أكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، اليوم السبت، عزمه على شلّ أذرع ما وصفها بـ"العصابة" (بقايا الكارتل المالي والمجموعة المحيطة بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة)، التي يتهمها بعرقلة مشروعه السياسي، وتعطيل تنفيذ إصلاحاته الاقتصادية في البلاد، وهدد بملاحقتها وتوعّدها بـ"بئس المصير".
وقال تبون، في رسالة وجهها إلى الشعب غداة إحياء ذكرى مجازر 17 أكتوبر/تشرين الأول 1961، والتي نفّذتها الشرطة الفرنسية في حق العمال الجزائريين في باريس، إنّ "الجزائر مُقدِمَة بحزمٍ على شَلِ أذرعِ هذه العصابةِ الماكرة، وكشف خبثها في تحريك أدوات التعطيلِ والتيئيس".
ويقصد بالعصابة في الخطابات السياسية والرسمية، التكتلات واللوبيات السياسية والمالية والإدارية والكوادر العسكرية التي كانت تهيمن على مؤسسات الدولة ودواليب الحكم والمقدرات في عهد بوتفليقة.
وحث تبون الجزائريين على دعم مشروعه السياسي، وتعهد بالتأسيس لعهد جديد في البلاد، وهدد اللوبيات المعرقلة له بالملاحقة، وجاء في رسالته "أدعو كل جزائرية وكل جزائري، إلى الانضمامِ إلى مسار التأسيسِ لعهد واعدٍ، لا مكانَ فيه لزراعِ اليأس ولأَعداءِ الاستحقاق والكفاءة، من الذين توارثوا تَواطؤ العصابةِ وتآمرها، لعرقَلة بعث الاقتصاد الوطني والتشكِيكِ في إرادةِ الوطنيين، الراميةِ إلى تخليصِ المجتمع من استنْزافِهم لخيراتِ البلاد بالتحايل والنَهب والتبذير، والذين ما فتئتُ أتوعدُهم بسلطانِ القانون وبئْسَ المصير".
واللافت في الخطابات الأخيرة للرئيس الجزائري حديثه المستمر عن وجود شبكات ولوبيات مصالح، تفتعل أزمات تموين وندرة في عدد من المواد الاستهلاكية، إضافة إلى المضاربة بها، كان آخرها الزيت والطحين والبطاطس. وكان قد هدد، قبل بضعة أيام، بتسليط عقوبة تصل إلى 30 سنة، وتنفيذ عقوبة الإعدام في حق اللوبيات والمضاربين الذين يثبت تورطهم في ذلك.
وخاطب الرئيس الجزائري هذه المجموعات الغامضة اليوم بقوله "وفي هذا الإطار يَنْبَغِي أن يكونَ واضحًا، وبصفة قطعية، أنَّ الشَّعبَ الجزائريَ يَمضي إلى بناءِ جزائرَ سيِّدةٍ قوية وديمقراطية مُحصَّنَةٍ بمؤسساتِها، ومُصَمِّمةٍ على الوفاءِ بالتزاماتها، وأداءِ دورها كاملاً لخدمةِ الاستقرار والأمن في المنطقة".
وفي سياق الاحتفال بذكرى 17 أكتوبر/تشرين الأول 1961، قرر الرئيس الجزائري، ترسيم الوقوف دقيقة صمت، كل سنة في هذا التاريخ، عبر كامل التّراب الوطني، بدءاً من غد الأحد الساعة 11 صباحاً بالتوقيت المحلي، ترحماً على أرواح شهداء هذه المجازر، والتي وصفها البيان الرئاسي بأنها "ممارسات استعمارية إجرامية اقترفت في حقّ بنات وأبناء الشعب الجزائري، في ذلك اليومِ المشؤوم، والتي تعكس وجهًا من الأوجه البَشِعةِ لسلسلة المجازر الشنيعة، والجرائِم ضدّ الإنسانية".
وراح ضحية مجازر 17 أكتوبر العشرات من الجزائريين، بعضهم ألقت بهم الشرطة في نهر السين، وتجد السلطات الجزائرية في هذه المناسبة فرصة للتأكيد على مطالبها المتعلقة باعتذار فرنسي صريح وإقرار بجرائم الاستعمار في حق الجزائريين.
وجدد تبون موقفه بشأن ملف الذاكرة في علاقة بباريس، مشيراً إلى أنّ الجزائر لن تقدم أي تنازلات في هذا الشأن، وأكد أنّ "هذه المناسبة تتيح لي تأكيد حرصِنا الشَّديد على التَّعاطي مع ملفَّاتِ التاريخ والذاكرة، بعيداً عن أيِّ تَرَاخٍ أو تَنازُلٍ، وبروحِ المسؤوليةِ، التي تَتَطَلَّبُها المعالجةُ الموضوعية النزيهة، وفي منأى عن تأثيراتِ الأهواء وعن هيمنة الفكر الاستعماري الاستعلائي على لوبياتٍ عاجزةٍ عن التحرُّرِ من تَطرُّفها المُزمن"، في إشارة منه إلى المواقف الفرنسية المعلنة أخيراً من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد تصريحاته المثيرة للجدل قبل أسبوعين، والتي قال فيها إنّ "الأمة الجزائرية لم تكن موجودة قبل الاستعمار الفرنسي".
وتأتي ذكرى هذه المجازر، في توقيت سياسي خاص وحساس، يتميز أساساً بتردٍ غير مسبوق في العلاقات بين الجزائر وباريس، وتصاعد لافت للأزمة السياسية بين الجزائر وباريس، منذ قرار فرنسا خفض عدد التأشيرات الممنوحة للرعايا الجزائريين، تلتها التصريحات المثيرة للجدل للرئيس ماكرون إزاء الجزائر، والتي ردت عليها الرئاسة الجزائرية باستدعاء سفيرها من باريس، محمد عنتر داود، وغلق الأجواء أمام الطيران العسكري الفرنسي المتوجه إلى أفريقيا والساحل، وتجميد جزئي لبعض مجالات التعاون العسكري بين البلدين، وتصريحات حادة من قبل الرئيس الجزائري.
وحدثت مجازر 17 أكتوبر/تشرين الأول 1961، بعد خروج العمال الجزائريين المقيمين في الضواحي الباريسية، احتجاجاً على قرار مدير شرطة باريس، موريس بابون، بفرض حظر للتجول يخص حصرياً الجزائريين، من السابعة مساء حتى الخامسة صباحاً، إذ واجهت قوات الشرطة الجزائريين وتم اعتقال الآلاف منهم، كما تعرّضوا لأبشع صور البطش والتنكيل والتعذيب، وخلفت تلك الأحداث استشهاد 300 جزائري في يوم واحد، بينهم نساء وأطفال، أُلقي ببعضهم في نهر السين أحياء.