"الدولة الفلسطينية"... مناورة أميركية لتسويق التطبيع مرفوضة إسرائيلياً

19 فبراير 2024
عارضت حكومة نتنياهو الاعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطينية (Getty)
+ الخط -

أثارت التقارير التي نشرت حول خطة أميركية بمشاركة دول عربية لإقامة دولة فلسطينية، ردود فعل بأن الهدف الأساسي منها هو إنجاز مسألة التطبيع بين إسرائيل والسعودية، وشكوكا حول جدوى التعهد بإقامتها، دون اتخاذ خطوات ملموسة بجدول زمني محدد.

وكانت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية نقلت، أمس الأحد، عن مصدر سياسي لم تسمّه، قوله إنّ رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يدرس قبول الاعتراف الأميركي أحادي الجانب بدولة فلسطينية، على أن يقود ذلك إلى تقدّم في مساعي التطبيع بين إسرائيل والسعودية.

وأوضحت الصحيفة، نقلاً عن مصدرها الذي وصفته بالمطّلع على التفاصيل، أنه "بناءً على المقترح، فإن الأميركيين سيعترفون من جانب واحد بدولة فلسطينية، فيما تبدي إسرائيل معارضتها وتوضّح أن اتفاقاً دائماً يشمل دولة فلسطينية، سيناقش فقط في مفاوضات مباشرة".

إلا أن الحكومة الإسرائيلية صادقت بالإجماع، أمس الأحد، على مقترح قرار تقدم به نتنياهو، تعارض إسرائيل بموجبه الاعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطينية، وتؤكد فيه رفضها "الإملاءات الدولية".

وقال نتنياهو، في بداية الجلسة، إنه "في ضوء الحديث الأخير في المجتمع الدولي عن محاولة فرض دولة فلسطينية على إسرائيل من جانب واحد، أطرح اليوم (أمس) قراراً بهذا الشأن لتصدق الحكومة عليه. وأنا متأكد من أنه سيحظى بموافقة واسعة النطاق".

حسام شاكر: التصور الأميركي الجديد يقوم على كيان سلطة فلسطينية لأغراض أمنية

وينص القرار على أن "إسرائيل ترفض بشكل قاطع الإملاءات الدولية فيما يتعلق بالتسوية الدائمة مع الفلسطينيين. لن يتم التوصل إلى مثل هذه التسوية إلا من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين، ودون شروط مسبقة. وستواصل إسرائيل معارضتها للاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية. اعتراف من هذا القبيل، في أعقاب مجزرة 7 أكتوبر (تشرين الأول الماضي)، سيعطي مكافأة كبيرة للإرهاب، مكافأة لا مثيل لها، وسيمنع أي تسوية مستقبلية للسلام".

الكاتب والمحلل في الشؤون الأوروبية والدولية، حسام شاكر قال، لـ"العربي الجديد"، إن "التصور الأميركي الجديد يقوم على كيان سلطة فلسطينية (مُطور) لأغراض أمنية من جانب، وأيضاً لغلق ملف القضية الفلسطينية إلى الأبد، كما يأمل أصحاب هذا الأمر".

أهداف المشروع الأميركي بشأن دولة إسرائيلية

وأشار إلى أن "هذا المشروع سيكون جسر عبور للتوسع الإقليمي لنفوذ الاحتلال، تحت عنوان التطبيع بمعنى أنه عملياً تبين أنه لا يمكن تسويق الاحتلال في المنطقة أو التطبيع الإقليمي، أو ما كان يعرف بالسلام الاقتصادي، مع وجود قضية فلسطينية ملتهبة وساخنة، وبالتالي هناك حاجة لغلق الملف الفلسطيني، من خلال شكل معين، يطلق عليه دولة، لكنه بكل تأكيد لن تتوفر له مقومات الدولة".

وأضاف شاكر أن "مفهوم الولايات المتحدة للدولة الفلسطينية التي تتحدث عنها، لا يعبر عن حقيقة الدولة أساساً. ونلاحظ أن الخطاب الأميركي أصبح يتحدث عن نمط معين من أنماط الدول المحتمل أن تكون موجودة في العالم، لكي تُسقط هذا النموذج على الدولة الفلسطينية".

وتابع: "المؤكد من المواصفات المعلنة أميركياً -على الأقل ما يفصح عنه في ثنايا الحديث، سواء من الولايات المتحدة أو من بعض حلفائها- أن الأمر يتعلق بدولة منزوعة السلاح، فاقدة السيادة عملياً، بالمعنى الحقيقي عاجزة عن حماية نفسها، والواضح أنها لن تحظى بالتواصل الجغرافي ولا بالقابلية للحياة بالمفهوم الذي كانت تتحدث عنه الرباعية الدولية قبل عقدين من الزمن".

