الحكم على نائب تونسي واستنكار محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية

06 مارس 2022
من ندوة صحافية لهيئة الدفاع عن الكيلاني في 3 مارس 2022 (فيسبوك)
+ الخط -

استغربت الساحة السياسية التونسية، يوم الأحد، صدور قرار جديد بسجن النائب التونسي عصام البرقوقي (رئيس كتلة المستقبل سابقا) بحكم غيابي من الدائرة الجناحية بالمحكمة العسكرية الدائمة بتونس، بسجنه مدة 10 أشهر مع النفاذ العاجل، تزامن ذلك مع استنكار عدة شخصيات وطنية تونسية ومنظمات حقوقية وجمعيات ونشطاء محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، محذرة، في بيان لها، من "عودة الاستبداد".

وكتب البرقوقي، في صفحته على "فسيبوك": "فوجئت أنه حكم علي من طرف المحكمة العسكرية بعشرة أشهر سجن مع النفاذ العاجل، دون أن أعلم ودون أن يصلني أي إعلام أو دعوة لأي طور من أطوار القضية التي استغرقت لحظات من الزمن بين دائرة الاتهام والتحقيق والحكم من طرف المكتب الثالث بالمحكمة العسكرية".

ويواجه البرقوقي تهم "المس من كرامة الجيش الوطني وسمعته، بما من شأنه أن يضعف في الجيش روح النظام العسكري، ونسبة أمور غير حقيقة لموظف عمومي دون الإدلاء بما يفيد صحة ذلك، وإتيان أمر موحش في حق رئيس الجمهورية، والإساءة إلى الغير عبر الشبكة العمومية للاتصالات".

وعلق البرقوقي قائلا: "هذا النظام لا غرام له غير تجميع السلطات وتوظيف ذلك لقمع الحريات، يريد أن يعيد البلاد إلى عهد الفاشية". وتابع: "التهم انتقاد قيس سعيد وإتيان أمر موحش ضده... وخلافا لما يزعم البعض فإن قيس سعيد لا علاقة له بالحرب على الفساد لأنه أكبر فاسد"، بحسب قوله.

وعلق المحامي ووزير حقوق الإنسان الأسبق سمير ديلو، في تصريح لـ"العربي الجديد"، على محاكمة النائب عصام البرقوقي عسكريا والحكم عليه غيابيا، بأنها ليست "المحاكمة الأولى وقد لا تكون الأخيرة، وهي كسابقاتها محاكمة رأي يُحكَم فيها بالسّجن من أجل تصريح سياسي وبتُهَم مضحكة".

ديلو: تبيّن عدم وجود أيّ ملفّ قضائيّ ضدّ النائب البحيري وأنّ خلفيّة إيقافه سياسيّة بقرار من الرّئيس وتنفيذ من وزير داخليّته"

وأضاف ديلو أن "ملاحقة البرقوقي والنواب عموما، وخصوصا المعارضين، بواسطة المحاكم العسكرية أصبح ممنهجا، بقصد تخويف المعارضين واستهداف حرية الرأي والحق في المعارضة"، مشددا: "لا شكّ في ذلك، فعدد المدنيين الذين أحيلوا على القضاء العسكريّ في الأشهر السّبعة الأخيرة (محامون ونوّاب وصحفيّون) أكثر من العدد الذي حوكم عسكريّا في ربع قرن سبق ذلك التّاريخ".

وحول تواصل احتجاز البرلماني والمحامي نورالدين البحيري دون سند قانوني منذ أكثر من شهرين، قال ديلو إنه "أصبح واضحا أنّ الأستاذ البحيري هو الأسير الشّخصيّ لقيس سعيّد، فرغم ادّعاءات وزير الدّخليّة بعد يومين من اختطافه، تبيّن عدم وجود أيّ ملفّ قضائيّ ضدّه، وأنّ خلفيّة إيقافه سياسيّة بقرار من الرّئيس وتنفيذ من وزير داخليّته".

وتواصل السلطات التونسية احتجاز نائب رئيس حركة النهضة ووزير العدل الأسبق، والبرلماني بمجلس الشعب، نور الدين البحيري في محافظة بنزرت، منذ نحو 66 يوما بمقتضى قرار وضعه قيد الإقامة الجبرية بأمر من وزير الداخلية توفيق شرف الدين. 

