السعودية والصين: شراكة تتجاوز الاقتصاد وتغضب أميركا

02 نوفمبر 2022
شي وبن سلمان في بكين، أغسطس 2016 (روليكس ديلا بينا/فرانس برس)
+ الخط -

تسير العلاقات السعودية الصينية بخطوات متسارعة جداً، بما يتجاوز التبادل والتعاون التجاري، إلى بناء شراكة تتجاوز الاقتصاد. ويجدر التوقف عند إعلان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان منذ أيام، أن المملكة احتلت المركز الأول في ترتيب الاستثمار الصيني الخارجي في الثلث الأول من عام 2022.

وقال بن فرحان خلال اجتماع لجنة الشؤون السياسية والخارجية المنبثقة عن اللجنة الصينية السعودية المشتركة، إنّ الرئيس الصيني شي جين بينغ سيزور السعودية قريباً، موضحاً أنّه سيتم عقد ثلاث قمم صينية سعودية، وصينية خليجية، وصينية عربية.

وجرى تداول معلومات عن زيارة الرئيس الصيني للرياض في نهاية أغسطس/ آب الماضي، ولكن الزيارة تأجلت بطلب من بكين، بسبب انشغالها بالاستعدادات لعقد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، الذي عُقد في 16 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وكان شي يفضل أن تجري الزيارة بعد أن يحصل على ولاية ثالثة أميناً عاماً للحزب الشيوعي، وهو ما يضفي أهمية أكبر لزيارة الرياض لحضور ثلاث قمم في الوقت ذاته.

تحضيرات لزيارة الرئيس الصيني

ومنذ ذاع خبر الزيارة المرتقبة تجري ترتيبات منظورة في عدة مدن سعودية سيقوم الرئيس الصيني بزيارتها، هي الرياض وجدة ونيوم. وتعمل السلطات السعودية على ألا تقل الزيارة من حيث المظاهر والبروتوكولات عن تلك التي قام بها للرياض الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في مايو/ أيار 2017، وفي الوقت ذاته إظهار الفارق في الحفاوة بين استقبال الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن في يوليو/ تموز الماضي ونظيره الصيني.

ومن المحطات التي يتوقف أمامها المراقبون في زيارة ترامب للسعودية، كونها كانت نقطة البداية في تقديم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بوصفه حاكم السعودية المستقبلي القوي، الذي يحظى بدعم وتأييد من الإدارة الأميركية، وخصوصاً صهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنر.

وبعد ذلك قام بن سلمان بخطوات داخلية وخارجية كي يرسم لنفسه صورة في أذهان الناس، واتخذ سلسلة من الخطوات التي أثارت ضده ردود فعل سلبية، ولكنها حصلت على تغطية من قبل الإدارة الأميركية.


كانت زيارة بايدن محطة برز فيها التنافر بين الرياض وواشنطن

وعلى عكس زيارة ترامب، كانت زيارة بايدن محطة برز فيها التنافر بين الرياض وواشنطن، فالسعودية استقبلته على نحو بارد غير معهود في الاحتفاء السعودي بالرؤساء الأميركيين منذ أكثر من خمسة عقود.

وكان ذلك البرود نوعاً من رد فعل السعودية على تصريحات ومواقف بايدن قبل وصوله إلى البيت الأبيض وبعده، التي قال فيها إنه سيجعل من السعودية دولة منبوذة، وأصدر تقريراً استخبارياً اتهم فيه ولي العهد السعودي بالضلوع في مقتل الكاتب السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول التركية في عام 2018، وكشف النقاب عن تقرير حول هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، أشار إلى تورط محتمل للسعودية، وامتنع عن تزويد المملكة بصواريخ دقيقة لاستخدامها في حربها في اليمن.

