برزت، اليوم الخميس، حركة السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا باتجاه الرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، وحديثها عن ضرورة التخلي عن الشروط التي تحول دون تشكيل الحكومة، والبدء بتسوية بعد مضي ثمانية أشهر على استقالة حكومة حسان دياب.
واجتمعت السفيرة الأميركية، أمس الأربعاء، مع السفير السعودي لدى لبنان وليد بخاري، القادم بدوره من قصر بعبدا، أول من أمس الثلاثاء، بعد تلبيته دعوة الرئيس عون، والتقت صباحاً الرئيس اللبناني، وحرصت لدى خروجها على إلقاء كلمة مباشرة على الهواء، وُصِفَت بـ"اللينة"، توجهت فيها "لأي شخص يضع شروطاً لتأليف هذه الحكومة، التي هي حاجة ماسة للشعب اللبناني، إذا كانت تلك الشروط قد أدت إلى عرقلة تشكيل الحكومة، أود أن أسأل، ألم يحن الوقت للتخلي عن تلك الشروط والبدء بالتسوية؟ إنه لمن المهم التركيز على تأليف الحكومة، وليس عرقلتها".
الرئيس عون استقبل السفيرة الاميركية دوروثي شيا وعرض معها الاوضاع الراهنة والتطورات الحكومية pic.twitter.com/9Lml8xcqRo
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) March 25, 2021
ويتناغم موقف السفيرة اللافت جداً مع دعوة رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط إلى التسوية كحلّ وحيد الآن لكسر الجمود الحكومي، والتي رفضها الرئيس المكلف سعد الحريري، كما ردّ دعوة أمين عام "حزب الله" حسن نصر الله إلى تشكيل حكومة تكنو سياسية.
ويتمسّك الحريري بشروطه لناحية حكومة اختصاصيين غير حزبيين مؤلفة من 18 وزيراً، لا ثلث معطّلا فيها، بينما يصرّ الرئيس عون، بحسب رواية الرئيس المكلف، ومن خلفه الأميركيين، على الثلث المعطّل، وهو ما لن يرضى به الحريري مطلقاً.
في السياق، قال أمين سر كتلة اللقاء الديمقراطي (تمثل الحزب التقدمي في البرلمان) النائب هادي أبو الحسن، لـ"العربي الجديد"، إنّ "التسوية التي ينطلق منها جنبلاط تقوم على توسيع الحكومة من دون أن يكون فيها ثلث معطل لأي فريق، ولكنها حتى الساعة لم تلقَ تأييداً، وقد يكون هناك حلقة مفقودة، وشدّ حبال وتأثيرات خارجية تحول دون التوصل إلى اتفاق مشترك"، مشدداً على أنّ "تشكيل حكومة لو أتت بناءً على تسوية تبقى أفضل من الفراغ، على أن تعمل انطلاقاً من المبادرة الفرنسية وتحمل معها برنامجاً إصلاحيا".
ويرى أبو الحسن أنّ "موقف السفيرة الأميركية، والخارج بشكل عام، ينطلق من إدراكهم التام وفهمهم للواقع اللبناني، وهذا أمرٌ جيدٌ، من هنا يأتي الحث عبرهم على التشكيل بعدما ظهر أن الأفق في الداخل اللبناني مقفل".
يتمسّك الحريري بشروطه لناحية حكومة اختصاصيين غير حزبيين مؤلفة من 18 وزيراً، لا ثلث معطّل فيها، بينما يصرّ الرئيس عون، بحسب رواية الرئيس المكلف، ومن خلفه الأميركيين، على الثلث المعطّل، وهو ما لن يرضى به الحريري مطلقاً
وقالت شيا بعد لقاء عون: "لقد ناقشنا الحاجة الملحة إلى تشكيل حكومة ملتزمة بالإصلاحات وقادرة على تنفيذها، كما أعادت الولايات المتحدة تأكيد التزامها الوقوف إلى جانب الشعب اللبناني ودعمه". وأضافت: "الآن، هناك حاجة إلى قادة شجعان، لديهم الاستعداد لوضع خلافاتهم الحزبية جانباً والعمل معاً لإنقاذ البلاد من الأزمات المتعددة والجروح التي أحدثتها بنفسها والتي تواجهها، وإنني على ثقة بأنه بإمكانكم القيام بذلك".