القضاء العسكري: ضرب للحريات العامة

من جانبها، عبرت شخصيات وطنية تونسية ومنظمات حقوقية وجمعيات ونشطاء عن "تضامنها مع العميد السابق عبد الرزاق الكيلاني، إثر إيقافه من قبل حاكم التحقيق العسكري بالاستناد إلى تهم غامضة"، ودعت إلى إطلاق سراحه و"الكف عن استعمال القضاء العسكري لمحاكمة المدنيين وتصفية المعارضين والخصوم السياسيين وضرب الحريات العامة ومحاولة إسكات كل الأصوات الناقدة لنفوذ الرئيس المتزايد ولمسانديه".

ودعا هؤلاء، كل الجمعيات الحقوقية والشخصيات والأحزاب الديمقراطية، إلى "الوقوف ضد الخطر الاستبدادي الزاحف والذي يتمدد ليضرب، لا فقط المكاسب الديمقراطية التي حققتها تونس، بل كل المنظمات والأحزاب المدنية والسلطة القضائية، محاولا إرساء نظام تسلطي يعيد تونس إلى عصر الاستبداد والحكم الفردي".

عيسى: تونس بصدد خسارة المزيد من الحقوق والحريات ورغم ذلك لا تزال هناك نخبة ومجتمع مدني حي متمسك بالحقوق والحريات

وقالت عضو "مبادرة مواطنون ضد الانقلاب"، شيماء عيسى، في تصريح لـ" العربي الجديد"، إن" تونس تعيش واقعا جديدا يعتبر في الحقيقة مهينا للتونسيين وذلك مباشرة بعد انقلاب 25 جويلية (يوليو/تموز)" مبينة أن" المحاكمات العسكرية جعلت القضاء العسكري اليد التي يكمم بها الرئيس قيس سعيد الأفواه خاصة بعد أن تكررت المحاكمات العسكرية للمدنيين، وتواترت المحاكمات لتبلغ منذ الانقلاب حوالي 3 أضعاف المحاكمات التي تمت طيلة 12عاما منذ انطلاق الثورة".

ولفتت عيسى إلى أن "الوضع الحقوقي كارثي، وأن النظام الذي داس على الدستور لا يمكن أن يكون حقوقيا"، مؤكدة أن "تونس بصدد خسارة المزيد من الحقوق والحريات، ولكن برغم ذلك لا تزال هناك نخبة ومجتمع مدني حي متمسك بالحقوق والحريات".

وأفادت بأن "المواطن العادي عندما يرى محاكمة عميد المحامين السابق الذي ناضل من أجل المحاماة والحقوق والمشهود له بمواقفه النضالية والوطنية فإن هذا يزرع فيه الخوف والريبة"، مبينة أن" الانتهاكات تتواتر والتعسف الأمني على المحتجين والشباب يزيد في كل مرة ومناسبة، وكان هذا بارزا في إحياء ذكرى الثورة في 14 يناير إلى جانب الاعتقالات والإهانات التي استهدفت المتظاهرين"، مشيرة إلى أن المنظمات والنشطاء "لن يكتفوا بالتنديد بل وجب تصحيح المسار الديمقراطي حفاظا على كرامة التونسيين وحماية للحقوق والحريات".

وأكد مدير مشروع "وجوه الحرية بجمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات" غيلان جلاصي، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "القضاء العسكري يختلف عن القضاء المدني ومن المخاوف تطويع هذا القضاء خدمة لأهداف سياسية"، مبينا أن "محاكمة عميد المحامين الكيلاني لا تعتبر أول محاكمة فقد سبقتها عدة محاكمات مماثلة شملت مثلا النائب ياسين العياري، ومدونين ومدنيين حوكموا عسكريا لتدوينات تندرج ضمن حرية التعبير، ولكن تم تكييفها على أنها مس من المؤسسة العسكرية أو من القائد الأعلى للقوات الحاملة للسلاح أي رئيس الدولة"، مؤكدا أن "هناك عدة مخاوف من التصفيات السياسية للمعارضين والحد من الحريات باستعمال القضاء العسكري".

وأضاف أن "التهم التي حوكم بموجبها الكيلاني لا ترتقي إلى الجريمة بل هي مجرد جنح ولا تمس بأمن الدولة، وأن المحاكمة كانت في وقت وجيز وتمت بسرعة، وهذا يجعلهم كمدافعين عن الحقوق والحريات يتخوفون على واقع الحريات في تونس، لأنه بعد 12عاما من الثورة تتكرر ممارسات وتجاوزات تذكر التونسيين بالعهد البائد وهذا يدفع لا فقط إلى التخوف بل إلى توقع الأسوأ".

