أكدت الحكومة اللبنانية، اليوم السبت، أن العمل الحكومي مستمرّ، إذ لا يمكن ترك البلد بلا حكومة في ظلّ الأزمات التي يواجهها لبنان، على الرغم من محدودية الوسائل المتوفّرة بين يديها، مؤكدة الحرص على الحفاظ على العلاقات مع كل دول مجلس التعاون الخليجي.
وعقدت خلية أزمة شكلتها الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي، للبحث في سبل مواجهة التصعيد الخليجي الأخير، ودعوات من قبل أطراف لبنانية عدة لاستقالة الحكومة لا سيما من خط معارض لـ"حزب الله"، بعد الجدل الذي أثارته تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، الذي اعتبر أنّ قتال الحوثيين ضد السعودية "دفاع عن النفس"، الأمر الذي دفع الحكومة إلى التنصّل من تلك التصريحات، والتأكيد أنها كانت سابقة لتولّيه المنصب.
واستدعت كلّ من السعودية والبحرين، أمس الجمعة، سفيريهما لدى لبنان للتشاور، وتم إمهال السفير اللبناني لدى كلّ منهما 48 ساعة للمغادرة، وتبع ذلك قرار مماثل من الكويت، اليوم السبت.
وأشار وزير الخارجية والمغتربين اللبناني عبدالله بو حبيب، بعد انتهاء اجتماع خلية الأزمة التي شارك فيها القائم بالأعمال في السفارة الأميركية وين دايتون، إلى "أننا تواصلنا مع الأميركيين لحضور الاجتماع، لأنهم قادرون على معالجة الأزمة الراهنة"، لافتاً إلى أنّ "الجهات الدولية التي تواصل معها رئيس الوزراء نجيب ميقاتي طلبت منه عدم التفكير في الاستقالة".
عون يدعو لاتفاقيات ثنائية مع السعودية
وتابع رئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون قبل ظهر اليوم، المداولات التي طرحت خلال الاجتماع الذي عقد في وزارة الخارجية والمغتربين لخليّة الأزمة. وفي هذا السياق، أفاد بيان صادر عن الرئاسة اللبنانية بأن عون "جدّد التأكيد على حرصه على إقامة أفضل وأطيب العلاقات مع المملكة العربية السعودية الشقيقة، ومأسسة هذه العلاقات وترسيخها من خلال توقيع الاتفاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، بحيث لا تؤّثر عليها المواقف والآراء التي تصدر عن البعض، وتتسبّب بأزمة بين البلدين، لا سيّما أنّ مثل هذا الأمر تكرّر أكثر من مرّة".
واعتبر عون أنه "من الضروري أن يكون التواصل بين البلدين في المستوى الذي يطمح إليه لبنان في علاقاته مع المملكة ومع سائر دول الخليج".
الرئيس عون تابع مداولات خليّة الأزمة لمعالجة تداعيات موقف المملكة العربية السعودية الأخير: حريصون على إقامة أفضل وأطيب العلاقات مع المملكة ومأسّسة هذه العلاقات وترسيخها من خلال توقيع الاتفاقات الثنائية بين البلدين
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) October 30, 2021
وزير التربية اللبناني: نسعى للوصول إلى حلّ مقبول
في الموازاة، قال وزير التربية اللبناني عباس الحلبي في اتصال مع "العربي الجديد": "كخلية أزمة لا نزال نسعى بجهدنا لنصل إلى حلّ مقبول والمساعي مستمرة لأجل ذلك".
وحول ما سُرِّب من معلوماتٍ عن نيّة بعض الوزراء تقديم استقالتهم من الحكومة، أشار الحلبي إلى أن المساعي مستمرّة ولم نصل إلى أي شيء بعد حتى نعلن عنه.
من جهة ثانية لفت وزير التربية الذي شارك في اجتماع خلية الأزمة، إلى أن المسؤول الأميركي تحدث في الاجتماع عن نتيجة الاتصالات التي طلبها رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي مع الأميركيين والسعوديين، وقد وضع وزير الخارجية اللبناني في أجوائها.
وحصلت اتصالات خارجية مكثفة مع المسؤولين في لبنان، على رأسهم ميقاتي، للدعوة إلى إيجاد حلّ وتهدئة المواقف على الساحة المحلية، وأبرزها من باريس، ولا سيما أنّ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يُعَدّ من عرابي حكومة ميقاتي، وهو يحرص على استمرارها في الفترة الراهنة وحتى إجراء الانتخابات النيابية في مارس/آذار المقبل، بحسب مصدر مقرّب من وزير الخارجية اللبناني تحدث لـ"العربي الجديد".
وقال مصدرٌ دبلوماسي أميركي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأميركيين لا يريدون للحكومة أن تستقيل، على الرغم من أنهم منزعجون من التطورات السياسية التي يشهدها لبنان في الفترة الأخيرة، وطريقة التعاطي مع ملف التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت، ولكن يعتبرون أن استقالة الحكومة ستؤدي إلى فوضى وزعزعة للاستقرار الأمني في البلاد".
