تشير الوقائع على الأرض في محافظة شمال سيناء، شرقي مصر، إلى أن التغيرات الجوهرية في المنطقة لا تشمل المناطق البرّية فحسب، وذلك بعد صدور قرار عسكري بمنع الصيادين المصريين من الإبحار قبالة شواطئ رفح والشيخ زويد وأطراف مدينة العريش. ورأت مصادر من سيناء، أن هذا القرار يعني إعادة ترسيم الحدود البحرية أمام المواطنين المصريين، بمسافة تبلغ 50 كيلومتراً عن الحدود البحرية الفاصلة بين قطاع غزة وشمال سيناء، تزامناً مع حظر وصول المواطنين إلى شواطئ تلك المناطق، تحت مظلة مكافحة الإرهاب وعمليات التهريب غير المشروعة، والمقصود بها إمداد قطاع غزة بالاحتياجات اللازمة لمواجهة الحصار والعدوان الإسرائيلي. وكانت تلك العمليات تتم قبل أن يهدم الجيش المصري الأنفاق التي كانت تعمل كشريان حياة لغزة، فيما يواصل اليوم إعادة تشكيل المنطقة وفق مخططاته، على الرغم من هدوء الأوضاع الأمنية وتوقف التهريب في اتجاه غزة.
سوف يقتصر الصيد على المناطق الغربية من ميناء العريش
وحمل إعلان الجهات المسؤولة عن ميناء العريش، والمتمثلة حالياً بوزارة الدفاع المصرية، بعد القرار الجمهوري الذي أصدره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتحويل تبعية الميناء ومحيطه بما يشمل تطويره وتشغيله، إلى وزارة الدفاع وقوات الجيش المصري المنتشرة في شمال سيناء، شروطاً عدة لإعادة عمل الصيادين من الميناء، كان أهمها الإقرار بعدم الصيد شرق الميناء بتاتاً، وهي المناطق المتجهة إلى الشيخ زويد ورفح، بينما يقتصر الصيد على المناطق الغربية من الميناء. وعلى الرغم من أن كثيرين لم يهتموا لهذه الفقرة من الشروط الواجبة على الصيادين، إلا أن ثمة من ربطها بالتغيرات الحاصلة في البيئة الجغرافية والديموغرافية في شمال سيناء خلال المرحلة الأخيرة، بما يشمل تهجير آلاف السكان من مدن رفح والشيخ زويد والعريش، تحت حجج مختلفة كإنشاء منطقة عازلة، أو توسيع حرم الميناء، أو مطار العريش، أو ملاحقة تنظيم "داعش" (ولاية سيناء).
ومعقباً على القرار، كتب الناشط السياسي من العريش أشرف أيوب، على "فيسبوك" أنّه "إعلان هام غير معلوم مصدره أو الجهة التي أعلنته، يتضمن الأوراق والمستندات المطلوبة من الصيادين، والسبب أنه قد تقرر فتح ميناء العريش البحري اعتباراً من الأول من ديسمبر/كانون الأول المقبل أمام الصيد، ومن ضمن تلك الأوراق من صاحب المركب، إقرار بأن الصيد مسموح فقط غرب الميناء، ومن لا يلتزم يتعرض للجزاءات، حيث ممنوع منعاً باتاً الصيد شرق الميناء لأي مركب، وهذا يعني أنّ 50 كيلومتراً من سواحلنا من شرق الميناء حتى حدودنا مع فلسطين المحتلة، أي سواحل قطاع غزة، وهذه المسافة هي نطاق المنطقة (ج)، المتاخمة لشرق وادي العريش، أي أنّ وادي العريش أصبح الخط الفاصل بين المنطقتين (ب) و(ج) بحرياً، أي أن هذه هي المساحة الممنوع والمحظور منها طبقاً للقوانين والقرارات، والاتفاق الأخير مع كيان عصابات الصهاينة، على إعادة ترسيم الحدود الشمالية الشرقية للمنطقة (ج)، غير مسموح فيها أي نشاط بشري، أو استغلال هي من ثرواتها، بعدما تم تصحيرها، واقتلاع كل أخضر ومثمر فيها، كما قلنا إن التنمية في سيناء تعني التفريغ شرقاً والبناء والتعمير غربا".
وكانت حكومة الاحتلال الإسرائيلي قد وافقت، مجدداً، على طلب مصري لزيادة القوة العسكرية المنتشرة في محافظة شمال سيناء، شرقي البلاد، لا سيما الموجودة في المناطق المتاخمة للحدود مع الأراضي المحتلة عام 1948. وجاء ذلك بعد أسابيع قليلة من لقاء جمع السيسي، برئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينت، في شرم الشيخ، تمخض عنه لقاء للجنة العسكرية المشتركة للجيشين الإسرائيلي والمصري، كان من أبرز نتائجه المعلنة، تعديل اتفاقية تنظيم وجود قوات حرس الحدود في رفح المصرية، لصالح تعزيز القبضة الأمنية للجيش المصري، بما يعني زيادة القوة العسكرية في المنطقة الحدودية.
المنطقة البحرية أصبحت عسكرية تحظر فيها حركة المدنيين
يذكر أنّ اتفاقية كامب ديفيد وقّعها الرئيس المصري الراحل أنور السادات ورئيس دولة الاحتلال مناحيم بيغن في 17 سبتمبر/أيلول 1978 إثر 12 يوماً من المفاوضات السرية في منتجع كامب ديفيد الأميركي، فيما جاءت معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 بعد الدخول في مفاوضات عقب انتصار الجيش المصري في حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973 ونجاحه في استرداد جزء من الأراضي في سيناء والتي عادت كاملة بعد ذلك مع انسحاب آخر جندي إسرائيلي منها عام 1982، ورفع العلم المصري على طابا بعد التحكيم الدولي عام 1989. وتحظر الاتفاقية على الجانب المصري إدخال طائرات وأسلحة ثقيلة إلى المنطقة الحدودية مع إسرائيل، وحددت طبيعة القوات المصرية المنتشرة وكذلك تسليحها، على أن يتم التنسيق بين الجانبين الإسرائيلي والأميركي حول أي عملية عسكرية يريد الجيش المصري تنفيذها في سيناء.
وتعليقاً على ذلك، رأى باحث في شؤون سيناء فضل عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن وزارة الدفاع حدّدت المنطقة العسكرية المغلقة قبل أسابيع، وتشمل مساحة واسعة من مدن وقرى شمال سيناء، المتاخمة للحدود مع قطاع غزة، وأطراف الحدود مع الاحتلال الإسرائيلي، وتم نشر الخريطة على العلن. وأشار إلى أنه "جرى الرد على ذلك من قبل مشايخ ونواب في مجلس الشعب في سيناء، وها نحن اليوم أمام الإعلان عن منع حركة الصيادين من التحرك في اتجاه الشرق من ميناء العريش، أي أن هذه المنطقة البحرية أصبحت عسكرية تحظر فيها حركة المدنيين، بعد قرار بمنع أي طائرة تصوير تابعة لأي شركة أو صحافة أو مواطن من التحليق في مناطق شمال سيناء، لتكتمل الصورة بذلك: البر والبحر والجو هي مناطق عسكرية محظورة".