استمع إلى الملخص
- الحريديم وقادتهم الروحيون يرفضون فكرة التجنيد بشدة، معتبرين أنها تخالف تعاليمهم الدينية، مما يعكس الصراع بين الهوية الدينية والمتطلبات الوطنية في إسرائيل.
- تجري مشاورات داخل الأحزاب الحريدية والائتلاف الحكومي لإيجاد حلول توفيقية تراعي الحساسيات الدينية للحريديم مع الالتزام بقرار المحكمة، في محاولة للحفاظ على استقرار الائتلاف الحكومي وتوازنات القوى داخل المجتمع.
يلقي قرار المحكمة العليا الإسرائيلية الذي يلزم الحكومة بتجنيد اليهود المتزمتين دينياً (الحريديم)، بظلاله على الساحة السياسية والبرلمانية، وتتوالى ردود الفعل الغاضبة من قبلهم، فيما تفاوتت الأنباء بشأن إمكانية انسحاب ممثليهم من الحكومة. وأفادت قناة كان 11 العبرية، ليل أمس الثلاثاء، بأنّ حزبي شاس ويهدوت هتوراه يدرسان الاستقالة من الحكومة ودعمها من الخارج عند الحاجة، وذلك في أعقاب الإحباط الكبير جراء التطورات الأخيرة، من قرار المحكمة وتداعياته، ووقف التمويل للمعاهد الدينية، وإلغاء مكانة طلاب هذه المدارس، فيما أنكرت حركة شاس ما نشرته القناة.
وتابعت القناة أنه على الرغم من الوضع السياسي الصعب بالنسبة إلى الحزبين، إلا أنهما لا ينويان حلّ الكنيست والتوجّه إلى إجراء انتخابات خلال الأشهر القريبة، لاعتقادهما بأنه لا توجد حكومة أخرى يمكنها أن تمرر القوانين التي يهتمان بها. من جانبها، أفادت صحيفة يديعوت أحرونوت، اليوم الأربعاء، بأنّ الحريديم غاضبون من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وأن الزعيم الروحي لحركة شاس يرفض حتى فكرة تجنيد الحريديم ممن لا يتعلمون التوراة.
وأطلق الزعيم الروحي للحركة الحاخام موشيه مايا تصريحات اعتبرتها بعض الأوساط الاسرائيلية متطرفة، في ظل الزوبعة التي تعيشها إسرائيل وقرار المحكمة العليا، وقال في حديث لإذاعة كول براماه، أمس الثلاثاء، إنه "حتى الشخص الذي لا يتعلّم التوراة في مدرسة دينية، ممنوع أن يتجند في الجيش الإسرائيلي. ومن يتوجه اليوم إلى الجيش، فسيخرج منه وقد انتهك حرمة السبت. الالتحاق بالجيش مخالف للدين. لدينا عقيدة واضحة والتي تقول إنه يحظر على ابن المدرسة الدينية التجنّد في الجيش. إذا دخلوا إلى قاعات المدارس الدينية لتجنيدنا فسوف نعارض، فهذا أشبه بإجبارنا على انتهاك حرمة السبت".
ويجري الحريديم مشاورات مكثفة منذ يوم أمس، بعد قرار المحكمة وانعقاد لجنة الخارجية والأمن البرلمانية في أعقابه. وبحسب "يديعوت أحرونوت"، فإن مسؤولين كباراً في الأحزاب الحريدية اعتبروا، أمس، أنّ قول وزير التربية والتعليم يوآف كيش (الليكود)، "سوف ننفذ كل ما جاء في قرار المحكمة العليا"، وأقوال رئيس لجنة الخارجية والأمن يولي أدلشتاين (الليكود)، بأن القانون سيمر فقط باتفاق واسع، هما أشبه بمطرقة على رؤوس الحريديم، ما يخلق وضعاً معقداً ليس واضحاً كيف سينتهي.