واعتبر أن "الحديث الذي كان سابقاً عن الدولة الفلسطينية -وفق مشروع الدولتين الذي عارضته الرباعية، والذي كان يتحدث عن قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة متواصلة جغرافياً تعيش إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي- انتهى الآن عملياً".

وقال شاكر: "المؤكد أيضاً أن هذه الدولة لن تكون لكل الشعب الفلسطيني، وإنما هي تسوية لواقع الوجود السكاني، أو ما يتبقى منه في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، مع ملاحظة أنه حتى هذا الخيار، لا يبدو مقبولاً بالنسبة للاحتلال الذي لا يريد حتى أن يرى أي عنوان يحمل اسم فلسطين له طابع سيادي. وأيضاً مسألة المعابر وحرية الوصول إليها، من الواضح أنها ستكون خاضعة للتحكم الإسرائيلي، أو بأدوات ملتزمة نحو الاحتلال أمنياً".

وقال: "يضاف إلى هذا أيضاً أن الولايات المتحدة، أدركت بوضوح، أنها بحاجة إلى وسم الوضع الفلسطيني، بحيث لا تتكرر أعمال المقاومة على الأرض، بالشكل الذي حدث في قطاع غزة، وبالتالي وجود حالة أمنية قمعية داخلياً، هي مواصفات هذه الدولة".

وتابع شاكر: "أيضاً نلاحظ، أن هذا الحديث كله، لا يمس الاستيطان في الضفة الغربية، ومن الواضح أنه لن يمنح أفقاً لحرية القدس، ولن تكون عاصمة حقيقية بمعنى الكلمة للدولة الفلسطينية".

واعتبر أنه "على هذا الأساس، هذا مشروع أجوف، بلا فحوى حقيقية لدولة بشكل مسرحي، وهذا رهان جديد على تسويق الوهم وأيضاً لتمرير صفقة توسع التطبيع في المنطقة تحت عنوان أننا قد وجدنا مساراً يعني لحل القضية الفلسطينية. وبالتالي باسم هذا المسار، يمكن تسويق حالة انزلاق التطبيع في الإقليم".

لا خطة أميركية واضحة لإقامة دولة فلسطينية

المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير رخا أحمد حسن قال، لـ"العربي الجديد"، إن "تصريح واشنطن بشأن موضوع إقامة دولة فلسطينية عقب انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، رغم اعتراف 138 دولة في الأمم المتحدة بدولة فلسطين وقبولها عضواً مراقباً في المنظمة الدولية، لا يبنى على أساس خطة واضحة وبرامج زمنية محددة، والاستفادة من كل الاتفاقات والمفاوضات السابقة بشأن الدولة الفلسطينية".

وأضاف: "رد وزراء في الحكومة الإسرائيلية على هذه الفكرة بعدم الموافقة على إقامة الدولة، طالما أنهم أعضاء في الحكومة، كما أن نتنياهو نفسه سبق أن أعلن مراراً وتكراراً، أنه لا يوافق على إقامة دولة فلسطينية".

عصام عبد الشافي: الحديث عن دولة فلسطينية وسيلة لمحاولة ترويض المقاومة

وتابع حسن أن "حقيقة الموقف الأميركي ستظهر خلال الفترة القادمة، ما إذا كانت جدية أو لا، وهل ستتمسك الإدارة الأميركية بتنفيذ إقامة الدولة الفلسطينية، أم أنها مجرد عملية هروب إلى الأمام، للتغطية على مشاركتها في الحرب على غزة، وموقفها بعدم الضغط على إسرائيل لوقف دائم لإطلاق النار، ومنع عمليات الهدم والتخريب وقتل المدنيين، من النساء والأطفال، بلا أي مبرر، سوى الإبادة الجماعية".

المشروع الأميركي للاستهلاك المحلي

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عصام عبد الشافي، رأى أن التقارير التي تتحدث عن مشروع أميركي للاعتراف بدولة فلسطينية، "هي للاستهلاك المحلي" أمام الرأي العام الغربي الذي خرجت منه قطاعات كبيرة ترفض استمرار الحرب على قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة.

وقال، لـ"العربي الجديد"، إنها أيضاً "قد تأتي في إطار المناكفات السياسية بين النظام الأميركي وعدد من الدولة العربية وكذلك حكومة الكيان الصهيوني".
وأكد عبد الشافي أن الولايات المتحدة "لن توافق على دولة فلسطينية مستقلة أياً كانت حدود هذه الدولة، إلا إذا وجدت أن إسرائيل أصبحت عبئاً حقيقياً عليها وعلى مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، وأنه يجب تسوية الأوضاع بما يضمن الحفاظ على مصالحها".

