأوضاع الإنسانية بشكل كبير مع نقص حاد في الخدمات الطبية والغذائية، واعتقال أطباء، وانقطاع الكهرباء الذي يهدد حياة المرضى ويعوق الحياة اليومية.
- الحصار أدى إلى نزوح حوالي 3 آلاف من السكان، حيث أصبحت الحياة شبه مستحيلة بسبب تدمير البنية التحتية وتراكم النفايات، مع شعور السكان بالعقاب الجماعي.

يعيش سكان مخيم جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة، في ظل خوف مستمر من الرصاص الطائش وقذائف (أر.بي.جي)، نتيجة الاشتباكات الدائرة في المخيم منذ أكثر من شهر بين الأجهزة الأمنية وأفراد كتيبة جنين، التابعة لسرايا القدس، الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.

وقال أمين خازم، أحد سكّان مخيم جنين في حديث مع "العربي الجديد"، إنه كاد يفقد حياته عدّة مرّات بفعل استهداف مباشر من رصاص عناصر الأمن الفلسطيني. وبحسب خازم، فإن قنّاصاً من الأجهزة الأمنية تعمّد في إحدى المرّات إطلاق ثلاث رصاصات بشكل مباشر صوب منزله، اخترقت النافذة وكانت تبعد عنه مسافة تُقدّر بـ80 سنتيمتراً، وأنه لولا هذه المسافة لكان خازم الآن قتيلاً بفعل رصاص الأمن.

ومنذ الثالث من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، يسود التوتر في مخيم جنين، بعد اعتقالات نفّذتها الأجهزة الأمنية بحقّ كوادر من الجهاد الإسلامي، أعقبها بعد ذلك بيومين مصادرة كتيبة جنين مركبات تابعة للسلطة، إلى أن أطلقت الأجهزة الأمنية حملة أسمتها "حماية وطن"، في الرابع عشر من الشهر نفسه، وفرضت حصاراً على محيط المخيم مع بدء الأحداث فيه، ما أفقده الحد الأدنى من الخدمات الحياتية والإنسانية بفعل الاشتباكات المستمرّة مع أفراد الكتيبة.

وقال خازم، وهو أحد أصحاب المنازل المتضررة بفعل الاشتباكات، إن "الأجهزة الأمنية تتمركز منذ بداية الأحداث في منطقة شارع مهيوب الذي يسكن فيه، وتعتلي أسطح المنازل، وتطلق النار بشكل عشوائي، مما أدى إلى تحطيم سخانات المياه الشمسية، وخزانات المياه، والمكيفات الخاصّة بمنازل المواطنين"، لافتاً إلى أنه في أحيان أخرى "تطلق الأجهزة الأمنية النار علينا بشكل مركّز عبر قناصتها، كما جرى مع منزلي في ثلاث حالات إطلاق نار اخترقت الجدران المهترئة والنوافذ الزجاجية، وكادت أن تؤدي إلى حالات قتل".

وتابع خازم: "في إحدى حوادث إطلاق النار، خرجت من المنزل أنادي بصوت غاضب على أفراد الأجهزة الأمنية، إلا أنهم ردوا بالشتائم، وحين اقتربوا من منزلي عبر المركبات المصفّحة، وقفت أمام منزلي وبدؤوا بإطلاق الرصاص على الأرض بين أقدامي كنوع من التحذير والترهيب، وعندما عدت إلى المنزل استمروا في إطلاق النار باتجاه المنزل والسطح". وتكبّد خازم خسائر مادية جراء رصاص الأجهزة الأمنية تقدّر بعشرة آلاف شيكل (2740 دولار)، وفق تأكيده.

وقال خازم: "الذين يجب أن يتحملوا مسؤوليتنا (السلطة) هم أولئك الذين يلحقون الأذى بنا، وعندما نحاول الصعود إلى سطح المنزل لإجراء أي صيانة، يُطلقون النار فوق رؤوسنا للترهيب، نحن الآن نعيش في ظل انقطاع دائم للمياه والكهرباء، بينما محطات الوقود ترفض تزويد أي أحد بالوقود إلا عبر المركبات، مما يجعل تشغيل المولد الكهربائي أو ضخ المياه مستحيلاً، وحتى شحن هواتفنا يُعدّ تحدياً يومياً".

علاوة على ذلك، باتت الحركة داخل مخيم جنين أو في محيطه مغامرة محفوفة بالمخاطر، بسبب إطلاق النار العشوائي المستمر، وسط استخدام الأجهزة الأمنية لقذائف "آر.بي.جي"، مما يزيد الوضع سوءاً وخطورة، بحسب خازم. وأشار خازم إلى أن الأجهزة الأمنية قتلت في المنطقة التي يسكن فيها ثلاثة من أبناء مخيم جنين، أولهم الفتى ربحي الشلبي، ثم يزيد جعايصة (نجل شقيقة خازم) ثم الصحافية شذى الصباغ، "ما يعني أن الأجهزة الأمنية تمارس سياسة عقاب جماعي تهدف إلى إخلاء المخيّم من سكّانه"، وفق تعبيره. وأشار إلى أنه يستحيل تمركز أفراد الكتيبة بالقرب من منطقة شارع مهيوب كونها مكشوفة بالكامل، و"بالتالي لا يمكن أن تكون حالات القتل قد نفّذتها الكتيبة بحقّ المواطنين".

