الدعوة لمعاقبة الجزائر... فتّش عن السبب

21 سبتمبر 2022
دعا السيناتور الأميركي ماركو روبيو إلى فرض عقوبات على الجزائر (وين ماكنامي/Getty)
+ الخط -

هل كانت رسالة السيناتور الأميركي، ونائب رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ بالكونغرس الأميركي، ماركو روبيو، التي وجّهها إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، بشأن فرض عقوبات على الجزائر، بسبب شرائها الأسلحة الروسية، مزحةً سياسية في توقيت حرج دولياً وإقليمياً؟ بالتأكيد لا، لكن تفتيشاً بسيطاً يقود إلى فهم الدافع والدواعي إلى هذا التحرش.

لا يمزح الأميركيون كثيراً، وقد عرف عنهم توزيع الأدوار وتحضير السيناريوهات على نار هادئة. ولم يكن صدفةً أن تتزامن رسالة السيناتور روبيو بشأن معاقبة الجزائر، مع لقاء تمّ الأربعاء الماضي بين السفيرة الأميركية إليزابيث مور أوبين وقائد أركان الجيش الجزائري الفريق سعيد شنقريحة، لم تصدر توضيحات عن طبيعته ومضمونه. لكنه من النادر أن يحدث مثل هذا اللقاء في الجزائر، حيث لا يستقبل قائد الجيش السفراء في الغالب. وهذا التزامن في الواقع يحفّز على طرح أسئلة كثيرة، عما إذا كانت الجزائر قد دخلت مرحلة الانتباه الأميركي بشكل جدي.

بخلاف ما ترى الدوائر الأميركية، وهي تعلم، فإن الجزائر لم تعد تعتمد على روسيا كممول وحيد في مجال الأسلحة، مقارنة مع العقود السابقة، إذ صارت الصين وإيطاليا وألمانيا وتركيا دول مساهمة في تسليح الجيش الجزائري، بعدما فضّلت الجزائر تنويع شركائها في مجال التسليح، بدلاً من البقاء أمام الدكان الروسي فقط. ولذلك، فإن الاستناد على صفقات الأسلحة بين الجزائر وموسكو، كداعي لمطالبة بمحاسبة الجزائر، غير مقنع بالأساس. والحقيقة أن الموقف الجزائري من الحرب في أوكرانيا، تعتبره الدوائر الأميركية غير متوازن، وإعلان وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة "تفهم الجزائر للانشغالات الأمنية لروسيا في منطقتها"، يجعل من الجزائر على طرف نقيض من الموقف الأميركي، ويطرح كلفة متوقعة لهذا الموقف.

وعلى هذا المستوى، يمكن توقع أن تزداد المواقف والإشارات الأميركية السلبية تجاه الجزائر، وتصبح أكثر حدة، عندما يزور الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون موسكو قبل نهاية العام الحالي، لتوقيع "اتفاقية التعاون الاستراتيجي". ثم إن إطلالة على بيوغرافيا نائب رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، روبيو، وهو شديد الحماسة للكيان الصهيوني ويعمل بتركيز شديد على تشريعات تدعم أمن إسرائيل، تمكّن أيضاً من فهم دواعي اهتمامه بالجزائر، ودعوته السياسية لإدراجها ضمن مسار العقوبات الأميركية، بحيث يرتبط ذلك بكون الجزائر تقود حملة مناهضة داخل المنتظم العربي والأفريقي ضد التطبيع.

من الواضح أن الجزائر، ولهذه الاعتبارات أولاً، ولتضخم نوعي في مقدراتها العسكرية في السنوات الأخيرة ثانياً، باتت داخل دائرة الضوء وانتباه الدوائر الأميركية، والمجموعات الضاغطة التي لا تتأخر في الدفاع عن مصالح إسرائيل. وإذا كانت هذه الدوائر وجدت هذه المرة في شراء الجزائر للأسلحة الروسية مصدر قلق مشروع بالنسبة لها بزعم أنه يصب في صالح توفير مقدرات مالية لموسكو تدعم خوضها الحرب، فإنه من غير الوارد أن تفتش في مزاعم وملفات أخرى في الفترة المقبلة.

صحيح أن رسالة نائب رئيس لجنة الاستخبارات الأميركية، وهي لجنة مهمة موكل لها ما يتعلق بقضايا الأمن القومي، لا تحمل الطابع الملزم على الإدارة الأميركية في الوقت الحالي، لكن المخاوف من أن تتطور إلى مسودات تشريعية تستهدف الجزائر، دولة أو أفراداً أو مؤسسات، في ظروف أخرى، تبقى قائمة، خصوصاً أن الغرب يتجه إلى تكريس قاعدة "من ليس معي فهو ضدي".

المساهمون