لن يكون سهلاً على إدارة بايدن أن ترى الرئيس الصيني يحل في الرياض، ويحظى بحفاوة استثنائية، ويدشن مرحلة تعاون اقتصادي استراتيجي. وقد جاءت تصريحات الوزير السعودي عن الزيارة في اليوم ذاته الذي أعلن فيه وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الاستراتيجية الأميركية تجاه الصين، والتي تنص على أن الصين لا تزال تشكل التحدي الأمني الأكبر للولايات المتحدة، وتدعو إلى منع "هيمنة بكين على مناطق رئيسية".

كما تحذر الاستراتيجية الدفاعية الأميركية من أن الصين تعمل على تقويض تحالفات الولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادئ، وتستخدم جيشها المتنامي لإكراه وتهديد الجيران.

الشعور الأميركي بالخطر الصيني، نابع من أن الصين هي الدولة الوحيدة التي لديها خطط وبرامج استراتيجية للهيمنة، وسياسات للتمدد خارج حدودها من خلال التعاون الاقتصادي والقروض، وذلك عكس روسيا التي تحاول استعادة حضورها على الساحة الدولية من خلال القوة العسكرية، وتصدير المرتزقة على غرار مجموعة "فاغنر".

وهناك قلق أميركي فعلي من مشروع الصين "الحزام والطريق"، الذي انتقدته الولايات المتحدة، واعتبرت أن بكين تستخدم "دبلوماسية الديون" لجعل الدول النامية أكثر اعتماداً عليها.

وأطلقت الصين مبادرة "الحزام والطريق" في عام 2015 بقصد تحسين الترابط والتعاون على نطاق واسع يمتد عبر القارات، والتحرك للدفع بالتشارك في بناء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير للقرن الحادي والعشرين.

وأشار تقرير لمركز التمويل والتنمية الأخضر ومقره شنغهاي، إلى أن ارتباطات الغاز كانت أعلى مما كانت عليه في العامين الماضيين، وشكلت 56 في المائة من مشاركة الصين في مجال الطاقة خلال 2021 بالكامل، وأن السعودية كانت المتلقي الرئيسي لاستثمارات الغاز بنحو 4.6 مليارات دولار، يليها العراق.

وأفصح تقرير حديث عن حظوظ السعودية الكبيرة في الاستثمارات الصينية لتصبح أكبر متلقٍ ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، خلال النصف الأول من العام الحالي، بنحو 5.5 مليارات دولار من أصل 28 ملياراً.

ويكشف التقرير عن بلوغ قيمة صادرات المملكة إلى الصين خلال مايو الماضي 5.1 مليارات دولار، وتمثل 13.3 في المائة من إجمالي الصادرات، ما يجعلها الوجهة الرئيسية للسعودية، تليها الهند واليابان بقيمة 3.9 مليارات دولار، وبنسبة 10.2 في المائة من الإجمالي.

الصين هي الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وباتت اليوم أكبر مشتر للنفط السعودي، حسب وزير النفط السعودي عبد العزيز بن سلمان، ومثلها مثل الولايات المتحدة تولي أهمية كبيرة للتدفق الحر للنفط، وإن اللجنة الفرعية لمبادرة الحزام والطريق والاستثمارات الكبرى والطاقة تسعى إلى تعزيز المواءمة بين رؤيتي السعودية والصين للمستقبل، خصوصاً في مجال الطاقة، الذي يشمل العديد من أوجه التعاون.

شراكة تتجاوز الاقتصاد

ويرى أعضاء في فريق بن سلمان للتخطيط أن الصين مهمة جداً في المنطقة من الناحية الجيوسياسية، وهي تتطلع إلى إنشاء قواعد عسكرية في أفريقيا وأماكن أخرى.

وفي الماضي كانت مصالح الصين تجارية بحتة، وتركز بالكامل على التجارة، بينما تنظر الآن إلى حضورها وعلاقاتها من خلال منظور استراتيجي. ويعتبر الصينيون أن المنطقة باتت مسرحاً أساسياً لمنافسة القوى العظمى، ولدى بلادهم الإمكانات المادية والتقنية للقيام بذلك.

