لم يمض أكثر من 10 أيام على انضمام جنود دنماركيين، وأغلبهم من قوات النخبة إلى القوات الفرنسية، تحت مسمى "فرقة مهمة تاكوبا" غربي القارة الأفريقية، حتى استجابت كوبنهاغن لطلب الحكومة العسكرية الانتقالية في مالي بسحبهم فورا. وبعد مفاوضات بين الحكومة ولجنة الشؤون الخارجية والأمنية في البرلمان في كوبنهاغن، قررت الأخيرة الاستجابة لطلب سحب القوات.
وانضم في 18 يناير/كانون الثاني الحالي 90 عسكرياً دنماركياً وطائرتا نقل إلى القوات الفرنسية، وذلك بالتزامن مع تزايد النشاط العسكري البحري للدنمارك في مياه غرب أفريقيا "لمحاربة القرصنة" وضمان الملاحة التجارية، بحسب تبريرات كوبنهاغن.
وأعلن وزير الخارجية الدنماركي، ييبا كوفود، مساء أمس الخميس، أن بلاده ستسحب قواتها في أعقاب تشكيك مالي في شرعية تواجدها على الأرض، مشدداً على أن بلده "لا يمكنه التعايش مع ذلك (التشكيك) وبالتالي قررنا سحب الجنود".
وربط الوزير الدنماركي بين الأزمة التي اندلعت قبل أيام على تدفق الجنود وطائرتين "لمساندة المهمة الغربية في مالي" ووضع الحكم داخل هذا البلد الأفريقي، حيث اعتبر أن السلطات العسكرية الانقلابية في مالي "تحاول خلق انقسامات وإبعاد الانتباه عن المشاكل التي يعانون منها عن طريق لفت الانتباه إلى الدنمارك، من بين أمور أخرى".
وفيما لفت إلى وجود ما اعتبره "تحريضاً للأهالي (في مالي) على تواجد الجنود"، لم يستبعد كوفود وجود يد روسية "في ما يتعلق بإثارة الاضطرابات ثم الانقسامات حول المهمة".
كوبنهاغن تعتقد أيضا بوجود "لعبة قذرة متواصلة، حيث يعمل جنرالات الانقلاب أكثر مع المرتزقة الروس"، وفقا لما ذهب إليه كوفود، الذي أكد أيضا على ضرورة "البحث مع الشركاء الأوروبيين عن خطوات أكثر حكمة في مواجهة ذلك".
ولم يستبعد بعض الباحثين في المركز الدنماركي للدراسات الدولية (دييس) أن يكون بالفعل التورط الروسي من خلال مرتزقة فاغنر مع انقلابيي مالي "يهدف إلى نزع شرعية التواجد العسكري الغربي في مالي"، بحسب ما ذهبت إليه الباحثة في المركز، صباح اليوم الجمعة، سينا كولد رافنكيلد.
وقالت الأخيرة، في تعقيب لصحيفة "بوليتيكن"، إنه "لا يمكن فقط ربط ما يجري بالتدخل الروسي، بل هناك أيضا عامل آخر يلمس على الأرض ويرتبط بتزايد مشاعر العداء للتواجد العسكري الفرنسي في مالي".
مناقشات أوروبية بشأن مالي
من جانبه، حذر وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، اليوم الجمعة، من أن القوات الفرنسية والأوروبية لا تستطيع "البقاء على هذا الوضع" في مالي وتدرس طرقا "لتكييف" إجراءاتها لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل.
وقال لودريان لإذاعة "آر تي إل" وفق ما أوردته وكالة "فرانس برس"، "لا يمكننا البقاء على هذا النحو"، قبل أن يضيف "بدأنا مناقشات مع شركائنا الأفارقة ومع شركائنا الأوروبيين لمعرفة كيف يمكننا تكييف نظامنا وفقا للوضع الجديد" في مالي.
وتأتي تصريحات لودريان بينما تعقد الدول المشاركة في القوة الأوروبية مؤتمراً عبر الفيديو الجمعة يتناول مستقبل مجموعة "تاكوبا" التي تم تأسيسها في 2020 بمبادرة من فرنسا بهدف تقاسم الأعباء في الساحل.
وكانت الدنمارك أرسلت قبل نحو 10 أيام جنودها للانضمام إلى عمل فرقة "تاكوبا" التي تضم قوات من عدة دول، بحجة محاربة الإرهاب، وبموافقة الحكومة المالية السابقة قبل انقلاب 2020. ووجهت مالي إنذارا لكوبنهاغن بضرورة إعلان سحب قواتها عند منتصف ليل الأحد المنصرم، بينما وجدت الخارجية الدنماركية أن تكرار الطلب الأربعاء الماضي جعلها تستعجل قرارها.
وكانت أحزاب برلمانية من اليسار واليمين المتشدد بالدنمارك قد طالبت الأربعاء بسحب القوات من مالي، حيث أكدت مقررة الشؤون الخارجية والدفاعية عن حزب "اللائحة الموحدة" اليساري، إيفا فهولم، أنه "من الصواب الانسحاب، وكان من الممكن تجنب هذه الفوضى لو فكرت الحكومة مليا في الأمر منذ البداية، وخصوصا في اليوم التالي للانقلاب العسكري، وتعزز التعاون الانقلابي مع الروس ومرتزقتهم".
تشير هذه السياسيّة إلى رفض اليسار، وبعض أطراف اليمين المتشدد، دعم القوات الأوروبية في مالي في ظل حكومة انقلابية، حيث إن المشاركة الدنماركية تواصلت تحت غطاء الفرنسيين منذ عدة سنوات، قبل أن تُعلن صراحة إرسال جنودها الإضافيين أخيرا.
وتشمل عمليات القوات الغربية وأجهزتها الأمنية، إلى جانب مالي، كلاً من بوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا والنيجر، غير أن الأمور باتت أكثر تعقيداً بعد تأكيد تقارير أمنية غربية انتشار مرتزقة، وعلى رأسهم مرتزقة فاغنر الروسية، والتي تعمل بشكل وثيق مع سلطات الانقلاب المالية.