لخَّص رئيس الوزراء اللبناني المُكلَّف سعد الحريري أجواء الاستشارات غير الملزمة مع الكتل النيابية، التي عقدت اليوم الجمعة، في مجلس النواب، بـ"الإيجابية"، مؤكداً أنّ "الحكومة ستكون من الاختصاصيين، والتركيز تمحور حول الإصلاحات التي يجب أن نقوم بها في أسرع وقتٍ ممكنٍ، تبعاً للورقة الإصلاحية الفرنسية".
وقال الحريري: "لبنان ينهار، ويجب أن نتعاملَ مع هذه الفرصة بأن نضعَ كل الاختلافات السياسية جانباً، ونكون إيجابيين لاستعادة الثقة، سواء بين المواطن والدولة، أو بين الدولة والمجتمع الدولي"، مؤكداً أنّ "الخروج من الأزمات التي يعاني منها لبنان في مختلف القطاعات ممكنٌ، وقد يتخذ وقتاً، من هنا علينا تشكيل حكومة في وقتٍ سريعٍ، تقوم بالإصلاحات، ومشروع صندوق النقد الدولي بهدف وقف الانهيار والعمل على إعادة إعمار بيروت".
وأشار إلى أنه سيلتقي في أقرب وقتٍ الرئيس ميشال عون، ليضعه في أجواء المشاورات، موضحاً أنّه "حدّد مهلة 6 أشهر للحكومة، بهدف حصر الأهداف في إطار زمني واضح، من أجل تحقيقها، وإذا لم نفعل ذلك، فلن نطبقها"، مضيفاً: "أنا أعد اللبنانيين بأني لن أزيح عن كل إصلاح موجود في الورقة الفرنسية، حتى تطبيقه"، وذلك في معرض ردّه على الشكوك حول إمكانية نجاحه، خصوصاً أنها المرّة الرابعة التي يتولى فيها رئاسة الحكومة ولم يحصل أي إصلاح، رغم الوعود، حتى خسرَ اللبنانيون فرصة "مؤتمر سيدر" (انعقد في إبريل/ نيسان 2018 في باريس)، الذي كان مخصّصاً لدعم الاقتصاد اللبناني بسبب سياسة مجلس الوزراء، وكان رئيسه.
وفي الشكل، أجمعت الكتل النيابية، خلال الاستشارات النيابية غير الملزمة، على مواقف وعناوين عريضة تنادي بـ"السرعة والتسهيل"، شبيهة بتلك التي صدرت عنها بعد استشارات التأليف التي أجراها معها السفير اللبناني لدى ألمانيا مصطفى أديب، ومع ذلك وضعت العراقيل والشروط الوزارية، وخصوصاً من قبل "حركة أمل" (يتزعّمها رئيس البرلمان نبيه بري)، و"حزب الله"، والتي دفعت الرئيس المكلَّف إلى الاعتذار.
في المضمون، ما يزال "الثنائي الشيعي" على موقفهما بحصرية وزارة المال للطائفة الشيعية والوزارات العائدة لها، ويعتبران مطلبهما بمثابة حق طبيعي ميثاقي، ما يفتح الباب أمام الخطوة التي سيتخذها الحريري في هذا المجال، خصوصاً أنه في "مرحلة أديب" قدّم تنازلاً على صعيد وزارة المال بمنحها للطائفة الشيعية، على أن يسمّيها الرئيس المُكلَّف، وهنا يتخوّف بعض الأفرقاء من أن يسمّي الحريري الشخصية باتفاق ضمني غير علني ومسبق مع بري، أو يفسح المجال أمام "حزب الله" و"حركة أمل" لاختيار وزرائهما، شرط أن يكونوا من الاختصاصيين والمستقّلين، بمعنى غير المحازبين، في سيناريو إن حدثَ قد تلجأ إليه مختلف الأحزاب.
هذا المسار، عاد وحذّر منه "تكتل الجمهورية القوية" (يمثل حزب "القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع نيابياً)، الذي لم يسمِّ أي شخصية في استشارات التكليف، بقوله اليوم، خلال لقائه الحريري، إنّه "في حال سرّب وجود اتفاق بين بعض الأفرقاء فسنكون أمام حكومة حسان دياب أخرى، والشعب اللبناني لن يرضى بذلك، وفي حال دخل الرئيس المكلَّف في متاهة توزيع الحقائب الوزارية، فالأمر سينسحب على جميع القوى السياسية".
