وقّعت الحكومة السودانية وتحالف "الجبهة الثورية"، اليوم السبت، اتفاق سلام ينهي سنوات من الحرب والنزاع، في عدد من المناطق، مثل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
ووقّع الاتفاق نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو عن جانب الحكومة، وزعماء الحركات المتمردة والأحزاب المدنية المنضوية تحت لواء "الجبهة الثورية".
كذلك وقّع الاتفاق النهائي، كشهود وضامنين، رئيس حكومة جنوب السودان سلفا كير ميارديت، وممثلون لكلّ من قطر والإمارات ومصر وتشاد والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وحضر مراسم التوقيع التي جرت بالقرب من قبر الأب الروحي لجنوب السودان جون قرنق كلّ من رئيس تشاد إدريس ديبي، ورئيس وزراء مصر مصطفى مدبولي، والرئيس الصومالي محمد عبد الله، وسط حشود شعبية من أبناء السودان وجنوب السودان، صدحت بأغانٍ وطنية وسودانية.
أبرز ما جاء في الاتفاق منح الحكم الذاتي لمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وإنشاء نظام حكم إقليمي في دارفور
وتوصلّت الأطراف إلى الاتفاق بعد أكثر من عامٍ من التفاوض الذي توسطت فيه حكومة جنوب السودان، وشارك فيه، إضافةً إلى حكومة السودان، تحالف "الجبهة الثورية"، وهو تحالف يضم حركات مسلحة؛ أبرزها حركة "العدل والمساواة" وحركة "تحرير السودان"، و"الحركة الشعبية قطاع الشمال" فصيل مالك عقار، وحركة "تحرير السودان" المجلس الانتقالي، كما تضم الجبهة عدداً من الأحزاب المدنية مثل مؤتمر "البجا" والحزب "الاتحادي" وحركة "كوش" .
وأبرز ما جاء في الاتفاق الذي سبق أن وُقّع بالأحرف الأولى، هو منح الحكم الذاتي لمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وإنشاء نظام حكم إقليمي في دارفور، ومشاركة "الجبهة الثورية" في كل هياكل السلطة الانتقالية، من مجلس السيادة ومجلس الوزراء وبرلمان انتقالي، كما يعطيها الحق في الاحتفاظ بقواتها لمدة 39 شهراً، على أن تشكل قوات مشتركة لحماية المدنيين في مناطق النزاع، إضافة إلى الاتفاق على إصلاح القطاع العسكري والأمني، ووضع ضمانات لعودة اللاجئين والنازحين إلى مناطقهم الأصلية.
ولتحقيق العدالة الانتقالية، ينصّ الاتفاق، ضمن بنود أخرى، على مثول المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية أمام المحكمة بعد اتهامهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية في دارفور، ومن بين أبرز المطلوبين الرئيس المعزول عمر البشير، كما يضع الاتفاق أسساً جديدةً لقسمة الموارد المالية بين الحكومة المركزية والأقاليم، وتخصيص موارد خاصة بالمناطق المتأثرة بالحرب، وبنوداً خاصةً حول معالجات تنموية في كل من شرق السودان وشمال السودان والوسط.
وأكد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك أن السلام سيفتح آفاقاً رحبة للتنمية والتقدم والازدهار، موضحاً أن الاتفاق يفتح صفحة جديدة تنهي الحروب، وتضع حداً لمعاناة أهلنا في معسكرات النزوح واللجوء.
وعلى هامش حفل التوقيع على الاتفاق، قال رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، "نحقق اليوم أحد أهم أهداف ثورتنا وهو السلام"، مؤكداً أن الحكومة الانتقالية ملتزمة بتنفيذ اتفاق السلام لضخ روح جديدة وتوسيع قاعدة المشاركة في السلطة.
وشدد على أنه لن تكون هناك عودة للحرب وأن الاتفاق سيكون أكبر سند للحكومة الانتقالية، مضيفاً أن السلام لن يكتمل إلا بانضمام "حركة تحرير السودان" بقيادة عبد الواحد محمد نور، و"الحركة الشعبية" بقيادة عبد العزيز الحلو. وأشاد بالدعم المستمر الذي تقدمه قطر والسعودية ومصر والإمارات وتشاد وكينيا وإريتريا وإثيوبيا، للسودان.
من جهته، عبر رئيس حكومة جنوب السودان، عن سعادته بتحقيق السلام في السودان بوساطة من بلاده متعهدا بمواصلة جوبا جهودها لإكمال عملية السلام في السودان. وأوضح أن تنفيذ اتفاق السلام سيواجه صعوبات جمة خاصة في الظروف الحالية ودعا المجتمع الدولي لتنفيذ تعهداته لدعم العملية السلمية والتنمية خاصة في مناطق النزاع.
وتغيبت عن لحظات التوقيع اثنتان من حركات التمرد الرئيسة، أولاها "الحركة الشعبية" فصيل عبد العزيز الحلو، التي تعثرت المفاوضات بينها وبين الحكومة. ونقلت تقارير صحافية من جوبا أن اجتماعاً عقد أمس الجمعة، بين رئيس حكومة جنوب السودان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك ورئيس الحركة عبد العزيز الحلو، بغرض تحريك جمود المفاوضات بين الطرفين، وتداول الاجتماع تطوّر العملية السلميّة بين الحكومة الانتقالية والحركة بما يصبّ في اتجاه عودة المباحثات بينهما، وتم الاتفاق على أن استكمال السلام العادل الشامل بالسودان أمر مصيري لدولتي السودان وجنوب السودان، بما يخدم الاستقرار السياسي والاقتصادي لشعبي البلدين.
أما الحركة الثانية، التي سجلت غياباً عن التوقيع، فهي حركة "تحرير السودان" بزعامة عبد الواحد محمد نور التي تقاتل في دارفور، وقد رفضت المفاوضات من حيث المبدأ، لعدم اعترافها بمشروعية الحكومة الانتقالية في السودان التي تعتبرها امتداداً لنظام الرئيس المعزول عمر البشير.
وكان الحزب الشيوعي السوداني، أحد أحزاب تحالف "الحرية والتغيير" الحاكم، قد عبّر، في بيان له يوم الخميس عن رفضه اتفاق جوبا، وأكد أنه لن يقود إلى سلام حقيقي إنما لمحاصصات حزبية ضيقة وقسمة للمناصب، داعياً الجماهير إلى مواصلة نضالها لتحقيق أهداف الثورة السودانية.
ودخل السودان منذ أغسطس/ آب من العام الماضي في مرحلة انتقالية مدتها 39 شهراً تعقبها انتخابات عامة، لكن الاتفاق الجديد حدّد بداية الفترة الانتقالية بالتوقيع على اتفاق السلام، ومن المقرّر أن يُجرى تغيير على الوثيقة الدستورية التي وُقّعت قبل أكثر من عام بين المجلس العسكري وقوى إعلان "الحرية والتغيير".