الحراك الدولي في ملف الإيغور: صداع في رأس الصين

27 مايو 2021
من تظاهرة في واشنطن تضامناً مع الإيغور (تشيب سمودفيلا/Getty)
+ الخط -

لا يبدو الخلاف المتصاعد بين الصين والدول الغربية حول الانتهاكات ضد الأقليات في الصين، ولا سيما ضد الإيغور في إقليم شينجيانغ، في طريقه إلى الهدوء قريباً، بل إنه يتجه إلى مزيد من التوتر، مع توقعات بممارسة ضغوط إضافية على بكين في ملف حقوق الإنسان، بعد فرض عقوبات على مسؤولين صينيين في الفترة الأخيرة. جديد هذا الملف الانتقادات التي وجهتها بكين لخطط إنشاء محكمة شعبية في بريطانيا حول الاتهامات بارتكاب إبادة جماعية ضد أقلية الإيغور في إقليم شينجيانغ شمال غربي البلاد. وقال شو جوي شيانغ، نائب رئيس إدارة الدعاية في الإقليم، إن الصين "تدين وتحتقر" جلسات الاستماع المزمع عقدها في يونيو/حزيران المقبل. وأضاف في تصريحات صحافية: "هذا انتهاك كامل للقانون والنظام الدوليين، وتدنيس خطير لضحايا الإبادة الجماعية الحقيقية، واستفزاز خطير لـ25 مليون شخص من جميع المجموعات العرقية في شينجيانغ".

ومن المتوقع أن تستقطب المحكمة، غير المدعومة حكومياً، عشرات الناشطين للإدلاء بشهاداتهم، وعلى الرغم من أن أي قرارات سوف تصدر عنها لن تكون ملزمة لأي حكومة، فإن المنظمين يأملون أن تساهم الأدلة في دفع المجتمع الدولي إلى ممارسة المزيد من الضغط على بكين في ملف حقوق الإنسان. وسيرأس المحكمة المحامي البارز جيفري نيس، الذي قاد محاكمة الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش وعمل مع المحكمة الجنائية الدولية.

نددت بكين بخطط إنشاء محكمة شعبية في بريطانيا حول الاتهامات بارتكاب إبادة جماعية ضد الإيغور

وتصاعدت خلال الفترة الأخيرة حدة الانتقادات الدولية للصين بشأن الانتهاكات في شينجيانغ، إذ تتهم منظمات ومؤسسات حقوقية دولية، السلطات الصينية باحتجاز أكثر من مليون شخص من المسلمين الإيغور في معسكرات اعتقال، وممارسة إبادة جماعية بحقهم تشمل العمل القسري وتدابير أخرى جبرية لتحديد النسل. وإزاء ذلك، فرضت حكومات غربية عقوبات على مسؤولين صينيين متهمين بارتكاب تلك الانتهاكات. غير أن بكين تنفي بشدة هذه الاتهامات، وتؤكد مراراً أن معسكرات الاعتقال ليست سوى "مراكز تدريب مهني"، وأنها "تهدف إلى تأهيل السكان للمشاركة في دعم التنمية الاقتصادية"، بالإضافة إلى "نزع فكرة التطرف من المتأثرين بالأيديولوجية الجهادية".

ومن المتوقع أن تدفع الإدارة الأميركية حلفاءها في مجموعة الدول السبع، لممارسة المزيد من الضغوط على الصين في ملف حقوق الإنسان، ومن المقرر أن يشارك الرئيس الأميركي جو بايدن في القمة التي ستعقد في بريطانيا في يونيو/حزيران المقبل. وكان نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، جوناثان فاينر، قد صرح بأن واشنطن اتخذت إجراءات قوية ضد بكين، لكنها تسعى إلى تعزيز جهودها في هذا الشأن مع الحلفاء في القمة المقبلة. من جهتها، تعهدت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، بمواصلة العمل مع الحلفاء حتى توقف الحكومة الصينية "جرائمها ضد الإنسانية والإبادة الجماعية" بحق أقلية الإيغور والأقليات الأخرى في شينجيانغ. وحذرت غرينفيلد في اجتماع لممثلي بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة قبل أيام، من "استمرار تعرض أبناء أقلية الإيغور والأقليات الأخرى للتعذيب، وتعقيم النساء قسراً وحرمانهم من ممارسة شعائرهم الدينية".

وكانت السلطات الصينية قد اصطحبت في إبريل/نيسان الماضي، وسائل إعلام أجنبية في جولة داخل إقليم شينجيانغ لإطلاعها على الوضع هناك، وذلك في إطار محاولاتها دحض ما تقول إنها ادعاءات غربية، في الوقت الذي وثقت فيه تقارير منظمات حقوقية دولية وشهادات نشطاء إيغور فارين من الإقليم ما جرى داخله.