ما يزال "الثنائي الشيعي" على موقفهما بحصرية وزارة المال للطائفة الشيعية والوزارات العائدة لها، ويعتبران مطلبهما بمثابة حق طبيعي ميثاقي، ما يفتح الباب أمام الخطوة التي سيتخذها الحريري في هذا المجال، خصوصاً أنه في "مرحلة أديب" قدّم تنازلاً على صعيد وزارة المال بمنحها للطائفة الشيعية
وأهم ما ورد في هذا الاتجاه، وبشكل مباشر يُلخّص السيناريو المتداول، قول رئيس "تكتل لبنان القوي" النائب جبران باسيل، بعد لقائه والأعضاء النواب، الحريري، في خطوة كسرت مقاطعة السنة تقريباً، إن "الحكومة باتت اليوم سياسية مع انتقالها إلى جهة سياسية، من هنا نطالب بحكومة تكنو – سياسية، بمعنى أن تلقى الدعم السياسي، وأن يتمتّع وزراؤها بالقدرة والاختصاص والكفاءة، والأهمّ بالتجربة للإنجاز السريع وتنفيذ البرنامج الإصلاحي"، مشدداً على أنّ "الحكومة تحتاج إلى معاييرها الدستورية والتمثيلية والميثاقية، تكون متوفرة بشكل عادل لتسهيل وتسريع تشكيلها، وننتظر ما سيعتمده الحريري بالاتفاق مع الرئيس ميشال عون، لنقرّر كيفيّة تعاطينا مع التشكيل، ونحن إيجابيون دائماً ومستعدّون لكل دعم وتعاون وتسهيل".
وشدد باسيل، الذي لم تسمِّ تكتّله أي شخصية لرئاسة الحكومة، على "أنّنا لم نطرح أي مطلب أو شرط، سوى أن تكون المعايير واحدة وواضحة، محدّدة وموحّدة لكل الأطراف والمكوّنات، واعتمادها يسرّع ويسهّل في تشكيل الحكومة. أما اعتماد معايير ومكاييل غير موحّدة، يؤدي إلى العرقلة والتأخير، وهذا آخر ما نريده"، في رسالة واضحة تأتي كردٍّ على أي خضوعٍ أو ضمانة قد يقدِّمها الحريري لـ"الثنائي الشيعي" أو "الحزب التقدمي الاشتراكي" برئاسة وليد جنبلاط، الذي طرح تبدّل موقفه والعدول عن قراره المعارض لعودة الحريري الكثير من علامات الاستفهام، وضعت جميعها في إطار تسوية ما، أو ضمانات متبادلة، بشأن التشكيلة والحقائب الوزارية، أو أي فريق آخر.
وأضاف باسيل: "لدينا خوف وهمّ كبيران من أن تستطيع الحكومة أن تنفذ البرنامج الإصلاحي المتفق عليه انطلاقاً من المبادرة الفرنسية، وأبعد من ذلك أيضاً، والتجارب السابقة تعطينا الحقّ بالتعبير عن هذا القلق".
لقاء مع الكتل النيابية التالية: التنمية والتحرير، لبنان القوي، تيار المستقبل والوفاء للمقاومة، استكمالاً للاستشارات النيابية غير الملزمة في #مجلس_النواب pic.twitter.com/vjWEsFoC5r
— Saad Hariri (@saadhariri) October 23, 2020
وفي أبرز المواقف المُعلَنة، نصيحة كتلة "حزب الله"، أي "الوفاء للمقاومة"، للحريري باتباع منهجية أن يكون لكل وزير حقيبة، وألا تكون حكومة مصغّرة، بل مُشَكَّلة من 24 وزيراً.
وشددت الكتلة على "ضرورة التفاهم مع جميع الكتل النيابية لتحصين الحكومة وسرعة تنفيذ مقرّراتها ولتوفير جوّ من الثقة بين اللبنانيين، وناقشنا ملفات إصلاحيات تتصل بالقضاء وأجهزة الرقابة والإدارة المالية والنقدية، وأولوية الموضوع الصحي وأزمة فيروس كورونا".
وأكدت "كتلة التنمية والتحرير" ضرورة الإسراع في تأليف حكومة اختصاص قادرة على تنفيذ البنود الإصلاحية الواردة في المبادرة الفرنسية، ولا سيما لجهة ملف الكهرباء الذي بات يستحوذ على 62 بالمائة من مجموع الدين العام، إضافة إلى موضوع الفساد، مضيفةً أنّ "الحريري أكّد أن أمامها العمل 24/24 حتى يتمكّن من تأليف حكومة تنطلق مباشرةً إلى العمل وفي أسرع وقتٍ، وذكَّرنا بدورنا، بضرورة تنفيذ ملفات عالقة في مجلس الوزراء، وعددها 55، وقسم منها ما يزال في درج الحكومة".
من جهتها، تركت "كتلة المستقبل النيابية" التابعة للحريري أمر التأليف للرئيس المُكلَّف، وتمنّت أن "تتم العملية بوقتٍ سريعٍ، لأن البلد لا يحتمل الغلو في المماحكة بالتأليف". في حين، ركّزت "كتلة اللقاء الديمقراطي" (تابعة للحزب التقدمي الاشتراكي) على ضرورة تشكيل حكومة بأسرع وقتٍ، وأن تكون من الاختصاصيين في إطار المبادرة الفرنسية، وألّا تتم عرقلة عمليّة التأليف أو عمل الحكومة العتيدة.