وأشار المصدر إلى أنّ "واشنطن ستفعّل اتصالاتها مع المسؤولين اللبنانيين من خلال سفارة بلادها في بيروت، للحث على ضبط المواقف، وإيجاد حلّ، وهي أبدت انزعاجها من تعاطي حزب الله ومن خلفه إيران، وممارساته التي علّقت جلسات الحكومة، في وقت ينتظر المجتمع الدولي والأميركيون الإصلاحات".
رؤساء الحكومة السابقون لقرداحي: استقل
وطالب رؤساء الحكومة اللبنانية السابقون فؤاد السنيورة، سعد الحريري، وتمام سلام، باستقالة وزير الإعلام جورج قرداحي سريعاً، واعتبروا في بيان أنّ "استمراره في الحكومة أصبح يشكل خطراً على العلاقات اللبنانية العربية، وعلى مصلحة لبنان واللبنانيين في دول الخليج العربي وفي العالم".
واستنكر الرؤساء ودانوا "المواقف الخارجة عن الأصول والأعراف والمواثيق العربية والدبلوماسية والأخلاقية التي صدرت عن قرداحي، سواء تلك التي أدلى بها قبل تشكيل الحكومة، أو بطبيعة التبريرات التي صدرت عنه بعد ذلك، لأنها أصبحت تشكل ضربة قاصمة للعلاقات الأخوية والمواثيق والمصالح العربية المشتركة التي تربط لبنان بالدول العربية الشقيقة، وتحديداً دول مجلس التعاون الخليجي ولا سيما المملكة العربية السعودية".
وقالوا إنّ "لبنان لم يعد قادراً على تحمّل الضربات والانتكاسات المتوالية التي وقعت وألمّت به نتيجة انحراف السياسة الخارجية بشكل مخالف للسياسة التي أعلنت عنها الحكومات اللبنانية المتعاقبة والتزامها، بها لجهة النأي بالنفس عن الصراعات والمحاور الإقليمية والدولية، وذلك بالانضمام إلى المحور الذي تقوده إيران في المنطقة، وكذلك من خلال الدور التدخلي والتدميري الذي اضطلع به حزب الله منذ انخراطه في الأزمات والحروب العربية".
وختم الرؤساء بيانهم: "لقد طفح الكيل أيها السادة، ولبنان لا يمكن أن يكون إلّا عربياً مخلصاً ومتمسكاً بإخوانه الذين أسهموا في دعم استقلاله وحرياته وسيادته وتألقه وتفوقه".
فرنجية: قرداحي ظُلم وأنا معه
من جهته، تمسك رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية بالوزير المحسوب عليه في الحكومة، وحذر من أنه "إذا استقال قرداحي أو أقيلَ فلن نسمّي خلفاً له، وأنا ملتزم بما يقرّره". وقال بعد لقائه البطريرك الماروني بشارة الراعي في بكركي: "لا أريد أي مكاسب من كل ما يجري ولن أقبل تقديم جورج قرداحي فدية.. وهل جورج قرداحي عذر أو سبب؟"، مشيراً إلى أن "قرداحي ظُلِمَ وأنا معه".
قرداحي ظُلم وأنا معه
— Sleiman Frangieh (@sleimanfrangieh) October 30, 2021
ولفت فرنجية إلى أنه "إذا استقالت الحكومة، لن نكون قادرين على تشكيل حكومة قبل نهاية العهد"، مضيفاً: "وزير الإعلام جورج قرداحي عرض علي الاستقالة من بعبدا أو من بكركي إلا أنني رفضت، فهو لم يرتكب أي خطأ".
وتابع فرنجية: "نتمنى الاستمرار بأفضل العلاقات مع الدول العربية، وخلال السنوات الـ15 الأخيرة لم يكن لدينا أي موقف ضد الدول العربية والخليجية وهذا ليس انطلاقاً من التزلف الذي يمارسه البعض بل انطلاقاً من قناعاتنا".
فرنجيه من بكركي: نحرص على علاقات جيدة مع الدول العربية واذا استقال قرداحي لن نسمي خلفاً لهhttps://t.co/YOyOAtighd pic.twitter.com/YtCoH6Qarb
— Sleiman Frangieh (@sleimanfrangieh) October 30, 2021
وأضاف رئيس "المردة" أنّ "قرداحي يعرف مصلحة لبنان جيداً وهو بريء، وما صدر عنه نقطة بالنسبة إلى ما يصدر عن الرئيس ميشال عون".
وفي وقت سابق، أكد مصدرٌ في "حزب الله"، لـ"العربي الجديد"، أن "لا توافق حتى الساعة على أي قرار، ونحن متمسِّكون بوزير الإعلام، ونرفض ما يتعرّض له"، معتبراً أنّ "الإجراءات السعودية تصبّ في إطار الاستهداف السياسي لفريقنا أولاً".