ولفت إلى أن "التعهد بإقامة دولة فلسطينية بخطوات ملموسة على الأرض، على مدى زمني محدد، غير وارد، لأن الحديث عن تلك الدولة موجود منذ العام 1947، أي أكثر من 7 عقود، ولم تتحقق هذه الدولة".

وأشار إلى أنه "مع كل تغيير في الإدارات الأميركية وبعض النظم العربية، يتم الحديث عن دولة فلسطينية، وبالتالي هذه الفكرة وسيلة يتم استخدامها لمحاولة ترويض المقاومة الفلسطينية، من باب الوعود التي لن تنفذ، لأنه كيف يتم تنفيذها وهناك حرب دائرة دخلت شهرها الخامس، دون الاتفاق على حدودها الأساسية، وشعب قطاع غزة معرض للتهجير، وحكومة الكيان، ورموزه السياسية والعسكرية، ترفض فكرة هذه الدولة، لأنها تتعارض مع المشروع الصهيوني في المنطقة العربية".

وتابع: "بالتالي فالحديث الآن ليس حديث إجراءات وخطوات وجدول زمني، ولكنه حديث جدية ومصداقية وقدرة على التنفيذ. ولا أعتقد أن الأميركي يمتلك القدرة على فرض هذا البديل ووضع الدولة الفلسطينية والتأكيد على استقلالها، لأن معنى ذلك الإضرار بفرصه في الانتخابات، في ظل قوة اللوبي الصهيوني والتيارات المسيحية اليمينية".

وقال: "بالتالي لا أعتقد أن اليوم التالي للحرب يمكن أن ينشئ دولة فلسطينية، إلا إذا صمدت المقاومة وتوحدت الفصائل الفلسطينية حول مشروع وطني جاد يفرض معادلات جديدة، ويجعل من إسرائيل عبئاً على الولايات المتحدة، حتى تعيد التفكير في جدية الدولة الفلسطينية، حتى ولو على حساب بعض المسلمات لديها".

بدوره، قال نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية، مختار الغباشي إنه "من الصعب جداً إبرام اتفاق خاص بالقضية الفلسطينية دون أن يكون هناك إقرار بهذا الاتفاق من قبل المقاومة الفلسطينية، التي خاضت غمار هذه المواجهة على مدار أكثر من 4 أشهر، وأيضاً السلطة الفلسطينية. صحيح أن الأخيرة ضعيفة للغاية، لكن المقاومة صعب تجاهلها". وأضاف أن "الولايات المتحدة، وهي تفكر في هذا الأمر، ستجد أنه ليس لديها قناعة بأن إسرائيل ستقبله بسهولة".

الحكومة الإسرائيلية لا ترغب بدولة فلسطينية

الأكاديمي والسفير السوداني السابق في أميركا، الخضر هارون أكد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة اليمينية في إسرائيل، لا ترغب في أي دولة فلسطينية، لكن ربما كان لصمود غزة وما لحق بصورة إسرائيل في العالم كدولة فصل عنصري، تأثير على الرأي العام الإسرائيلي بأن بقاء الاحتلال بقوة الحديد والنار مستحيل".

وأشار إلى أن "الاعتراف بالدولتين هو الموقف القديم الذي تجاوزه فقط (الرئيس الأميركي السابق دونالد) ترامب، لكن الإدارات المختلفة في آخر أيامها، تطلق عناوين مبادرات لا وقت لمتابعتها، فالوقت للانتخابات".

من ناحيته، قال أستاذ القانون الدولي العام والخبير في النزاعات الدولية، محمد محمود مهران، لـ"العربي الجديد"، إن "الخطة لا تذكر صراحةً حق اللاجئين في العودة وفق القرار 194، كما أن الربط بينها وبين صفقة تبادل الأسرى قد يعقّد الأمور ويعطل التقدم نحو المصالحة الفلسطينية الداخلية وإقامة الدولة".
ولفت إلى أن "قراري مجلس الأمن 242 و338 يؤكدان ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967، واحترام سيادة وسلامة جميع الدول في المنطقة وحقوقها غير القابلة للتصرف".

من ناحيته، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي، سعيد صادق، لـ"العربي الجديد"، إن "من يحتاج إلى الاقتناع أولاً هم الفلسطينيون، ثم دول الخليج، خاصة السعودية، التي ربطت التطبيع بوعود وإجراءات على الأرض لإنشاء الدولة الفلسطينية، لأن إسرائيل مثل ولاية أميركية". وأضاف: أن "الوعد الأميركي سيكون مهماً فقط إذا ارتبط بخطوات وبرنامج زمني محدد، ودعم دولي من القوى الكبرى والأمم المتحدة".

المساهمون