وفي الوقت الذي تبتعد فيه الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط، تقترب الصين مدعومة بروسيا. وعدا عن اهتمامها المتزايد بإسرائيل، فإن الولايات المتحدة غير مكترثة بمشاكل المنطقة العربية ككل من العراق إلى سورية وفلسطين واليمن والسودان وتونس، وتراجع التعاون بينها وبين هذه المنطقة خلال العشرية الأخيرة إلى مستويات متدنية جداً. وهو ما حرض بعضها للبحث عن حلفاء آخرين وشراكات بديلة عن التي تتراجع مع أميركا.


وضع العلاقات السعودية الأميركية مختلف، ولا يمكن قياسه واختصاره بالشراكة الاقتصادية

يبقى أن وضع العلاقات السعودية الأميركية مختلف، ولا يمكن قياسه واختصاره بالشراكة الاقتصادية، أو صادرات البترول السعودي، حتى لو شعرت واشنطن بأنه يمكن أن يصبح سلاحاً مباشراً موجها ضدها، كما حصل في مطلع شهر سبتمبر/ أيلول الماضي حين قررت السعودية، على عكس رغبة الولايات المتحدة، المشاركة بتخفيض الإنتاج داخل "أوبك بلس" بمعدل مليوني برميل يومياً، والذي دخل حيز التنفيذ مطلع الشهر الحالي، وهو أمر أثار غضب أميركا، ولكن ليس بالقدر الذي يمكن أن يتولد عن العلاقات المتنامية بسرعة مع الصين.

المسألة هنا متعددة الأوجه. في البداية علاقة السعودية بأميركا ليست وليدة الأمس، ولا تقوم على الاقتصاد فقط، بل تتشعب كثيراً وتمتد لمجالات أخرى، وعمرها يمتد إلى أكثر من سبعة عقود، وأغلب ما تم بناؤه من مشاريع ذات قيمة استراتيجية في السعودية، كان بالتعاون مع أميركا، وهذا رصيد له قيمة عالية لن تنسحب واشنطن وتتركه خلفها بمجرد أن تطلب منها الرياض، فالعملية ليست طلاقاً ينتهي في محكمة، وكل طرف يأخذ طريقه ويذهب.

وكان بايدن قد أكد خلال زيارته إلى السعودية أن الولايات المتحدة لن تنسحب من المنطقة، وأعلن، في الكلمة التي ألقاها في جدة، أن بلاده "لن تتخلى عن المنطقة وتترك فراغاً تملأه الصين أو روسيا أو إيران".

وفي المقام الثاني لا تعد الصين دولة منافسة للولايات المتحدة فحسب، بل صنفتها بمثابة تهديد استراتيجي. وهي تعد العدة لمواجهة مشروعها في منطقتي المحيط الهندي والهادئ، وتعمل مع حلفائها في تلك المنطقة مثل أستراليا لمنع الصين من الهيمنة.

وبالتالي لن تتهاون أميركا مع مشاريع الصين للتمدد نحو الخليج والشرق الأوسط وأفريقيا، ومن غير المستبعد أن يتم إدراج السعودية ضمن الاستراتيجية الأميركية لمواجهة النفوذ الصيني.

والوجه الثالث هنا، يتمثل في أن علاقة الرياض تشكل بالنسبة لبكين منفذاً رئيسياً إلى منطقتي الخليج والشرق وقارة أفريقيا، وليس هذا فقط، بل إن هذا سيتم على حساب مصالح ونفوذ أميركا في منطقة واسعة وغنية واستراتيجية. وهو شأن لن تتعامل معه أميركا من دون رد فعل يوازي حجم الخسارة التي ستتعرض لها.

وبالتالي فإنه بقدر ما تشهد العلاقات السعودية الصينية من تقدم، تبدو علاقات الرياض مع واشنطن ذاهبة نحو التعقيد، وستتضح الصورة أكثر على ضوء نتائج الانتخابات النصفية للكونغرس في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، لأن تركيبة الكونغرس الجديدة ستؤدي دوراً رئيسياً في هذا المجال.

المساهمون