الحسكة السورية.. حضور قوي للقبيلة وسط صراعات السيطرة

15 اغسطس 2023
الحضور القوي للقبائل في شمال شرق سورية يفرض نفسه على السياسة (أسوشييتد برس، تويتر)
+ الخط -

لا يزال خطر الانزلاق إلى مواجهة عسكرية ماثلاً في محافظة الحسكة شمالي شرق سورية إثر اعتداء زعيم مليشيا "الدفاع الوطني"، الأحد، على أحد وجهاء قبيلة "الجبور" العربية ذات الثقل الشعبي والتأثير المجتمعي الكبيرين في هذه المحافظة التي تُوصف بـ"سلة غذاء" سورية، وتتقاسم السيطرة عليها عدة قوى.

وتدخلت الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري للحيلولة دون اقتحام أبناء القبيلة الغاضبين للمربّع الأمني في المدينة، تزامنا مع أنباء عن نقل زعيم المليشيا إلى العاصمة دمشق لتفادي صدام عسكري قد يخلط أوراق المحافظة التي تسيطر على جلها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).

وقال مصدر في القبيلة لـ"العربي الجديد"، إن "المشكلة" لم تحل بعد، مشيراً إلى حالة من التوتر تسود المحافظة.

وأضاف المصدر: "قبائل وعشائر الحسكة ودير الزور والرقة تساند الجبور ضد هذه المليشيا التي ارتكبت مجازر مروّعة لمصلحة النظام".

وكان زعيم مليشيا "الدفاع الوطني" التابعة للنظام، المدعو عبد القادر حمو، اعتدى، الأحد، على عبد العزيز محمد المسلط، أحد وجهاء قبيلة الجبور، بعد خلاف مروري في المربع الأمني بالحسكة. وإثر ذلك، هدد أبناء القبيلة باقتحام المربع الذي يضم دوائر حكومية تابعة للنظام.

منطقة غنية في قلب صراع السيطرة

وتتميّز محافظة الحسكة بتنوعها السكاني، حيث تضم مختلف مكونات الشعب السوري من عرب وكرد وآشوريين، إلا أن العرب يشكلون غالبية السكان.

وتأتي المحافظة الغنية بالثروات الزراعية والنفطية في مقدمة المحافظات السورية من ناحية الأهمية الاقتصادية نظراً لكونها زراعية بامتياز، إذ تنتج أهم المحاصيل الاستراتيجية، خصوصاً القمح والشعير والقطن والعدس. كما تضم كبريات حقول وآبار النفط والغاز المتمركزة في منطقتي رميلان والشدادي.

وتبلغ مساحة المحافظة المتاخمة للعراق شرقا وتركيا شمالا، نحو 23 ألف كيلومتر مربع، موزعة في نطاق السيطرة بين غالبية أطراف الصراع في سورية، إذ تسيطر فصائل المعارضة على جانب من ريفها الشمالي الغربي (منطقة رأس العين)، في حين تسيطر "قسد" على جل المساحة، بينما يقيم الروس قاعدة لهم في مطار القامشلي. ويحتفظ الأميركيون بحضور عسكري كبير في محيط حقول وآبار النفط والغاز، فيما يسيطر النظام على مربعين أمنيين في مدينتي الحسكة والقامشلي، وبعض القرى والأحياء فيهما، إضافة إلى فوجين عسكريين.

القبيلة والسياسة

ويتمركز في محافظة الحسكة العديد من القبائل العربية ذات الوزن الشعبي الكبير، وفي مقدمتها، الجبور، وشمّر، وطيء، والعدوان، والبقارة، والعكيدات، وحرب، والشرابين، والجواعين، والمعامرة، وبني صخر، والمشاهدة.

ويوضح الصحافي كنان سلطان من أبناء المحافظة في حديث لـ"العربي، أن "قبيلة الجبور لها حضور كبير"، مشيرا إلى أن الثقل الرئيسي لها يتركز في مدينة الحسكة وفي ريفها الجنوبي وصولا إلى منطقة الشدادي، إضافة إلى بلدة تل براك. 

وأشار سلطان إلى أن القبيلة "لم تلجأ إلى تشكيل فصيل عسكري خاص بعد اندلاع الثورة في عام 2011، كما فعلت قبيلة شمّر التي شكلت فصيل الصناديد"، موضحا أن القبيلة "مثلها مثل بقية القبائل والعشائر السورية انقسم ولاء أبنائها ما بين النظام والثورة".

وقال إن سالم المسلط، شقيق شيخ القبيلة نواف المسلط، يترأس اليوم الائتلاف الوطني المعارض الذي يعد من أبرز مؤسسات قوى الثورة والمعارضة السورية.

من جهته، بيّن مضر حماد الأسعد، المنسق العام للمجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية في حديث لـ"العربي الجديد" أن للقبائل العربية في محافظة الحسكة تأثيراً كبيراً، موضحاً أن "هذه المحافظة ذات طابع قبلي وعشائري ليس للعرب فحسب، بل حتى الكرد والآشوريين والتركمان".

وقال الأسعد إن العرف العشائري هو السائد لحل أغلب المشاكل والخلافات، لافتاً إلى أن القبائل في الحسكة انخرطت في العمل السياسي منذ احتلال فرنسا لسورية في عشرينيات القرن الفائت.

وأضاف: "انتسب أبناء القبائل والعشائر للأحزاب التي كانت فاعلة في سورية من مختلف المشارب السياسية. كانت الحياة السياسية نشطة في محافظة الحسكة وكانت تصدر صحف كثيرة فيها في عقدي الخمسينيات والستينيات".

وبيّن أن "انقلاب الثامن من آذار/ مارس في عام 1963 ألغى الكثير من الأندية الثقافية ومنع إصدار الصحف، وأغلق مكاتب الأحزاب في الحسكة". وأضاف: "في العام 1970 ألغى حافظ الأسد كل الحياة السياسية والرياضية والثقافية في المحافظة بشكل كامل".

وأشار الأسعد إلى أن القبائل العربية والكردية والآشورية "شهدت انقسامات في الموقف مع انطلاق الثورة السورية ما بين مؤيد ومعارض ومحايد"، لافتا إلى هجرة كثير من أبناء إلى دول أوروبية. 

وبيّن أن قسما من أبناء القبائل يعمل اليوم مع "قوات سوريا الديمقراطية" والإدارة الذاتية، ومع نظام الأسد "لأسباب تتعلق بالمعيشة".