يشهد الشارع السياسي في الكويت جدلاً متواصلاً حول التباين الكبير في أعداد الناخبين داخل الدوائر الانتخابية، وذلك مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية (انتخابات مجلس الأمة)، والمقرر إجراؤها في الخامس من ديسمبر/كانون الأول المقبل. وتنقسم الدوائر الانتخابية في الكويت، إلى خمس، وتنتخب كل دائرة 10 مرشحين لها في مجلس الأمة، ليكون مجموع أعضاء مجلس الأمة 50 عضواً. لكن التباين في أعداد الناخبين بين الدوائر، فتح باب النقاش حول عدالة التوزيع الانتخابي في البلاد، وسط مطالبات بتقسيم جديد للدوائر الانتخابية.
ويبلغ عدد من يحق لهم الانتخاب في الكويت 567 ألف ناخب وناخبة، وفق آخر إحصائية نشرتها وزارة الداخلية الكويتية، حيث يبلغ عدد الناخبين في الدائرة الأولى 84 ألفاً، فيما يبلغ عدد الناخبين في الدائرة الثانية 64 ألفاً، وفي الدائرة الثالثة 101 ألف، وفي الدائرة الرابعة 150 ألفاً، وفي الدائرة الخامسة 166 ألفاً. ووفقاً للأرقام، فإن عدد ناخبي الدائرة الخامسة، يبلغ ضعف عدد ناخبي الدائرة الثانية، لكن كلتا الدائرتين تنتخبان نفس عدد الأعضاء.
تنتخب كل دائرة 10 مرشحين لها في مجلس الأمة، بغضّ النظر عن عدد ناخبيها
ويتم توزيع الناخبين في الكويت بناءً على مناطق سكنهم وعناوينهم الموجودة في البطاقة المدنية، حيث إن كل منطقة أو ضاحية سكنية في البلاد، يتم تصنيفها دائرةً معينةً، بناءً على موقعها الجغرافي. وفي حال تغيير الناخب الكويتي لمنطقة سكنه نحو منطقة في دائرة أخرى، وتغيير عنوانه في البطاقة المدنية (الهوية الوطنية)، فإن بإمكانه نقل قيده الانتخابي إلى دائرة أخرى. لكن هذا الأمر يبدو مستحيلاً من الناحية العملية، نظراً لعدم وجود عقارات كافية في الكويت، والتشديد الحكومي الكبير على عملية نقل القيود الانتخابية.
ويقول الخبير البرلماني محمد الشمري لـ"العربي الجديد"، إن "نسبة التباين والظلم الذي يتعرض له مرشحو وناخبو الدائرة الخامسة في الكويت كبيرة جداً، فصاحب المركز الـ23 في الدائرة الخامسة في انتخابات مجلس الأمة عام 2016، حصل على عدد أصوات أكثر من التي حصل عليها صاحب المركز الـ10 في الدائرة الثانية، والذي أصبح عضواً في البرلمان". ويلفت الشمري إلى أن "التباين هذا العام، مرشح للزيادة بشكل كبير جداً".
من جهته، يشرح الأكاديمي والباحث السياسي الدكتور أحمد المطيري، أن "أزمة الدوائر الانتخابية هي أزمة عميقة داخل الكويت والجميع يعاني منها: السلطة والشعب والسياسيون"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن السبب هو أن العملية الانتخابية في الكويت "ليست عملية سياسية، بل هي عملية اجتماعية في المقام الأول، كما أن الناخبين ينتخبون الأشخاص بناء على خلفياتهم الاجتماعية، لا بناءً على برامجهم السياسية". ويرى أن هذا الواقع هو "خطأ الحكومة التي قتلت العملية السياسية داخل البرلمان خلال السنوات الماضية".
ويضيف المطيري شارحاً أنه "عندما نُقرّ بأن الانتخابات باتت عملية اجتماعية في الكويت، فإننا نقر بأن الحكومة لا تستطيع أن تصرّح بالمشكلة الحقيقية، وهي أن البدو في الكويت (أبناء القبائل) والذين يتركزون بشكل أساسي في الدائرتين الرابعة والخامسة، وبشكل أقل في الدائرة الثالثة، يبلغ عددهم ضعف الحضر (أبناء مدينة الكويت القديمة)". ويبين أنه "في حال تساوي التقسيم العددي لكل الدوائر، فإن فئات اجتماعية كثيرة داخل الكويت ستفقد وجودها في البرلمان". ويسمي المطيري ما يحدث بأنه "سياسة تمييز إيجابي، لكن الحكومة تخاف من الحديث بهذا الشكل الصريح مع الناس".
