الدنماركيون حريصون على دعم أوكرانيا رغم طول مدة الحرب: ما أسبابهم؟

كوبنهاغن
5698EA23-7F4D-47FA-B256-09D7BCA82E5A
ناصر السهلي
صحافي فلسطيني، مراسل موقع وصحيفة "العربي الجديد" في أوروبا.
25 يوليو 2022
+ الخط -

رغم مرور خمسة أشهر على الغزو الروسي لأوكرانيا، يبدو الدعم في الشارع الأوروبي لكييف هو الطاغي. ومن اللافت أن مجتمعاً صغيراً مثل المجتمع الدنماركي، كغيره من "دول الشمال"، يحافظ بنسبة تفوق 86% من أفراده على دعم الأوكرانيين، وإظهار رغبة بدفع فاتورة التكلفة ولو على حساب محافظهم الخاصة.

ويظهر ذلك واضحاً في نتائج بحث أجرته مؤسسة "تروك فوندن" (الأمان) في كوبنهاغن، من خلال استطلاعات معهد "يوغوف" لآراء أكثر من ألفي مشارك، لتحليل اتجاهات الرأي العام، وتحت إشراف باحثين من جامعات البلد. ما يلفت في النتائج، المنشورة أول من أمس السبت، أن أخبار أوكرانيا بقيت أولوية عند 68%، بينما في ألمانيا تراجعت إلى 49%.

بالنسبة لخبير الشأن الروسي وكبير باحثي المركز الدنماركي للدراسات الدولية،فليمنغ سبيدسبويل؛ فإن "طول مدة الحرب يؤثر عادة على الرأي العام، وبما يعرف بإشباع من الأخبار، ولكن يبدو أن الأمر هنا مختلف". ويوضح سبيدسبويل لـ"العربي الجديد" أنه "عندما كانت الحرب الروسية على حلب في ذروتها، كان الاهتمام كبيراً، لكن تراجع التغطية الإعلامية أدى أيضاً إلى تراجع الاهتمام، وبالنسبة لأوكرانيا، يبدو أن العامل الجغرافي يلعب دوراً في التغطية والاهتمام الشعبي".

إذاً، ما الذي يجعل مجتمعاً صغيراً (نحو 5.6 ملايين) يبدي هذا الاهتمام بغزو روسيا أوكرانيا؟

تظهر تفاصيل نتائج قياس الرأي العام، واستعداد أغلبية الشارع لتقديم تضحيات، بما في ذلك تحمل مستوى التضخم (أكثر من 8%)، انحيازاً ملحوظاً وغير مسبوق في قبول سردية "الدفاع الغربي المشترك" من خلال حلف شمال الأطلسي، حتى في صفوف اليسار الدنماركي. بل إن أزمة الطاقة تغير رأي الشارع بإبداء 75% قبولاً لنصب توربينات هوائية ضخمة قرب منازلهم، بينما لم يكن يحظى سابقاً بتأييد أكثر من 49%.

الخوف من المستقبل يبقي على تأييد أوكرانيا

صحيح أن بعض المجتمعات الأوروبية ظهر عليها ما يسمى "إرهاق أوكرانيا" إعلامياً؛ إلا أن التضامن معها، بما في ذلك استقبال اللاجئين، يبدو مستمراً، لأسباب متقاربة تتعلق بالفضاء الجغرافي الأوروبي ومستويات التهديد المستقبلي.

وعلى المستوى الاسكندنافي، يعتبر الباحث السلوكي وأستاذ جامعة "آرهوس" ميكل بيترسن أن الأمر "مرتبط بشعور عام بأن ما هو على المحك (في غزو أوكرانيا) يتعلق بالقيم الأمنية والديمقراطية".

وفي الإطار ذاته، اعتبر الكاتب والباحث السياسي جون غراوسغورد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الاهتمام بدعم أوكرانيا يتعلق بمستويات الشعور بتهديد وجودي، وعليه يبدي المزيد من سكان اسكندنافيا الاستعداد لدفع تكلفة مقاومة الغزو الروسي لأوكرانيا". ويضيف: "ذلك ينطبق على دعم بالسلاح والتطوع المدني للمساعدة، معتبرين أن ذلك أفضل لهم من أن يجدوا الروس في الحدائق الخلفية لبيوتهم، بعد أن شاهدوا ما تفعله روسيا بالمدن الأوكرانية". وبذلك يفسر غراوسغورد إبداء أكثر 65% قابلية تحمل الفاتورة لزيادة عيار العقوبات على روسيا، ولو أدى إلى قطع تام للغاز نحو أوروبا وارتفاع كبير لتكاليف المعيشة.

في الوقت ذاته، يوضح سبيدسبويل تأرجح مستويات التأييد واختلافه بين قضية وأخرى، باعتباره طبيعياً وإنسانياً، ومضى شارحاً: "من الثابت أن التضامن الذي حظي به اللاجئون السوريون في بداية تدفقهم في 2015 تراجع مع انحسار التغطية الإعلامية". وبالتالي، فإن "مستوى تغطية الشأن الأوكراني وربطه بمستقبل أوروبا يعني استمرار الاهتمام، باعتباره مستهدفا في وجوده".

إلى ذلك، ذهب أكاديميون ومتخصصون دنماركيون، تزامناً مع نتائج الاستطلاعات، نحو ربط النتائج بما يدور في معظم أوروبا، وإن بتفاوت ملحوظ. حيث يربطه البعض بصعود في التغطية الإعلامية وهبوطها، وبأن الغزو مرتبط بأسس محفورة عميقاً لدى الأوروبيين، وخصوصاً في الشمال، وباعتبار ما يجري "ليس مجرد صراع بين دولتين جارتين، بل بين الغرب وروسيا، وفي أوروبا نفهم القضايا الأمنية باعتبارها لا تنفصل عن القيم الديمقراطية"، كما ذكر الأستاذ المشارك في كلية الصحافة والإعلام الدنماركية أسبيورن سلوت يورغنسون.

في مجمل الأحوال، من الواضح أن ما أسست له وسائل الإعلام منذ بداية غزو روسيا أوكرانيا في 24 فبراير/شباط، والأسابيع الـ12 التالية، أصبح مستقراً في ذاكرة المتلقين، باعتبار الانخراط الغربي في دعم أوكرانيا يتعلق بتقييم مشترك (عند أغلبية في المتوسط) لتهديد روسي مرتفع لمستقبل مجتمعاتهم الأوروبية.

صحيح أن نسبة الدنماركيين الذين رأوا أن الحرب يمكن أن تتوسع لتشمل بلدهم بنسبة 52% تراجعت، إلا أن 43% منهم يؤمنون أن ذلك يمكن أن يحدث مستقبلاً، وبنفس النسبة يؤمنون أن على أوروبا الاستمرار بدعم الأوكرانيين بالسلاح والذخيرة، وكل ما يحتاجونه للصمود.

وكان موقع "أكسيوس" الإعلامي الأميركي أفاد بتراجع التفاعل مع الحرب من 110 ملايين تفاعل في اليوم إلى نحو 5 ملايين بعد 100 يوم من الحرب. ورغم ذلك، تتراوح الاهتمامات بين مستويات مرتفعة تتجاوز في المتوسط 60% في دول الجوار الروسي - الأوكراني و49% بين الألمان و35% بين الأميركيين، رغم وجود قضايا أخرى تحتل أولوية في الأحداث الداخلية، و26% في بريطانيا، وفقاً لنتائج استطلاع معهد "رويترز" بداية يونيو/حزيران الماضي.