السلطات الصينية تحاول كبح الحركة الاحتجاجية الغاضبة على "صفر كوفيد"

29 نوفمبر 2022
من تظاهرات الأحد في بكين (نغ هان جوان/أسوشييتد برس)
+ الخط -

حاولت السلطات الصينية، الإثنين، كبح حركة احتجاجية غاضبة اتخذت بعداً غير مسبوق لصينيين سئموا من القيود الصحية وطالبوا بمزيد من الحريات، حازت على تأييد دولي وخاصة من الأمم المتحدة.

ويشكل هذا الحراك نظراً إلى اتساعه الجغرافي، أهم تعبئة منذ التظاهرات المنادية بالديمقراطية في العام 1989. ويمثل انفجار الاستياء الشعبي الذي استمر بالتعاظم في الأشهر الأخيرة في الصين وهي من الدول القليلة في العالم التي تستمر بتطبيق سياسة "صفر كوفيد" الصارمة جداً مع عمليات إغلاق وحجر متكررة وفحوصات "بي سي آر" شبه يومية.

وفي الخارج، تلقت هذه التظاهرات مؤشرات داعمة خصوصاً من جانب الرئيس الأميركي جو بايدن.

وفي دردشة مع صحافيين، قال بايدن إنّ "البيت الأبيض يدعم حق التظاهر السلمي"، مشيراً إلى أنه "يتابع عن كثب" ما يحصل في الصين.

وكان الناطق باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، جيريمي لورانس، قد دعا الإثنين "السلطات إلى الرد على الاحتجاجات وفقاً لقوانين ومعايير حقوق الإنسان الدولية".

في واشنطن، لم يشأ المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي الخوض في مطالب المتظاهرين، واكتفى بالقول إنّ "هؤلاء المتظاهرين يتحدّثون عن أنفسهم"، مشيراً إلى أنّ الإدارة الأميركية تريد "إبقاء قنوات التواصل مفتوحة" مع السلطات الصينية.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية: "نقول منذ وقت طويل إنّ الاحتجاج السلمي حقّ للجميع، هنا في الولايات المتحدة وحول العالم".

وأضاف في بيان أنّ "ذلك يشمل الصين".

واستخدمت ألمانيا نفس اللهجة، قال الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير، في مقابلة مع "دويتشيه فيله" إنه "يمكننا أن نتخيّل مدى ثقل العبء على الناس في الصين، حيث الإجراءات الأكثر صرامة لا تزال قائمة منذ فترة أطول بكثير وتمّ تشديدها أكثر"، معرباً عن أمله في أن "تحترم السلطات في الصين الحق في حرية التعبير والتظاهر".

الأحد، نزلت حشود من المتظاهرين الذين لبوا دعوات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، إلى الشارع في بكين وشنغهاي وووهان خصوصاً، ما باغت القوى الأمنية.

ومن الشعارات التي هتف بها المحتجون: "لا لفحوصات كوفيد، نحن جياع" و"شي جين بينغ (الرئيس الصيني) استقل! و"الحزب الشيوعي الصيني انسحب!" و "لا للحجر، نريد الحرية!".

وحفز حريق حصد أرواحاً في أورومتشي عاصمة مقاطعة شينجيانغ في شمال غربي البلاد، الكثير من الصينيين على الغضب وقد ألقى بعضهم باللائمة على القيود الصحية في عرقلة عمل فرق الإطفاء والإغاثة.

تم تخفيف القيود في هذه المدينة البالغ عدد سكانها أربعة ملايين نسمة. وبات بإمكان الناس التنقل بواسطة حافلات لشراء حاجياتهم، اعتباراً من الثلاثاء.

واتهمت وزارة الخارجية الصينية الإثنين "قوى ذات دوافع مبيتة" بإقامة رابط بين هذا الحريق و"الاستجابة المحلية لكوفيد-19"، بحسب ما أكده الناطق باسم الوزارة تشاو ليجيان.

وأوضح هذا الأخير: "نعتبر أنّ معركتنا ضد كوفيد-19 ستتكلل بالنجاح بقيادة الحزب الشيوعي الصيني ودعم الشعب الصيني".

إلا أنّ الاحتجاجات ظهّرت أيضاً مطالبات بمزيد من الحريات السياسية، لا بل بمغادرة الرئيس شي جين بينغ الذي أعيد اختياره لولاية ثالثة غير مسبوقة على رأس البلاد.

