الخدمة العسكرية أداة ترهيب ضد المعارضة في روسيا

02 مايو 2021
يؤدي أكثر من 250 ألف روسي كل سنة الخدمة العسكرية (دونات سوروكين/Getty)
+ الخط -

يحتفظ روسلان شافيدينوف بذكرى مريرة من خدمته العسكرية، إذ أرسل المعارض الروسي لمدة عام إلى أرخبيل نوفايا زيمليا في القطب الشمالي وسط الدببة القطبية.

ويقول الصديق المقرب لأليكسي نافالني، أبرز معارضي الكرملين الذي أثار تسميمه ثم سجنه أزمة بين موسكو والغرب: "أرسلوني إلى أبعد مكان ممكن".

والعزاء الوحيد لشافيدينوف هو أنه تعلم خلال خدمته ألا يخاف من الدببة التي كانت تحوم حول المركز المعزول الذي يتمركز فيه مع أربعة جنود، ولا يمكن الوصول إليه إلا بالمروحية.

وقال الناشط البالغ من العمر 25 عاما لوكالة "فرانس برس": "لاحقني مرّة دبّ. في نهاية المطاف، لم يكن عدوانيا، لأنني كنت أطعمه".

في روسيا، يؤدي أكثر من 250 ألف رجل تتراوح أعمارهم بين 18 و27 عاما كل سنة الخدمة العسكرية، التي تم تخفيضها في 2008 إلى عام واحد بدل عامين، ما سمح بالحد من التصرفات المهينة أو العنيفة خلال طقوس استقبال المجندين الجدد، رغم أن أعمال عنف لا تزال تجري.

وينجح الكثير من الروس في التهرب منها متذرعين بأسباب طبية أو دراسية، وذلك عبر تجاهل الاستدعاء أو دفع رشاوى.

أما بالنسبة للمعارضين، فيكون الأمر أكثر تعقيدا في أغلب الأحيان. وهم يؤكدون أن الخدمة العسكرية باتت ضمن ترسانة السلطة لإسكاتهم.

عقوبة بدون جريمة

 

 

 

تعرض شافيدينوف لضغوط ولعمليتي دهم نهاية 2019، بينما كان فريقه قد نسق تظاهرات في موسكو ويعمل على إطلاق خطة للتصدي لحزب الرئيس فلاديمير بوتين في الانتخابات المحلية.

 

تم تجنيده في الجيش حينها على الرغم من "أسباب طبية" تحول دون ذلك، حسب قوله. ورفضت الطعون التي تقدم بها. وفي 23 ديسمبر/ كانون الأول 2019، حطمت الشرطة باب شقته واقتادته مكبل اليدين إلى أقصى الشمال.

 

وقال: "لم أكن أتخيل أن روسيا ستعاود ممارسات نفي الشخصيات السياسية"، مندداً بالرغبة في "ترهيب" الشباب.

 

لم يكن مسموحا له خلال الخدمة الحصول على هاتف خلوي مطلقًا، واضطر إلى التواصل مع أقاربه عبر الرسائل التي كان يستغرق وصولها أسابيع.

 

وشافيدينوف هو أحد معاوني نافالني الثلاثة الذين أرسلوا رغماً عنهم إلى الجيش خلال السنوات الخمس الماضية. وتمت ملاحقة أربعة آخرين بتهمة "الإخلال" بالتزاماتهم العسكرية. وتم تجنيد المدافع عن حقوق الإنسان أوليغ كوزلوفسكي (36 عامًا) في 2007، رغم وجود عذر طبي وتحصيله الدراسي.

 

قال هذا الموظف في منظمة العفو الدولية غير الحكومية: "كانت قضيتي تعد سابقة خطيرة. الآن تُستخدم هذه الأساليب بلا كلل".

 

 

 

ينجح الكثير من الروس في التهرب منها متذرعين بأسباب طبية أو دراسية، وذلك عبر تجاهل الاستدعاء أو دفع رشاوى

 

 

 

وأشار كوزلوفسكي إلى "أنها عقوبة بلا جريمة، ووسيلة نفي"، موضحاً أن السلطات تلجأ إليها عندما "تصبح الإجراءات القانونية أو إيجاد أسباب حقيقية أمراً معقداً أو مستحيلاً".

 

واعتبر أن حالات ناشطين معروفين أرسلوا إلى الجيش ليست سوى "غيض من فيض". وبالتوازي، يخضع المتظاهرون المعتقلون بانتظام لـ"تدقيق" حول وضعهم العسكري.

 

في عام 2019، رصد محققون روس "134 حالة تهرب من الجيش" بين المتظاهرين الذين تم اعتقالهم في موسكو. وصدرت أوامر بتدقيق مماثل بعد التظاهرات المؤيدة لنافالني في يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط.

 

ورفضت وزارة الدفاع الروسية التعليق على ذلك رداً على طلب وكالة "فرانس برس".

 

مدرسة للعبودية

 

في لوغا، التي تبعد حوالي مائة كيلومتر عن سانت بطرسبرغ، أعربت مارغريتا يودينا عن استيائها بسبب استدعاء ابنيها روبرت وروستيسلاف البالغين من العمر 24 و20 عامًا.

 

واعتبرت أن ذلك مرتبط بـ"أنشطتها السياسية".

 

 

 

 

 

 

وتعرضت يودينا، المؤيدة لنافالني، للضرب على أيدي الشرطة في يناير/ كانون الثاني خلال تجمع حاشد. وتداول الإعلام القضية بكثرة وندد علنا بالاعتداء عليها، وقدمت شكوى.

 

تؤكد هذه المرأة البالغة من العمر 54 عامًا: "إنه ضغط وترهيب ومضايقة لأخفف الكلام"، رافضة إرسال ولديها، وأحدهما مصاب بداء السكري، إلى الجيش الذي وصفته بأنه "مدرسة للعبودية".

 

وحتى لو أصبح الجيش الروسي احترافيا بدرجة كبيرة في السنوات الأخيرة، فقد استمر التجنيد الإجباري لأسباب تتعلق بالميزانية، ولأسباب ثقافية أيضا، في بلد كان عسكريا بشدة لفترة طويلة.

 

في ألتاي (سيبيريا)، لا يزال الناشط فسيفولود جونكوف، البالغ من العمر 19 عاما، يريد التهرب. بعد تعرضه لضغوط بسبب انخراطه في المعارضة، تم تجنيده الخريف الماضي، وتمكن من تجنب ذلك بصعوبة. وقال: "طعنت على الفور في قرار اللجنة العسكرية" التي ألغت القرار.

 

استؤنفت دعوة التجنيد في إبريل/ نيسان بعد العطلة الشتوية، وتم استدعاؤه مرة أخرى لإجراء الفحوصات. لم تتم تعبئته رسمياً بعد، لكن بالنسبة له "المشاكل ستستمر" من دون شك.

 

 

 

(فرانس برس)