شهدت مناطق وسط شبه جزيرة سيناء المصرية عمليات ملاحقة أمنية لفلول تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش"، بعد طرده من مراكز مدن محافظة شمال سيناء، خلال الأشهر الماضية، إلا أن ثمة آثاراً للتنظيم بدأت تظهر في المناطق الجبلية الوعرة بوسط الصحراء، ما دفع قوات الجيش والمجموعات القبلية للبدء في حملات تمشيط وملاحقة أثر عناصر التنظيم.
وأفادت مصادر قبلية لـ"العربي الجديد" بأن عدداً من المواطنين العاملين في رعي الأغنام والصيد لاحظوا حركة لأفراد تنظيم "ولاية سيناء" في مناطق جبلية وعرة بوسط سيناء، وأبلغوا كمائن الجيش على الطريق الرئيسي في المنطقة بذلك.
حملات تمشيط جديدة
وبعد عدة أيام صدرت أوامر عسكرية بالبدء في حملات تمشيط جديدة في المناطق الصحراوية، لملاحقة فلول التنظيم، وبالفعل جرى العثور على علامات تؤكد وجود عناصر من "ولاية سيناء"، لا يعرف عددهم ولا مدى تجهيزهم العسكري في مناطق صحراوية كانوا فيها في بدايات نشأة التنظيم، تحت مسماه القديم "أنصار بيت المقدس".
وأضافت المصادر ذاتها أن الظروف الجغرافية في مناطق وسط سيناء سيئة للغاية، فلا يمكن التحرك فيها من خلال الآليات العسكرية بمختلف أنواعها، وكذلك فإن السير على الأقدام يسبب إرهاقاً للقوات بشكل كبير، مما يُبقي على خيارات استخدام الأحصنة والجمال وسيلة للتنقل، وهو ما لا تعتمده القوات العسكرية المصرية بالأساس. وتصعّب هذه العوائق عمليات الملاحقة والبحث، مما يمنح الفرصة لعناصر التنظيم للهرب.
وذكرت المصادر أن المساحة التي تحتاج إلى تمشيط دقيق وبمساعدة قوات عسكرية وقبلية كبيرة تبلغ نحو 10 آلاف كيلومتر مربع، وبالتالي فإن السيطرة التامة عليها وتفتيشها بشكل كامل يحتاجان إلى أشهر، وإلى قوة عسكرية برية وجوية، بحجم أكبر مما كانت عليه في مراكز مدن شمال سيناء خلال الحرب على الإرهاب.
تبلغ المساحة التي تحتاج إلى تمشيط نحو 10 آلاف كيلومتر مربع
وأوضحت أنه في حال تأكد وجود عدد كبير من عناصر التنظيم في مناطق وسط سيناء، فإننا سنكون أمام معركة استنزاف لا نهاية محددة لها، ففي الوقت الذي كان فيه التنظيم في مراكز المدن استمرت المعركة عقداً من الزمن، فكيف الحال وهم في مناطق جبلية وعرة وذات تضاريس مختلفة.
وتأتي هذه التطورات الميدانية في الوقت الذي غاب فيه الحديث عن احتفالية تطهير سيناء من "داعش"، التي أعلن عنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال الاحتفال بعيد الشرطة في 25 يناير/ كانون الثاني الماضي.
وحول ذلك، اعتبر باحث في الجماعات الجهادية في سيناء في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن تنظيم "ولاية سيناء" ولد وانطلق من المناطق الجبلية النائية في صحراء سيناء، واعتاد عناصره على العيش في أسوأ الظروف المعيشية والحياتية والبيئية. وأشار إلى أن قوى الأمن المصري قبل ثورة 25 يناير 2011 كانت تعلم بأماكن وجود التنظيمات الجهادية، إلّا أنها كانت تتحاشى الدخول في مواجهة مباشرة معها، وتكتفي بقصف جوي وكمائن على الطرق، ومداهمات متواضعة لبعض القرى والمناطق فقط.
