يخطف رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري الأضواء، اليوم الإثنين، من احتفالية استئناف مجلس الوزراء جلساته، إذ يمكن أن يخلق مشهداً سياسياً لم يعهده لبنان منذ التسعينيات في حال أعلن، في كلمته، خروج "تيار المستقبل" من المعركة الانتخابية للمرة الأولى منذ تأسيسه عام 1995، علاوة على عزوفه شخصياً عن الترشح.
وعلى الرغم من السيناريوهات التي حُسمت إعلامياً، إلا أن نواباً في "تيار المستقبل" يؤكدون أن الحريري يملك وحده الموقف النهائي الذي سيكشف عنه في كلمته اليوم الإثنين سواء على صعيد ترشحه أو مصير "تيار المستقبل" الانتخابي، مع تقديرات بأن يصارح مناصريه أولاً واللبنانيين بخفايا وقائع سياسية كثيرة ارتدّت سلباً عليه شعبياً وهدفَ منها إلى الصالح الوطني.
وبحسب مصادر "العربي الجديد"، فإن التواصل مع الحريري داخلياً وخارجياً سيبقى مستمراً حتى موعد كلمته لمحاولة ثنيه عن قراره، نظراً لما سيحدثه من خضة على مستوى الشارع السني المناصر للحريري الذي عبّر عن موقفه الرافض لهذه الخطوة بتحركات شعبية أشبه بـ"بروفا" لما بعد الكلمة.
ويكتفي نائب الحريري والقيادي في "تيار المستقبل" مصطفى علوش بالقول لـ"العربي الجديد": "الحريري طلب الانتظار حتى الإثنين ونحن سننتظر، ولكن في حال كان القرار بعدم مشاركة تيار المستقبل بالانتخابات النيابية فهذا لا يعني أننا انتهينا".
وبالتكتّم نفسه، يشير النائب في "المستقبل" هادي حبيش إلى أن "الموضوع كله متروك للحريري وله وحده أن يعلنه"، مشدداً في المقابل على أن هناك مطالبات شعبية كبيرة تدعوه للمشاركة في الانتخابات النيابية، لكنها في الوقت نفسه تؤكد وقوفها إلى جانبه مهما كان قراره.
من جانبه، يؤكد النائب محمد سليمان لـ"العربي الجديد" أننا "نلتزم بقرار الحريري الذي سيعلن عنه، ولكن لا شك أن عزوفه يشكل خطراً على الاعتدال السني في لبنان، والحريرية السياسية لن تنتهي أبداً وستبقى متجذرة"، لافتاً إلى أنه بعد كلمة الحريري ستعقد اجتماعات لبحث كافة الاحتمالات المطروحة للمرحلة المقبلة.
وعلى الرغم من أجواء التزام النواب بقرار الحريري وترحيبهم به أياً تكن "وجهته"، فإنه بحسب المعلومات هناك امتعاض لدى بعض النواب من خيار الحريري العزوف عن الترشح وإخراج "تيار المستقبل" من المعركة الانتخابية، وقد حاولوا التواصل معه لثنيه عن قراره، لكنهم عجزوا عن ذلك.
بري وجنبلاط أبرز الرافضين لخطوة الحريري
وازدحم جدول الحريري منذ وصوله إلى لبنان بعد غياب لأكثر من ثلاثة أشهر باللقاءات السياسية والاجتماعات على مستوى تياره الحزبي، وضعت كلها في إطار محاولة ثنيه عن قراره بحيث إن أبرز الرافضين لخطوته رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط.
وبحسب معلومات "العربي الجديد"، فإن بري وجنبلاط تمنيا على الحريري خوض الانتخابات، وأقله عدم ترك الساحة السياسية والبقاء لقيادة تياره والعمل على النهوض به من بوابة الاعتدال السني الذي يمثله.
