لم يتقدم النظام و"الإدارة الذاتية"، ذات الصبغة الكردية في الشمال الشرقي من سورية، خطوة جديّة بعد في طريق الحوار الذي تدفع باتجاهه روسيا، لحسم مستقبل ما بات يُعرف بـ"منطقة شرقي الفرات"، ما يُبقي التشنّج السياسي عنواناً للعلاقة التي تربط الطرفين. وحول ذلك، رأت إلهام أحمد، رئيسة الهيئة التنفيذية لـ"مجلس سورية الديمقراطية" (مسد)، الجناح السياسي لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، أن القبول بحل سياسي أو حوار مع النظام "لا يعني إطلاقاً التنازل أو تسليم أي منطقة للقوات الحكومية". وفي كلمة لها في ندوة أقيمت في مدينة الرقة، مساء أول من أمس الثلاثاء، كشفت أحمد "أن مسؤولي شمال شرقي سورية رفضوا مقترحاً روسياً بإدخال ثلاثة آلاف عنصر من القوات الحكومية إلى مدينة كوباني (عين العرب)"، وفق ما جاء في مواقع إخبارية تابعة لـ"الإدارة الذاتية". وأشارت إلى أن الرفض غايته "منع تكرار سيناريو درعا في مدينة كوباني". ولفتت إلى أن الحرب الإعلامية التي مورست بالتزامن مع التهديدات بعملية عسكرية تركية، كانت شرسة تجاه المنطقة. وكانت أحمد وهي قيادية في حزب "الاتحاد الديمقراطي"، أبرز أحزاب "الإدارة الذاتية"، أجرت أخيراً مباحثات مع مسؤولين في وزارة الخارجية الروسية في موسكو، حول الأوضاع في شمال سورية وشمال شرقها. وكان النظام حاول استغلال خشية الأكراد في شمال شرق سورية من عملية عسكرية تركية جديدة في شرق الفرات أو غربه، تلوّح بها منذ نحو شهر، لدفعهم لتقديم تنازلات تصل إلى حد تسليم مدن تحت سيطرتهم، مثل منبج أو الطبقة أو الرقة.
رفضت "الإدارة" دخول 3 آلاف عنصر من النظام إلى عين العرب
لكن من الواضح أن "الاتحاد الديمقراطي" المهيمن على قوات "قسد" من ذراعه العسكرية (الوحدات الكردية)، ما زال عند شروطه لإبرام اتفاق مع النظام، والتي تتمثل بالاعتراف بـ"الإدارة الذاتية" واعتبار "قسد" وقوى الأمن الداخلي (الأسايش) جزءاً من المنظومة العسكرية والأمنية للدولة السورية، وهو ما يرفضه النظام بشكل مطلق. في هذا السياق، قال عضو المكتب الإعلامي في "مسد" بهزاد عمو، في حديث مع "العربي الجديد": "نحن في مناطق شمال وشرق سورية لم نعتمد سياسة الباب المغلق والطريق المسدود"، موضحاً أنه "إذا توفرت الإرادة الجدية يمكن أن نصل إلى نتائج حقيقية". واعتبر أن النظام لا يرغب باستيعاب الواقع الراهن والمستجدات التي حصلت طيلة السنوات العشر الماضية. وشدّد على أن "قوات سورية الديمقراطية التي تضم كافة مكونات المنطقة من عرب وأكراد وسريان وآشور وغيرهم، دفعت الدماء لتحرير المنطقة من الإرهاب. ولا يمكن تجاوز هذه الحقيقة والقفز فوقها". وأشار إلى أن التجربة "أثبتت أن الإدارة الذاتية تتيح للشعب إدارة نفسه واستثمار طاقاته لخدمة المنطقة". وبرأيه فإن "مشروع الإدارة الذاتية تكاملي وتشاركي ولا يسعى للانفصال كما يدّعي النظام وطيف من المعارضة المحسوبة على تركيا". وتعتمد قوات "قسد" على دعم أميركي كبير سياسياً وعسكرياً، وهو ما يفسّر تصلبها تجاه شروط النظام باستعادة المنطقة مقابل "حقوق ثقافية" للأكراد في المناطق التي يشكلون فيها أكثرية في عين العرب في ريف حلب الشمالي الشرقي، وفي مدينة القامشلي وبعض البلدات الأخرى في محافظة الحسكة أقصى الشمال الشرقي من سورية.
النظام لا يرغب باستيعاب الواقع الراهن والمستجدات التي حصلت طيلة السنوات العشر الماضية
وسبق أن عُقدت خلال العامين الأخيرين عدة جولات حوار بين مسؤولين أكراد في "الإدارة الذاتية" والنظام بإشراف من الجانب الروسي في العاصمة دمشق، إلا أن النتائج كانت صفرية. وليس للنظام في شرق الفرات، التي تشكّل ربع مساحة سورية وتعد المنطقة الأهم فيها اقتصادياً، سوى مربعين أمنيين في مدينتي الحسكة والقامشلي، وقوات حماية للحدود مع الجانب التركي وفق اتفاق مع الجانب الروسي وُقّع في أكتوبر/تشرين الأول 2019. ويرى الناشط السياسي إبراهيم مسلم، المقرّب من "الإدارة الذاتية"، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الطريق مسدود الآن بين الإدارة والنظام"، مستدركاً بالقول "لكن في النهاية لا بد من اتفاق بسبب الضغوط الروسية والعربية على النظام". ويعرب عن اعتقاده بأن "كلا الطرفين (الإدارة والنظام) سيضطران إلى تقديم تنازلات للوصول إلى صيغة توافقية". وبرأيه فإن "الظروف تغيّرت، والنظام لم يعد كما هو قبل سنوات، والإدارة تواجه تحديات كثيرة، أولها التهديد التركي، ومن مصلحتها الاتفاق مع النظام لمواجهة هذا التهديد". ويخلص إلى القول إن "كل هذه الظروف سوف تفرض على النظام والإدارة الاتفاق"، معرباً عن اعتقاده بأن الطرفين سيصلان إلى نتيجة من خلال الحوار.