في المقابل كانت سلسلة جبال الحلال (تقع في شمال شبه جزيرة سيناء، على بعد نحو 60 كيلومتراً من جنوب مدينة العريش) ملجأً آمناً لعناصر التنظيم، نظراً لانتشار الكهوف والمغاور التي تساعدهم على الاختباء من القصف الجوي والمدفعي.
وأضاف الباحث أنه في حال صدقت الروايات عن وجود التنظيم في المناطق الصحراوية وسط سيناء، فإن ذلك يعني عودته سنوات طويلة إلى الوراء، واعتماده النظام السري في الحركة والتنقل كما كان حاله في البدايات.
ولفت إلى أنّ ذلك يُعدّ وضعاً صعباً على قوى الأمن المصرية، أكثر من الوضع العلني الذي كان فيه التنظيم طيلة السنوات الماضية، وذلك لحاجة تلك القوى إلى التعقب الاستخباري اعتماداً على مصادر محلية، وكذلك على عمليات خاطفة تنفذها قوات خاصة، وبالتالي فإن مستوى الخطر على القوات الأمنية التي ستدخل مناطق وجود التنظيم في الصحراء عالٍ جداً، ومحفوف بالمخاطر.
وأشار الباحث إلى أنه من الصعب التراجع عن الإعلان الذي صدر على لسان الرئيس السيسي بـ"القضاء على الإرهاب"، نظراً إلى تكرار الحملات والعمليات العسكرية على مدار عقد كامل، من دون تحقيق الحسم المطلوب في المعركة، إلى أن تم ذلك فعلياً خلال العام الماضي.
وهو ما دفع السيسي للتحمس في اتجاه الإعلان عن القضاء على التنظيم، بيد أنّ أيّ موجة هجمات لـ"ولاية سيناء" ستصيب المشهد بانتكاسة بالغة، ستكون ارتداداتها في القاهرة، التي صدر منها الإعلان، مع التأكيد أن بعض المظاهر لا يمكن أن تنتهي بشكل نهائي.
الظروف الجغرافية في مناطق وسط سيناء سيئة للغاية
ووصل عدد أفراد تنظيم "ولاية سيناء" إلى المئات خلال السنوات الماضية، قبل أن يتقلّص العدد بعد تشتته في مناطق واسعة من شرق سيناء إلى غربها، وصولاً إلى محافظة الإسماعيلية خارج شبه جزيرة سيناء. وخسر التنظيم العشرات من عناصره في المواجهات العسكرية مع الجيش والمجموعات القبلية، وكذلك اعتُقل عدد آخر خلال العام الماضي.
خلايا نائمة
وتشير التوقعات إلى بقاء بضع عشرات من عناصر التنظيم منتشرين في مناطق عدة، ضمن خلايا نائمة، لا تنفذ أي هجمات ضد قوى الأمن، في محاولة من التنظيم لامتصاص الضربات التي تلقاها.
ويشار إلى أن قوات الجيش المصري وبمساندة من مئات العناصر من القبائل البدوية نجحت في طرد تنظيم "ولاية سيناء" من مراكز المدن في حملة عسكرية واسعة النطاق بدأت في مارس الماضي، واستمرت عدة أسابيع، تمكنت خلالها المجموعات القبلية من مداهمة كافة مناطق تواجد عناصر التنظيم في مدن رفح والشيخ زويد والعريش وبئر العبد والقرى المحيطة بها بشكل كامل، والسيطرة على أماكن وجود التنظيم.
في المقابل، لم تكن خسائر التنظيم البشرية كبيرة، وفقاً لما أظهرت المواد المصورة من العناصر القبلية، فيما لم تأت البيانات العسكرية المصرية على ذكر خسائرها أو خسائر "ولاية سيناء" خلال فترة الملاحقة. وفي الأيام الأخيرة، بدأت قوات الجيش المصري تنفيذ مشروع توزيع أراضٍ مملوكة للدولة، على عناصر المجموعات القبلية التي كان لها الدور البارز في طرد تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش" من محافظة شمال سيناء خلال العام الماضي، بعد عشر سنوات من الصراع بين الطرفين.