وقال مصدر مقرب من جنبلاط لـ"العربي الجديد" إن "الحريري لا يمكنه التنحي والخروج بهذه الطريقة ولا سيما في هذه المرحلة الحساسة، وفي ظلّ غياب أي بديل له على صعيد الطائفة السنية، وجرت محاولات لثنيه عن قراره سواء في اللقاءات أو الاتصالات التي جرت، ولكن القرار يعود له في النهاية".
وتُطرح أسئلة كثيرة حول مسار ما بعد كلمة الحريري ومدى تأثير قراره على مصير الانتخابات النيابية ككل من بوابة "الميثاقية التقليدية"، إذ ترددت معلومات بأن عزوف الحريري قد يحمل معه تنحي شخصيات سياسية سنية على رأسهم رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، ورئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة.
ويؤكد عضو "كتلة التنمية والتحرير" (بزعامة بري) النائب محمد خواجة لـ"العربي الجديد" أن "موقفنا عبّر عنه الرئيس بري ويتمثل في أن للرئيس الحريري حيثية شعبية ولا سيما داخل البيئة السنية وحضور تيار المستقبل عمره عقود، وبالتالي فإن خروجه من الساحة بهذه الطريقة حتماً سيترك تأثيرات وتداعيات كبيرة".
وأضاف: "نفضل أن يكون (تيار المستقبل) جزءاً من الحياة السياسية، ولا سيما أننا قادمون على استحقاق انتخابي وقد وصلنا معه إلى حدود التمني عليه عدم العزوف، ولكن القرار عنده وله أسبابه وإن لم يجاهر بها حتى الساعة وقد يعبّر عنها في كلمته".
ويلفت خواجة إلى أن "ما يتم التداول به ليس فقط عزوف الحريري، بل أيضاً عدم مشاركة تيار المستقبل في الانتخابات وقد تترشح شخصيات منتمية إليه، ولكن بصفتها الشخصية والحريري مفترض أن يظهر الخيط الأبيض من ذاك الأسود اليوم، ويطرح كل الوقائع ويجيب عن أسئلة كثيرة مطروحة".
في المقابل، لا يرى خواجة أن قرار الحريري قد يؤثر على العملية الانتخابية ككلّ، أي لناحية تأجيل الاستحقاق من بوابة الميثاقية، التي برأيه تنطبق فقط بحالة عزوف مكون بحد ذاته عن الانتخابات، أي مكون سني أو شيعي أو مسيحي، ولكن عزوف فريق واحد يمثل هذه الطائفة لا يعني انعدام الميثاقية، وإلا لكانت أي قوة وازنة عطلت الانتخابات.
وحسب خواجة، فإن عدم ترشح الحريري وتيار المستقبل مثلاً في بيروت لا يلغي أنه ستكون هناك لوائح ذات حضور سني في العاصمة، وإن كان هو يبقى الأقوى على الساحة السنية بغض النظر عن التراجع الذي شهده التيار.
ويكرر خواجة التأكيد على أننا "نتمنى أن يكون الحريري موجوداً، ولكن إذا قرر عدم المشاركة فهذا لا يعطل الانتخابات وإلا نكون أمام سابقة خطيرة".
ورُبِط قرار الحريري، في حال إعلان عزوفه عن خوض الانتخابات وعودته لاحقاً إلى الإمارات، بعوامل كثيرة على رأسها، الأزمة المالية التي يعاني منها والتي تعيق تمويل حملته الانتخابية، وتراجع تياره السياسي، لا سيما بعد التسوية الرئاسية التي عقدها مع صهر الرئيس ميشال عون، النائب جبران باسيل، ومواقفه "الدبلوماسية" تجاه "حزب الله" ومساره الذي أحدث انقساماً كبيراً داخل حزبه وولّد معارضين له من الداخل، وأعقبته استقالات حزبية عدة، إضافة إلى خلافاته مع الكثير من القوى السياسية، والتي تقطع الطريق أمام خوضه تحالفات انتخابية مربحة.