شهد يوم أمس الجمعة، أول اختبار لتوافق الأحزاب المشاركة في الحكومة الإسرائيلية الجديدة حول المشروع الاستيطاني، إذ ردّ وزير المالية والاستيطان بتسلئيل سموتريتش، الذي يتزعم حركة "الصهيونية الدينية"، ووزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير، الذي يقود حركة "المنعة اليهودية" بغضب على قرار وزير الأمن، الليكودي يوآف غالانت، إخلاء بؤرة استيطانية شمال الضفة الغربية، دشّنها مستوطنون بدون إذن الجيش والحكومة.
فقد اعتبر كل من سموتريتش وبن غفير أن إخلاء البؤرة الاستيطانية يتعارض مع الاتفاقات الائتلافية التي على أساسها تشكلت الحكومة الحالية، والتي فسّرتها "الصهيونية الدينية" و"المنعة اليهودية" على أنها تمنح ضوءاً أخضر لتشريع إقامة بؤر استيطانية في أرجاء الضفة الغربية.
وقد تضمن الاتفاق مع "المنعة اليهودية" و"الصهيونية الدينية" بالفعل، بنداً ينصّ على تشريع عشرات البؤر الاستيطانية "غير القانونية". لكن هذا البند يتعلق ببؤر استيطانية سبق تدشينها بدون ترخيص من الجيش والحكومة، في حين لم تتعرض الاتفاقات الائتلافية للبؤر الاستيطانية التي يمكن أن يدشنها أعضاء تنظيم "فتية التلال" الاستيطاني بدون الرجوع للحكومة والجيش.
ويتضح أن توقيت إعلان تنظيم "فتية التلال" عن البؤرة الاستيطانية الجديدة، قلّص هامش المناورة أمام رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وغالانت، حيث تمّت هذه الخطوة أثناء تواجد مستشار الأمن القومي جيك سوليفان في إسرائيل، وهو ما مثّل إحراجاً لإدارة الرئيس جو بايدن، التي تحرص على تكرار التزامها بحل الدولتين.
وقد حاول ديوان نتنياهو تهدئة غضب سموتريتش وبن غفير بالقول إن الحكومة ستخصص، خلال الأسبوع الجاري، وقتاً لنقاش مسألة تدشين البؤر الاستيطانية. لكن نتنياهو يواجه أزمات وخيارات صعبة في كل ما يتعلق بالموقف من البؤر الاستيطانية التي يدشنها المستوطنون بدون إذن الحكومة، حيث إن حكومته، التي التزمت بمواصلة تطوير المشروع الاستيطاني من خلال عمل وزارتي الإسكان والأمن والإدارة المدنية، ستجد صعوبة في تشريع بؤر استيطانية تدشن بدون إذنها.
إلى جانب ذلك، فإن نتنياهو يعي أن ردة الفعل الأميركي والأوروبي على الأنشطة الاستيطانية وتشريع البؤر التي تدشنها التشكيلات الاستيطانية المتطرفة، سيقلّص من قدرة حكومته على بناء تحالف دولي واسع لمواجهة الملف النووي الإيراني، الذي أعلن أنه التهديد الأول الذي ستعمل هذه الحكومة على مواجهته.
وسبق للإدارة الأميركية أن حذرت الحكومة الجديدة من أن الإقدام على خطوات أحادية تتعلق بالعلاقة مع الفلسطينيين، ستؤثر على التعاون المشترك في مواجهة إيران.
إلى جانب ذلك، فإن تدشين البؤر الاستيطانية التي تقام على أراضٍ فلسطينية خاصة، يمكن أن يدفع إلى تفجير الأوضاع الأمنية، ويزيد من وتيرة عمليات المقاومة في أرجاء الضفة الغربية، بشكل يفضي إلى المسّ باستقرار السلطة الفلسطينية التي تراجعت قدرتها على بسط سيطرتها في بعض مناطق الضفة.
ومما يزيد الأمور تعقيداً، أن نتنياهو يعي أنه بدون حركتي "المنعة اليهودية" و"الصهيونية الدينية"، فإن حكومته ستسقط، لاسيما في ظل الأزمة المتفجرة مع حركة "شاس"، في أعقاب قرار المحكمة العليا إلغاء تعيين زعيمها الحاخام آرييه درعي وزيراً للداخلية والصحة.
من هنا، سيحاول نتنياهو التوصل إلى صيغة توافقية مع سموتريتش وبن غفير، تهدف إلى تقليص المسوغات التي تدفع تنظيم "فتية التلال" إلى تدشين بؤر استيطانية بدون إذن الحكومة والجيش، عبر مبادرة حكومته ذاتها بالإسراع في بناء المزيد من المستوطنات وتوسيع مستوطنات قائمة.