وفي وقتٍ وُضِعَ "استفهام" شيا في إطار دعوة الرئيس عون للتخلي عن مطالبه وتسهيل تشكيل الحكومة، أكد مصدر في الرئاسة اللبنانية مطلع على اللقاء، لـ"العربي الجديد"، أنّ السفيرة الأميركية لم تذكر المطالب التي يفترض التخلي عنها، وهناك في هذا الإطار العديد منها غير المرتبط فقط بالرئيس عون، إذ إن الرئيس الحريري لديه أيضاً شروط يتمسك بها، مثل حكومة من 18 وزيراً، وأمور أخرى، وكان بإمكانها لو أرادت توضيح نقطتها هذه، بيد أنها اكتفت بتلاوة بيان مكتوب وتوجيه رسائل غير مباشرة".
وشدد المصدر على أن "الزيارات المكثفة إلى قصر بعبدا تصبّ باتجاه جولة المشاورات التي يجريها الرئيس عون مع كثيرٍ من الدول الفاعلة والجهات الداخلية، للبحث في أوضاع لبنان والمنطقة، وبالطبع الملف الحكومي".
ومن قصر بعبدا، انتقلت السفيرة الأميركية إلى بيت الوسط في بيروت، مقرّ الرئيس سعد الحريري، فكان بحث بالتطورات الحكومية، وألحث على إزالة العراقيل التي تحول دون تشكيل الحكومة.
وأكد مصدر دبلوماسي أميركي لـ"العربي الجديد" أنّ "الولايات المتحدة تؤيد الرئيس الحريري بتمسّكه بحكومة من اختصاصيين غير حزبيين لا ثلث معطلا فيها، وهي لن تدعم أي حكومة شبيهة بتلك التي ألّفها الرئيس حسان دياب باعتبارها أتت عبر حزب الله ولتنفيذ أجندته السياسية، وتصرّ أكثر من أي وقتٍ مضى على شخصيات وزارية ذات كفاءة واستقلالية ونظافة كف تثق بها لتقدم المساعدات المطلوبة لها ولمشاريعها الشفافة".
وتنشط حركة الدبلوماسيين بلقاءات مشتركة على خطّ مقراتهم الرسمية وإلى المسؤولين اللبنانيين، لبحث التطورات السياسية على ضوءِ التعثر الحكومي الذي رافقه مطلع الأسبوع انحدار في مستوى التخاطب بين الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، الذي وصل إلى حدّ تبادل الاتهامات بالكذب والتضليل وتزوير الحقائق، ورفع سقف التحدّي بعنوانه العريض "الاعتذار مقابل الاستقالة".
وكان الرئيس عون استقبل، الثلاثاء، أيضاً، السفيرة الفرنسية لدى لبنان آن غريو، وشرح لها الإشكالات التي رافقت مراحل تشكيل الحكومة، مؤكداً تمسكه بالمبادرة الفرنسية كمشروع إنقاذي للبنان، مشدداً على العمل من أجل الوصول إلى تشكيل حكومة جديدة تواجه التحديات الراهنة.
من ناحية أخرى، دعا الرئيس عون المجلس الأعلى للدفاع إلى اجتماع قبل ظهر يوم غد الجمعة في قصر بعبدا، لعرض تطورات حالة التعبئة ومواضيع أخرى.
وبحسب معلومات "العربي الجديد"، فإنّ الاجتماع سيبحث احتمال إقفال البلاد من جديد في ظل استمرار تفشي فيروس كورونا، وما ينعكس سلباً على المستشفيات وأسرّة العناية الفائقة التي باتت شبه ممتلئة، والإجراءات المفترض اتخاذها خلال فترة عيدي الفصح لدى الطائفة المسيحية وشهر رمضان، لمنع تكرار تجربة عيدي الميلاد ورأس السنة، والفوضى التي حصلت وأدت إلى ارتفاع كبير جداً في أعداد الإصابات بفيروس كورونا والوفيات.