جلاصي: محاولة تعديل المرسوم المنظم لعمل الجمعيات وتشويهها باتهامها بالتمويلات المشبوهة لن يزيد سوى في التشكيك في دور المجتمع المدني بالتخوين والعمل على ضرب الدولة

وبين جلاصي أنه" بعد 7 أشهر من 25 جويلية حصلت انحرافات في الحقوق والحريات واحتكار للسلطات، فسعيد يستحوذ على التنفيذية والتشريعية، ومؤخرا برزت محاولة تعديل المرسوم المنظم لعمل الجمعيات وتشويهها باتهامها بالتمويلات المشبوهة في حين أن المرسوم عدد 88 يعتبر مكسبا للجمعيات، وهذا لن يزيد سوى في التشكيك في دور المجتمع المدني بالتخوين والعمل على ضرب الدولة وهذا غير مقبول لأن المجتمع المدني لعب دورا مهما منذ الثورة ونشاطه يجسد مظهرا من مظاهر الحرية والتنظم".

ويشار إلى أن من الجمعيات والمنظمات الموقعة على هذا البيان الرافض للتضييق على الحقوق والحريات والمساند للكيلاني، الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، ونقابة الصحافيين التونسيين واللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس، وجمعية تفعيل الحق في الاختلاف، والجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية، وحركة أمل وعمل، وجمعية التونسيين بفرنسا، وجمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات، وجمعية يقظة من أجل الديمقراطية والدولة المدنية، والمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب، ولجنة اليقظة من أجل الديمقراطية في تونس- بلجيكا.

ومن النشطاء الحقوقيين: رامي الصالحي، وليليا الرباعي، ونزيهة رجيبة، وعادل اللطيفي، وبسام الطريفي، ومنية بن جميع، وخيام الشملي، وشيماء عيسى، ومنى كريم، وغيرهم. 

تركيبة المجلس الأعلى للقضاء المعيّن

بحث الرئيس التونسي قيس سعيد، يوم الأحد، تركيبة المجلس الأعلى للقضاء الجديد الذي ينوي تعيينه خلفا للمجلس المنتخب الذي قام بحله منذ ثلاثة أسابيع.

والتقى سعيد يوم الأحد رئيسة الحكومة، نجلاء بودن رمضان، ووزيرة العدل، ليلى جفال.

وخصص اللقاء، بحسب بيان للرئاسة "للنظر في الترشحات إلى المجلس الأعلى المؤقت للقضاء بالنسبة إلى القضاة من الأسلاك الثلاثة (عدلي، إداري، مالي) من المتقاعدين الذين لا يمارسون وظيفة أو مهمة أخرى".

وقال سعيد في فيديو نشرته الصفحة الرسمية للرئاسة إنه قام بالاختيار على أساس الكفاءة والاستقلالية حتى يكون الجميع متساوين أمام القضاء. 

وأوضح سعيد: "لم نتدخل في أيّ قضية، لم نرفع أيّ قضية، ولن نقبل بالتدخل في القضاء من أيّ جهة كانت، ولا أحد فوق القانون، ولا مجال للتعامل مع المتقاضين كأنّهم من صنفين مختلفين".
وأكد سعيد أنه "لا مجال للتجاوزات أو الظلم، لأنّ الظلم مؤذن بالخراب والعدل أساس العمران".

وأضاف: "السلطة والسيادة للشعب، أما نحن فنقوم بوظائفنا في إطار سيادة الشعب".

وكانت جمعية القضاة التونسيين، عبرت عن  رفضها المجلس المؤقت الجديد، داعية القضاة إلى عدم قبول أي تعيين في هذا المجلس حتى لو تم الضغط عليهم لأنه فاقد للشرعية.

وقال رئيس الجمعية، أنس الحمادي في ندوة صحافية إن هناك ضغوطات على الرؤساء المعينين ولكن لا وجود لمنطقة وسطى، لأن هذا القبول سيفتح المجال لـ 60 عاما جديدة من التبعية للسلطة التنفيذية، مبينا أن "القضاء سلطة وليس وظيفة".

المساهمون