بدوره، أوضح عضو اللجنة الشعبية في مخيم جنين، محمد المصري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن أوضاع المخيم تزداد صعوبةً نظراً إلى استمرار انقطاع الكهرباء منذ 25 يوماً، حيث إن شركة كهرباء جنين أصلحت محوّلات الكهرباء أربع مرّات، وبعد كلّ مرة يتم استهداف المحوّلات، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء بشكل مستمر، حيث لم تصل للمخيم سوى بضعة ساعات منذ بداية الأحداث. ويمرّ المصري في ظروف صعبة كونه من سكّان المخيم. قائلاً: "لدي ابنة تعتمد على جهاز الأكسجين، وأنا عاجز عن توفير الكهرباء اللازمة لتشغيل الجهاز. قمت بشراء سلك كهرباء مزدوج لمحاولة توصيل الكهرباء للجهاز، لكن مع هذا الوضع لا أستطيع ضمان استمرارية ذلك، وهذا يهدد حياة ابنتي بالخطر، ولا أستطيع تركها في المستشفى، لعدم وجود معيل لأسرتي".

أما ما يخص خطوط المياه، فإنها شبه معطّلة منذ منتصف العام الماضي بفعل العدوان الإسرائيلي المتكرر على المخيم، ولم تستمر بلدية جنين في أعمال إصلاحها حيث توقفت عن عمل إصلاح الخطوط مع بدء الأحداث الجارية، وفق المصري، الذي أكّد أن جميع منازل المخيم بلا استثناء تم استهداف خزّانات المياه الخاصة فيها نتيجة إطلاق الرصاص عشوائياً، ما يعني أن "إمدادات المياه لو عادت، فإن خزّانات مياه منازل المخيم جميعها غير صالحة للاستخدام".

وضمن إجراءات تشديد الحصار على مخيم جنين، منعت الأجهزة الأمنية مجالس هيئات محلّية في محافظة جنين من إيصال مساعدات إلى المخيم، كما جرى منع المواطنين من ذلك أيضاً، بحسب المصري. وقال: "على سبيل المثال، هناك سائق سيارة من بلدة قباطية حاول إدخال كمّيات من الخبز إلى المخيم، فتم اعتقاله. وفي ظل هذه الظروف، يمثل الدخول إلى المخيم خطراً كبيراً على أي شخص، حيث إن الخطر موجود من كلا الطرفين".

وطاولت الاعتقالات أطباء حاولوا الدخول إلى مخيم جنين من أجل تقديم العلاج للسكان، حيث اعتقلت الأجهزة الأمنية 4 أطباء على خلفية تقديمهم خدمات طبيّة للمخيم، عدا عن إجراءات التحقيق مع أي شخص يصاب بفعل أحداث المواجهة بالمخيم، إذ يتم اعتقال كل من يصل إلى مستشفيات جنين والتحقيق معه، إلى حين التأكد من كونه لم يشترك في أي نشاطات مع المسلّحين في المخيم، أو أنه كان يتحرك لقضاء احتياجات شخصيّة، وفق ما أوضح المصري.

واستهدفت العملية كلّ ما في مخيم جنين، حتى طلبة المدارس، خاصّة أبناء الثانوية العامة الذين لم يتمكنوا من التوجه إلى مدارسهم منذ بداية الأحداث. كذلك، إثر انقطاع الكهرباء، لم يُرفع الأذان في مساجد المخيم، ولا تقام الصلوات لأن "مسجد الأسير" في المخيم تتعامل معه السلطة باعتباره ثكنة عسكرية، ونوافذه باتت محطّمة، و"مسجد الأنصار" تعرض سابقاً للقصف الإسرائيلي، ومسجد آخر في وسط المخيم لا يستطيع أحد الوصول إليه كونه يتوسط ساحة الاشتباكات، وفق المصري.

وقال المصري: "العيادة التابعة لأونروا تعرضت للتدمير أيضاً. ورغم محاولات ترميمها سابقاً، إلا أنها تعرضت للتخريب مجدداً، وتكسرت فيها الأبواب والنوافذ. السلطة تدّعي أن هناك مسلحين كانوا على سطحها، ولهذا أطلقت القذائف عليها، مما أدى إلى تدميرها بشكل كامل. كما أن الأدوية غير متوفرة، والخدمات الطبية شبه معدومة في المخيم".

وأكد المصري أن مخيم جنين البالغ عدد سكّانه 15 ألف مواطن، غادره نحو 3 آلاف مواطن بفعل الأحداث المستمرة، حيث بات مشهد طرقات المخيم ملقاة فيها أسلاك أعمدة الكهرباء، ومياه الصرف الصحي تطفو على الطرقات، والنفايات متراكمة ولا تستطيع اللجان الشعبية إزالتها، ومن ثم إن سكّان مخيم جنين يعاقبون بحجّة ملاحقة عدد من المسلحين.