وقال مسؤولون كبار في أحزاب الحريديم إنه بعد قرار المحكمة العليا كان هناك إحساس بأن مساحة المناورة كبيرة نسبياً، ما يتيح التوصل إلى اتفاق، إلا أن خطاب الوزير كيش في مؤتمر هرتسليا في جامعة رايخمان، "والذي عرض كوتة (حصة) تجنيد خيالية"، أفرز غضباً كبيراً من وراء الكواليس. وكان الوزير كيش الأول من بين أعضاء الحكومة الذين قالوا إن الحكومة ستنفذ قرار المحكمة العليا، رغم غضب الأحزاب الحريدية. وتابع: "أقول بشكل واضح إننا سننفذ كل ما جاء في قرار المحكمة الذي صدر اليوم (أمس)"، مضيفاً أن "دولة إسرائيل ملزمة بالقرار، وهذا العام يجب تجنيد 3000 حريدي. لا بد لهذا أن يحدث ويجب أن يضمن القانون ذلك. وكما قلت في لجنة الخارجية والأمن، فإن دولة إسرائيل موجودة على مفترق طرق. وهناك خياران، فإما تجنيد الحريديم على نحو يوفّر حلولاً لاحتياجات الجيش، وإما القيام بذلك معاً، ويمكن القيام بذلك معاً".
وفيما ظن الحريديم أن نتنياهو سيحاول تهدئة كيش وكفه عن تصريحات من هذا النوع، إلا أنه بعد ساعات، حدث أمر آخر خلط الأوراق مجدداً، تمثل في أقوال رئيس لجنة الخارجية والأمن يولي أدلشتاين بأن قانون التجنيد سيُمرر في إطار اتفاق واسع، وإلا فلن يمر بتاتاً، ما زاد في غضب الحريديم. واعتبر مسؤول حريدي لم تسمّه الصحيفة أن هذه التصريحات تقود إلى أزمة حقيقية، "بحيث يقوم كل شخص في الائتلاف الحاكم بفعل ما يريد، فيما نتنياهو لا يستطيع السيطرة على الأمور. لقد عدنا عدة خطوات إلى الخلف".
وتشير تقديرات ممثلي الحريديم في الكنسيت إلى أنه لا يمكنهم التزام الهدوء طوال الوقت فيما يتم تضييق الحبل حول رقابهم، موضحين أنهم أخذوا بعين الاعتبار مسبقاً قرار المحكمة العليا وموقف المستشارة القضائية للحكومة غالي بهراف ميارا، والذي يحث على تجنيد طلاب المدارس الدينية، ولكنهم لم يأخذوا بعين الاعتبار سلوك عدد من أعضاء الكنيست من حزب الليكود، ما أثار غضبهم منهم ومن نتنياهو، متسائلين عما إذا كان الأخير سيتمكن من السيطرة على ائتلافه أم لا.
إلى ذلك، نقلت صحيفة هآرتس، اليوم الأربعاء، تقديرات مسؤولين كبار في الائتلاف الحاكم، لم تسمّهم، بأنّ مختلف أعضاء الحكومة قادرون على التعايش مع قرار المحكمة، ومع هذا، فإن رؤساء الائتلاف يشيرون إلى أن تشريع القانون الجديد لإعفاء الحريديم من التجنيد يشكّل اختباراً حقيقياً للحكومة، وأنه في ظل غياب توافق على صيغة القانون، فإن الائتلاف سيجد صعوبة في مواصلة طريقه.
وكان نتنياهو قد تعهد أمام قضاة المحكمة العليا ورؤساء الأحزاب الحريدية بالمصادقة على القانون حتى نهاية الدورة الصيفية للكنيست الحالي، حتى 28 يوليو/ تموز المقبل. وسيحاول الإتلاف الحكومي، بحسب الصحيفة نفسها، إقرار الصيغة الأخف لقرار المحكمة، وإضافة ثلاثة آلاف مجنّد حريدي، ومع هذا تبقى الكثير من الأسئلة مفتوحة، عدا عن عدد الحريديم الذين يجب تجنيدهم، من بينها وتيرة الزيادة السنوية في عدد المجندين الحريديم، والعقوبات التي سيتم فرضها في حال عدم تجنّد طلاب المدارس الدينية وغيرها.
من جانبها، سارعت المستشارة القضائية للحكومة غالي بهراف ميارا في أعقاب قرار المحكمة، بالإيعاز للمؤسسة الأمنية بالعمل الفوري على تجنيد ثلاثة آلاف من بين طلاب المدارس الدينية، بالإضافة إلى عدد المجندين الحريديم الملتحقين اليوم بالخدمة العسكرية، واستنفاد إمكانيات التجنيد. وفي رسالة وجهتها إلى المستشارين القضائيين في المؤسسة الأمنية، ووزارة المالية، ووزارة التعليم، أوعزت بالامتناع عن أي خطوة لتحويل أموال بشكل مباشر أو غير مباشر لدعم نشاطات أولئك الذين يمتنعون عن التجند أو النشاطات التي فيها تجاوز لقرار المحكمة.