صحافي زار شينجيانغ: الإجراءات الرقابية المشددة أثناء الزيارة تؤكد صحة التقارير الحقوقية بشأن الانتهاكات والحديث عن ممارسات قمعية

وفي سؤال عن كيفية التحقق من حقيقة الأمر على الأرض في ظل رقابة حكومية لصيقة لوسائل الإعلام في الإقليم، إذ يُمنع الصحافيون من التوجه إلى هناك من دون إذن مسبق وترتيبات خاصة ومعقدة مع السلطات، قال ت.س. وهو صحافي أجنبي ممن زاروا شينجيانغ أخيراً ضمن برامج الحكومة الإعلامية، "إن الإجراءات الرقابية المشددة أثناء الزيارة تؤكد إلى حد كبير صحة التقارير الحقوقية بشأن الانتهاكات والحديث عن ممارسات قمعية، فلم يكن متاحاً لنا الانفراد بأي من سكان الإقليم بعيداً عن أعين المخابرات، كذلك تشعر أن من يحيطون بك من عامة الشعب ومن يرسمون الابتسامات على وجوههم، ويقدّمون الرقصات الفلوكلورية الخاصة بقومية الإيغور، ليسوا سوى ممثلين بارعين معدّين لهذا الغرض".

واعتبر الصحافي الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، في حديث مع "العربي الجديد"، أن عدم سماح السلطات الصينية للصحافيين بزيارة شينجيانغ من دون ترتيب مسبق، يعني أن هناك شيئاً ما تحاول بكين إخفاءه، مضيفاً: "كيف يمكن الوقوف على حقيقة الأمر وتقييم الأوضاع ميدانياً، وأنت مقيّد بجدول أعمال حكومي يقدّم شينجيانغ بصورة مشرقة، وكأنها واحة من الحرية والديمقراطية؟". ولفت إلى أن عدم السماح أيضاً للمنظمات الحقوقية بزيارة الإقليم يؤكد مخاوف المجتمع الدولي، ويدحض الرواية الصينية التي تعتبر تلك التقارير مجرد أداة سياسية للضغط عليها بإيعاز من واشنطن.

من جهته، قال الباحث في معهد الجنوب للدراسات الدولية، وانغ خه، إن ما تخشاه الصين من التسخين الغربي لملف الإيغور في إقليم شينجيانغ، يمكن إيجازه في ثلاث نقاط: أولاً، محاولة نسف الرواية الصينية حول التعايش السلمي بين القوميات المختلفة في البلاد (56 قومية)، مشيراً إلى أن تكرار الحديث في وسائل الإعلام الغربية عن التعذيب والتعقيم والقمع الثقافي والديني لأقليات بعينها، يمس خطاب الرئيس الصيني شي جينبينغ، عن الوحدة العرقية في الصين. ثانياً، صورة الصين في الخارج، خصوصاً في هذا التوقيت الذي تسعى فيه إلى مسح آثار تفشي فيروس كورونا، بعد اتهامها بالمسؤولية عن انتشار الوباء في العالم. ثالثاً، الخسائر الاقتصادية المترتبة على مقاطعة الشركات الصينية، وذلك بعد أن قررت عدة دول من بينها الولايات المتحدة، حظر استيراد جميع منتجات القطن والطماطم من إقليم شينجيانغ، بحجة أنها أنتجت بواسطة عمالة قسرية.

وأضاف وانغ خه، في حديث مع "العربي الجديد"، أن لا أحد ينكر أن استمرار الضغوط أصبح يشكل صداعاً للصين، مشيراً إلى أن "افتعال المشاكل لبكين بات نهجاً بالنسبة للإدارة الأميركية"، لافتاً إلى أنه "على الرغم من الشرخ الكبير والخلاف الجوهري بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فإن كليهما توافقا على اعتبار أن سياسات الصين ضمن حدودها وسيادتها في إقليم شينجيانغ، جرائم بحق الإنسانية، وتناسوا ما يُرتكب من جرائم في الأراضي الفلسطينية". واعتبر وانغ خه أن صمت الإدارة الأميركية لمدة 11 يوماً من الحرب على قطاع غزة، ومنعها في وقت سابق صدور بيان عن مجلس الأمن يطالب بوقف النار، يؤكد أن حديثها عن الانتهاكات في إقليم شينجيانغ وحرصها على حقوق الإنسان هناك، ليس سوى ورقة سياسية تستخدمها واشنطن في إطار مناكفاتها مع بكين ومحاولة منعها من المضي قدماً في تعزيز التنمية العالمية وإرساء القيم التي تقوم على أسس من الاحترام والتعاون المتبادل والمصلحة المشتركة.

المساهمون