انتشار للشرطة

وشاهد مراسلو وكالة "فرانس برس" انتشاراً للشرطة في بكين وشنغهاي صباح الإثنين قرب مواقع تجمعات الأحد.

وفي بكين، قامت الشرطة باستجواب متظاهرين عبر الهاتف بعد مشاركتهم بالتجمعات، وفق ما أفاد به أحدهم وكالة "فرانس برس" الإثنين.

في شنغهاي، نصبت كتل زرقاء على جانبي شارع شهد تظاهرات خلال الليل منعا لأي تجمع جديد. وفي الصباح، أوقف ثلاثة أشخاص قرب شارع أورومتشي حيث أُجريت تظاهرة الأحد.

ووقعت مواجهات الأحد بين القوى الأمنية ومتظاهرين. وذكرت هيئة "بي بي سي" البريطانية، أنّ أحد مراسليها في الصين أوقف خلال تغطية التظاهرة في شنغهاي، و"تعرض للضرب من جانب الشرطة".

ودان اتحاد البث الأوروبي للإذاعة والتلفزيون، أكبر تحالف وسائل إعلامية عامة في العالم، "بأشد العبارات أعمال الترهيب والاعتداءات غير المقبولة التي يقع ضحيتها الصحافيون وفرق إنتاج أعضاء اتحاد البث الأوروبي في الصين".

وفي بكين، حال الانتشار الكثيف للشرطة دون خروج تظاهرة مقررة ظهر الإثنين، واصطفت سيارات الشرطة على امتداد الطريق المؤدي إلى جسر سيتونغ.

وقالت امرأة في العشرين من العمر كانت تمارس رياضة الجري في الحي إن "هذه التظاهرة أمر جيد"، موضحة أنها تابعتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وأضافت الشابة، طالبة عدم الكشف عن هويتها: "وجهت التظاهرة رسالة بأنّ الناس سئموا من القيود المبالغ بها".

في هونغ كونغ التي هزتها احتجاجات مؤيدة للديمقراطية في عام 2019 ، تجمع العشرات في الجامعة الصينية الإثنين تضامناً مع المتظاهرين وتكريماً لضحايا الحريق في أورومتشي، بحسب مراسل وكالة "فرانس برس".

ورفع آخرون لافتات ولوحوا بالورود، في وسط المدينة حيث مركزها المالي.

على شبكات التواصل الاجتماعي الصينية حُذفت الإثنين كل معلومة تتعلق بالتظاهرات.

عبر منصة "ويبو"، المرادف الصيني لموقع "تويتر"، لا تفضي عمليات البحث مع استخدام عبارتي "نهر لينغما" و"شارع أورومتشي" إلى أي نتيجة مرتبطة بالتعبئة.

"نقطة غليان"

وتُعقّد هيمنة السلطات الصينية على المعلومات المتوافرة والقيود الصحية الصارمة على السفر داخل البلاد، عملية التحقق من العدد الإجمالي للمتظاهرين خلال عطلة نهاية الأسبوع.

إلا أنّ تحركاً بهذا الاتساع الجغرافي نادر الحدوث في الصين، نظراً إلى قمع أي شكل من أشكال المعارضة للحكومة.

وسُجلت تظاهرات أيضاً في كانتون وشينغدو فضلاً عن مدينة ووهان في وسط البلاد، حيث رصدت أول إصابة في العالم بكوفيد-19 قبل ثلاث سنوات تقريباً.

ونشرت صحيفة "الشعب" الإثنين نصاً يحذر من أي "شلل" جراء سياسة "صفر كوفيد"، من دون الدعوة إلى وقفها.

وأوضح ألفرد وو مولوان الخبير في السياسة الصينية في جامعة سنغافورة الوطنية لوكالة فرانس برس: "بلغ الناس الآن نقطة الغليان بسبب غياب توجه واضح للسبيل الذي ينبغي سلوكه بعد انتهاء سياسة صفر كوفيد".

وأكد أن "الحزب (الشيوعي الحاكم) استخف بغضب السكان".

وأثارت التظاهرات قلق المستثمرين، ففتحت البورصات الآسيوية على تراجع ملحوظ الإثنين.

(فرانس برس) 

المساهمون