الدعوات الأممية إلى "تسوية سياسية" في اليمن بعد تجزئة الحلول: صحوة متأخرة

16 يونيو 2021
لا يبدو أن الحوثيين سيكترثون بالتحذيرات التي أطلقها غريفيث في الوقت الضائع (فرانس برس)
+ الخط -

صنّفت الأمم المتحدة اليمن بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وعلى مدار ستة أعوام من النزاع المعقّد، شرعت منظماتها وهيئاتها الإغاثية بفصل الملف الإنساني عن السياسي، دون أن تعي أن هذه الاستراتيجية التي التقطها الحوثيون ستتحول إلى عُقدة أمام أية فرصة سلام تلوح في الأفق.

وتعرّضت عملية السلام في اليمن، خلال فترة المبعوث مارتن غريفيث، لأكبر عملية تفكيك، حيث عمد الدبلوماسي البريطاني إلى تجزئة الحلول، من خلال الذهاب إلى توقيع اتفاق استوكهولم الهادف إلى وقف معركة الحديدة الساحلية، وذلك لدواعٍ إنسانية تحفظ أرواح المدنيين وميناءها من التدمير، قبل الانتقال إلى قضية أخرى في الملف ذاته، عندما أشرف على رعاية أكبر عملية تبادل للأسرى بين طرفي النزاع منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2020.

وكان غريفيث ينظر إلى الملف الإنساني بأنه الملعب الأنسب لتحقيق الإنجازات السهلة خلافاً للملف السياسي الشائك، لكن مراقبين يرون أن هذه الاستراتيجية جعلته يغادر منصبه بعد فترة تزيد على ثلاث سنوات من الوساطة خالي الوفاض، بعد إصرار الحوثيين على انتهاج الأمر ذاته في تجزئة الحلول.

في إحاطته الأخيرة كمبعوث لدى اليمن، مساء أمس الثلاثاء، أبلغ غريفيث مجلس الأمن بأن جهوده قد فشلت بسبب إصرار جماعة الحوثيين على "اتفاق منفصل" بشأن موانئ الحديدة ومطار صنعاء كشرط أساسي مسبق لوقف إطلاق النار وإطلاق العملية السياسية، في مقابل إصرار الحكومة اليمنية الشرعية "على أن يتمّ الاتفاق على كل هذه القضايا، أي الموانئ والمطار ووقف إطلاق النار وإطلاق العملية السياسية وتنفيذها كحزمة واحدة مع التركيز على بدء وقف إطلاق النار".

أهمل غريفيث مبدأ وقف إطلاق النار بشكل غير مسبوق، وبدت الإحاطة الأخيرة لغريفيث كما لو أنها صحوة في الوقت الضائع، حاول فيها تدارك الأخطاء بالقول "إن كل يوم لا يبدأ فيه وقف إطلاق النار، تزداد الحرب تهديداً لمستقبل اليمن"، وأنه "لا يمكن المساعدات الإنسانية، مهما بلغ حجمها، أن تكون بديلاً من الأمل في مستقبل واعد".

قال غريفيث إن "التسوية السياسية القائمة على التفاوض، وحدها كفيلة بإعادة الأمور إلى نصابها في اليمن"، ومن شأنها "أن تُنهي الحرب وتؤذن بسلام عادل ومستدام"، كذلك قدّم دعماً مباشراً للحكومة اليمنية أمام مجلس الأمن، حيث شدد على أن وقف إطلاق النار في جميع أنحاء اليمن "له أثر إنساني لا لبس فيه".

وحاول المبعوث الأممي دعم هذا التوجه الرافض ضمنياً للشروط الحوثية بترحيل مسألة وقف إطلاق النار إلى مرحلة أخرى، وقال: "الاتفاق على وقف إطلاق النار والبدء بتنفيذه عمل إنساني، فهو يعني إسكات البنادق وفتح الطرق الحيوية، بما فيها طرق مأرب وتعز وأماكن أخرى، والعودة إلى شيء من الأمن لشعب اليمن، ولا سيما للمدنيين الذين يعيشون قرب مناطق الجبهات المتعددة".