يبلغ عدد البدو، الذين يتركزون بشكل أساسي في الدائرتين الرابعة والخامسة، ضعف الحضر
وحول التباين الانتخابي أيضاً، يقول النائب الأسبق في البرلمان الكويتي، أحد مرشحي جماعة "الإخوان المسلمين" في الانتخابات الحالية، حمد المطر، إنه "على الرغم من أنني مرشح في الدائرة الثانية، والتي تُعد أقل دائرة من ناحية الناخبين، وتحصل رغم ذلك على 10 أعضاء، إلا أنني أعترف بأن هناك مشكلة كبيرة، إذ لا توجد عدالة في النظام الانتخابي الحالي، ويجب أن نعترف بشجاعة بأننا بحاجة إلى التغيير". ويؤكد المطر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "حان الوقت بالنسبة لنا كسياسيين، لكي نتحدث عن التمثيل العادل للشعب الكويتي، فالآن صوت الناخب في الدائرة الخامسة يُعد نصف صوت".
أما مرشح الدائرة الثالثة حمد الأنصاري، فيرى أن مشكلة الدوائر الانتخابية في الكويت وانعدام العدالة في توزيع أعداد الناخبين، هي جزء مما يصفه بـ"فشل منظومة الانتخاب" في البلاد، ملقياً باللوم على الحكومة والنواب السابقين، الذين لم يتحركوا بشكل جاد لتعديل النظام الانتخابي ومنح الناخب الكويتي أحقية التصويت بشكل عادل ومساواة الناخبين بعضهم ببعض. ويعتبر الأنصاري في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الحل يكمن في نظام القوائم النسبية، وتحويل الكويت إلى دائرة انتخابية واحدة، لافتاً إلى أنه "حينها سيختفي أولئك الذين ينجحون في الانتخابات لأنهم وجهاء في المجتمع، وسينجح السياسيون الذين يملكون برامج يعرضونها على المرشحين".
ومن وجهة نظره، يرى الخبير القانوني والمحامي سعد الهاجري، أن التباين في أعداد الناخبين بين الدوائر الانتخابية، يمثل قدحاً في الدستور الكويتي، الذي نصّ على تساوي الفرص بين جميع المواطنين، لكن المحكمة الدستورية في أحكامها السابقة على الطعون التي تقدم بها الكثير من المرشحين والناخبين في الدوائر الانتخابية المتفرقة رجّحت الجانب السياسي على الجانب القانوني. ويوضح في هذا الصدد أن ذلك حصل، لأن حلّ النظام الانتخابي الحالي في ظلّ الوضع السياسي القائم، سيؤدي إلى تعطيل الحياة البرلمانية.
ويؤكد الهاجري في حديثه لـ"العربي الجديد"، وجود ظلم في مسألة تقسيم الدوائر، لافتاً في الوقت ذاته، إلى أن الجهاز القضائي في الكويت، يرى أن الآلية المثلى للتعديل تكون في البرلمان. ومن وجهة نظر الخبير القانوني، فإن أياً من أعضاء البرلمان لن يدفع بتعديل النظام الانتخابي وتقسيم الدوائر الحالية، لسبب وجيه وهو أنه لن يقتل النظام الانتخابي الذي جاء به إلى الكرسي، على حدّ قوله.
وكان النظام الانتخابي في الكويت قد انطلق مع أول انتخابات برلمانية في عام 1962 بـ10 دوائر، قبل أن تقوم الحكومة الكويتية بتعديله إبان فترة حلّ مجلس الأمة عام 1980، مقسمةً الدوائر إلى 25 دائرة انتخابية. لكن حملة ضغط شعبية انطلقت في عام 2006 وعرفت باسم "نبيها خمس"(نريدها خمس دوائر)، أجبرت البرلمان على تحدي الحكومة وتغيير شكل الدوائر الانتخابية إلى 5 دوائر، وهو ما سيؤدي إلى تعزيز فرص فوز الكتل المعارضة في البرلمان، بحسب ما كان يقوله المؤيدون للدوائر الخمس.