ازدهر التعاون بين المغرب ودولة الاحتلال الإسرائيلي خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة على مستويات عدة، بفضل استئناف علاقاتهما الدبلوماسية، لكن الحرب على غزة وتأييد الشارع المغربي القضية الفلسطينية أوقفا هذا الزخم، كما يرى محللون.
عمل الطرفان على تكثيف تعاونهما في ميادين الدفاع والاقتصاد والتكنولوجيات الحديثة والسياحة وغيرها منذ توقيع اتفاق التطبيع أواخر عام 2020. ونص هذا الاتفاق أيضاً على اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المملكة على الصحراء المتنازع عليها، والذي عززه اعتراف مماثل من جانب دولة الاحتلال في يوليو/ تموز.
لكن الحرب الإسرائيلية على غزة، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، تلقي بظلالها على هذا التعاون، فمنذ اندلاعها علّقت الرحلات الجوية المباشرة بين الجانبين، واختفى السياح كما المستثمرون الإسرائيليون من المغرب.
يقول المستثمر الفرنسي الإسرائيلي ميشال كوهين "بين عيشة وضحاها لم يبق أحد، الإسرائيليون الذين كانوا هنا غادروا إنهم خائفون جداً"، وقد أغلق مطعمه المتخصص في الطبخ اليهودي المعد بحسب المعايير الدينية بمراكش، عاصمة السياحة المغربية، على غرار 11 مطعماً آخر من أصل 14 فتحت أبوابها غداة تطبيع العلاقات.
بموازاة ذلك، كثرت التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في المدن المغربية المختلفة منذ بدء الحرب التي تدعو دائماً إلى قطع العلاقات مع إسرائيل، بينما كانت الدعوات للتظاهر ضد التطبيع تلقى إقبالاً محدوداً قبل الحرب.
ويرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط زكرياء أبو الذهب أنّ "المجتمع المدني يعبر عن حنقه" إزاء صور القصف الإسرائيلي بلا هوادة على غزة، "والرباط أخذت هذا التعبير الشعبي بعين الاعتبار".
على المستوى الرسمي تصاعدت نبرة الدبلوماسية المغربية منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، فقد أعربت يومها عن "قلقها العميق" مدينة استهداف المدنيين من أي جهة كانت.
وفي 11 نوفمبر/ تشرين الثاني، دانت خلال القمة العربية الإسلامية بالرياض، "تمادي إسرائيل في عدوانها السافر على المدنيين العزل"، من دون إدانة هجوم حركة حماس نفسه.
"مربح للجانبين"
وأودى القصف الإسرائيلي المدمر لقطاع غزة بحياة أكثر من 14500 شخص، بينهم 5840 طفلاً، وفق وزارة الصحة في غزة.
كذلك، فرض الاحتلال الإسرائيلي "حصاراً مطبقاً" على القطاع الذي لا تصله إمدادات وقود ومواد غذائية ومياه.
يعتبر أبو الذهب أنّ "المغرب اليوم في وضع حساس للغاية" بين "رغبة عميقة في الحفاظ على علاقة مربحة للطرفين" من جهة، و"ضغوط الشارع" من جهة أخرى.
في أكتوبر، أعاد إخلاء مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط لأسباب أمنية، حسبما أوردته وسائل الإعلام المغربية، إلى الأذهان قطع علاقات الطرفين في عام 2000، على خلفية الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
لكن محللين يرون أنّ تكرار هذا السيناريو اليوم غير مرجّح، ويتوقع أبو الذهب أن "يجري الحفاظ على العلاقات، لكن مع خفض وتيرة اللقاءات والزيارات".
في هذا السياق بات من المستبعد أن يزور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المغرب قبل نهاية العام، كما كان متوقعاً قبل اندلاع الحرب.
"اضطراب دبلوماسي"
من جهته، يعتبر الباحث في العلاقات المغربية الإسرائيلية جمال عميار أنّ العلاقات العسكرية والأمنية والاقتصادية التي أقيمت منذ عام 2020 قوية لدرجة لا يمكن قطعها، ولو تراجع تأييدها الشعبي، علماً أنّ استطلاعاً للبارومتر العربي أظهر، العام الماضي، أنّ 31% فقط من المستجوبين يؤيدون التطبيع في المغرب.
وينبه مؤلف كتاب "المغرب إسرائيل واليهود المغاربة" إلى أنّ قطع العلاقات بين الطرفين من شأنه أن يؤدي أيضاً إلى "اضطراب دبلوماسي" خصوصاً مع الولايات المتحدة، على اعتبار أن تأييدها لسيادة الرباط على الصحراء "مقابل عظيم" بالنسبة للمغرب.
ويدعو عميار إلى تحويل الموقف الحساس للرباط إلى "مصدر قوة لكي تلعب دوراً أكثر دينامية" في جهود الوساطة، بالمراهنة على علاقاتها مع إسرائيل والدول العربية وأيضاً الجالية اليهودية الكبيرة في المغرب.
ورغم تراجع أعدادهم بسبب الهجرة إلى إسرائيل، خصوصاً بعد قيام دولة الاحتلال، لا تزال المملكة تضم نحو ثلاثة آلاف مواطن يهودي، ما يمثل أهم طائفة يهودية في شمال أفريقيا.
ويزعم عميار أنّ "أسس العلاقة المغربية الإسرائيلية قوية ولها جذور".
ويعرب ممثل الطائفة اليهودية في مراكش جاكي كادوش عن أمله في أن تعود الأمور إلى طبيعتها، لأن "الحبل السري لم ينقطع أبداً بين البلدين" وفق قوله، رغم تكرار الأزمات، مؤكداً أن التعايش بين المسلمين واليهود في المملكة "حقيقي".
(فرانس برس، العربي الجديد)