في مقابل الدعم الكامل للتسوية الشاملة، وجّه غريفيث انتقادات مباشرة إلى نتائج الاتفاقيات الإنسانية الهشة التي عمل عليها خلال السنوات الماضية، وخصوصاً ما يتعلّق بفتح معابر مدينة تعز المحاصرة من قبل الحوثيين، حيث ذكر أنّ "من المخجل لنا جميعاً ألا يكون الاتفاق الذي جرى التوصل إليه في استوكهولم حول تعز قد أتى بنتائج".

ورغم فشله في تحقيق أي إنجاز جوهري، حاول غريفيث تقديم خريطة طريق للمبعوث الذي سيخلفه في المنصب، عندما تطرّق إلى ضرورة "إجراء عملية حوار دولية لإعادة صياغة الأهداف الواقعية لعملية التفاوض"، في دعوة ضمنية إلى التخلي عن خريطة ما يُسمى الإعلان المشترك الذي يقسّم الحل إلى بنود إنسانية وسياسية وعسكرية واقتصادية.

وكشف غريفيث أن الشيء الأكثر إحباطاً خلال فترة عمله مبعوثاً خاصاً لدى اليمن، "غياب محادثات سلام شاملة"، وقال إنه أكد مراراً "أولوية العملية السياسية للتفاوض بشأن القضايا السياسية والأمنية الأساسية اللازمة لإنهاء الحرب وضمان السلام".

وكانت آخر فترة جلست فيها الأطراف اليمنية لمناقشة العملية السياسية الشاملة، أواخر عام 2016 في الكويت، في جلسات رعاها المبعوث الأممي السابق، إسماعيل ولد الشيخ أحمد.

ولا يبدو أن جماعة الحوثيين ستكترث الآن بالتحذيرات التي أطلقها غريفيث في الوقت الضائع بضرورة قيام عملية سياسية شاملة، إلا في حال حدوث "تحوّل مصيري" بناءً على جهود الوساطة التي تقوم بها سلطنة عمان مع الحوثيين نيابة عن المجتمع الدولي.

وحتى الآن، لم يُكشَف عن النتيجة التي أفضت إليها الوساطة العمانية، وماذا حملت الرسائل المتبادلة بين مسقط والرياض طوال الأيام الماضية.

ومساء الثلاثاء، قال القيادي الحوثي، محمد علي الحوثي، في تغريدة على "تويتر"، إنه إذا ردت دول التحالف بشكل إيجابي على الرسالة التي بعث بها زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، إلى سلطان عُمان، هيثم بن طارق، "فليس هناك ما يمنع من الجلوس لاستكمال الحوار في دولة قطر، إذا رحبت قيادة التحالف بذلك".

ولا يُعرف ما إذا كانت الجماعة ستوافق بناءً على الردود السعودية على إجراء مفاوضات سياسية شاملة، أو أنها ستواصل التصلّب وتتمسك بالملف الإنساني فقط، في مقابل ترحيل الملف السياسي ووقف إطلاق النار، إلى ما بعد تحقيق هدفها الرئيسي بالسيطرة على منابع النفط والغاز في مدينة مأرب، شرقي البلاد.

ومن الواضح أن جماعة الحوثيين ستواصل المناورة في مسألة وقف إطلاق النار، وظهر ذلك جلياً خلال الأيام الماضية التي شهدت زخماً دولياً لافتاً، حيث واصل مسلحوها هجماتهم على مأرب النفطية دون هوادة.

وخلال الفترة الممتدة من 1 إلى 15 يونيو/ حزيران الجاري، أحصى "العربي الجديد" 174 غارة جوية للتحالف السعودي على مواقع الحوثيين غرب مأرب، ما يكشف ضراوة الهجمات البرية للجماعة على معاقل القوات الحكومية، بالتزامن مع تكثيف هجمات صاروخية جعلت الأمم المتحدة تخرج عن صمتها وتندد بشكل صريح.

وخلافاً للبيانات السابقة التي تشير إلى سقوط ضحايا دون الإشارة إلى هوية الجهة المسؤولة، وجّه وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، أصابع الاتهام مباشرةً إلى الحوثيين، وقال أمام مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء، إن هجمات الجماعة في مأرب "تشكل تهديداً مباشراً على حياة ملايين الناس، من بينهم أكثر من مليون يمني فرّوا من ديارهم ولجأوا إلى داخل مدينة مأرب وفي محيطها".

المساهمون