اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك قراراً بأغلبية الثلثين يعلّق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وصوتت 93 دولة لصالح القرار، فيما عارضته 24 دولة، وامتنعت عن التصويت 58 دولة، ويحتاج القرار لتبنّيه إلى نسبة الثلثين من عدد الدول التي صوتت بنعم أو لا، ولا تحسب أصوات الدول التي امتنعت عن التصويت أو لم تصوت.
ورعت نص القرار أكثر من خمسين دولة أغلبها غربية وأوروبية. ويعرب القرار عن "قلقه البالغ إزاء استمرار أزمة حقوق الإنسان والأزمة الإنسانية في أوكرانيا، ولا سيما التقارير المتعلقة بانتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان وانتهاكات القانون الإنساني الدولي التي يرتكبها الاتحاد الروسي، بما في ذلك الانتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوق الإنسان".
كذلك يقرّ ببيانات "الأمين العام للأمم المتحدة والمفوضة السامية لحقوق الإنسان التي عبّر كل منهما فيها عن قلقهما"، ويقرّ "بتعليق حقوق العضوية في مجلس حقوق الإنسان للاتحاد الروسي".
وقبل التصويت على المشروع، حثّ مندوب أوكرانيا، سيرغي كيسليتسيا، الدول الأعضاء على التصويت بنعم لدعم مشروع القرار وتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان. وقال: "إن الدول التي ستضغط على الزر للتصويت بلا، تضغط على الزناد، ويعني أننا سنرى نقطة حمراء على الشاشة. اللون الأحمر لون دم الأبرياء الذين أزهقت أرواحهم. وهذه الصورة، صورة هذه النقاط الحمراء، ستبقى في ذاكرتكم وذاكرتنا جميعاً".
ومن جهته تحدث نائب السفير الروسي للأمم المتحدة في نيويورك، جنادي كازمين، مخاطباً الدول الأعضاء قبل التصويت، قائلاً: "مشروع القرار المعروض لا علاقة له بالوضع الخاص بحقوق الإنسان. وأكرر ما قلناه في المذكرة (وزعتها روسيا على الدول الأعضاء الأربعاء)، وهو أن ما نراه الآن، محاولة من الولايات المتحدة من أجل الإبقاء على موقف السيطرة والهيمنة والعلاقات الاستعمارية في كل مناطق العالم".
وأضاف: "اليوم نرى أنّ ثمة جهوداً تبذل من أجل مهاجمة الهيكل المعمول به منذ سنوات عديدة. والأمم المتحدة وممثل الأمين العام أشاروا إلى أن طرد روسيا من مجلس حقوق الإنسان ستكون خطوة خطيرة".
وأشار نائب السفير إلى أن الدول الغربية تحاول "أن تفرض الجزاءات والتدخل بشكل عسكري وأشكال أخرى، ونحن طالما دافعنا عن مبدأ التعاون استناداً إلى المساواة".
ونفى أن تكون بلاده قد ارتكبت أي انتهاكات لحقوق الإنسان، بحسب تقارير غربية وغيرها. ثم دعا الدول الأعضاء إلى التصويت ضد القرار.
روسيا توقف عضويتها رداً على القرار
وبعد تبني الجمعية العامة للقرار، أعلن مندوب روسيا أن بلاده قررت "وقف عضويتها في مجلس حقوق الإنسان"، وأشار إلى أن "التزام روسيا بتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها لا يسمح لنا بالبقاء عضواً في آلية دولية يمكن فيها لمجموعة من البلدان اعتماد قرارات مثل هذا القرار الذي يمثل ابتزازاً لدولة ذات سيادة. قرارنا بوقف عضويتنا في مجلس حقوق الإنسان قبل انتهاء ولايتنا لا يعني أننا لن نستمر في أداء التزاماتنا الدولية بخصوص حقوق الإنسان".
وقال المتحدث الرسمي باسم مجلس حقوق الإنسان ومقره جنيف، رونالدو غوميز، ردّاً على أسئلة لمراسلة "العربي الجديد" في نيويورك، حول سياق القرار الروسي (بوقف عضويته بعد تبني الجمعية العامة لقرارها)، والطرق التي يمكن لروسيا استعادة عضويتها: "الآن بعد أن تخلى الاتحاد الروسي عن عضويته في مجلس حقوق الإنسان، أصبح (الاتحاد الروسي) يعتبر كمراقب. إذا رغب الاتحاد الروسي في إعادة الانضمام إلى مجلس حقوق الإنسان عضواً، فسيلزم انتخابه بشكل مباشر وفردي بالاقتراع السري من قبل أغلبية أعضاء الجمعية العامة"، وعادة ما تجري هذه الانتخابات في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام.
وأضاف "بمجرد خروج دولة من المجلس، كما كان الحال أيضًا مع ليبيا في عام 2011، سيكون الأمر متروكًا لتلك الدولة لاتخاذ الخطوات اللازمة لإعادة الانضمام إلى هيئة حقوق الإنسان والخضوع لنفس الإجراءات مثل الدول الأخرى التي تتنافس على مقعد في المجلس".
معارضة لـ "تسييس العضوية"
وكان عدد من الدول الأعضاء قد عبّروا عن امتعاضهم مما وصفوه بقضية "تسييس عضوية روسيا" في مجلس حقوق الإنسان، وأكدوا ضرورة الانتهاء من التحقيقات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان ومن ثم تقييم الوضع والنظر في قضية العضوية، ومن بين تلك الدول، جنوب أفريقيا ومصر والبرازيل والصين، وغيرها من دول تحدث مندوبوها أمام الجمعية العامة لشرح مواقف بلادهم من التصويت.
وفي هذا السياق قال مندوب مصر للأمم المتحدة في نيويورك، أسامة محمود، إن "مصر لا تنظر إلى مشروع القرار المطروح باعتباره متصلاً بأزمة أوكرانيا أو مبدأ عدم جواز اللجوء إلى القوة المسلحة أو المساس بسيادة الدول، وإنما باعتباره مرتبطاً بالتوجيه نحو تسييس أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة".
وأضاف: "إن الموقف المصري يرفض هذا التوجه بما ينطوي عليه من انحدار للغرض الذي أنشئت من أجله المنظمة ووكالاتها وأجهزتها، وما يؤدي إليه ذلك من دحض مصداقيتها وللعمل الدولي متعدد الأطراف".
واعتبر السفير المصري أن التصويت على المشروع "يمثل منعطفاً خطيراً في مسار منظمة الأمم المتحدة على مدى تاريخها. إن احترام المنظمة لميثاقها وقواعدها ونظام عملها قد عزز من اعتماد المجتمع الدولي عليها من أجل ترسيخ منظومة العمل الدولي استناداً إلى قواعد وآليات يحتكم إليها لحسن إدارة العلاقات الدولية والحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وهو ما يُعَدّ مهدداً الآن".
وأضاف: "إن مشروع القرار المطروح يُعَدّ إهداراً لآليات المنظمة التي لطالما كانت محل ثقة أعضاء المجتمع الدولي ومؤشراً ينذر ببدء اهتزاز مصداقية الأمم المتحدة وآلياتها، وهو الأمر الذي ستكون له تداعيات بالغة الآثار السلبية على قدرتها على الاطلاع بمسؤولياتها وفقاً لميثاقها وما استقر من عمل بشأنه".
وعبّر محمود عن عدم ارتياح بلاده "إزاء استمرار المعايير المزدوجة والكيل بأكثر من مكيال. فكم من المرات تم الاكتفاء بقرارات أقل حسماً وأكثر تساهلاً إزاء انتهاكات لحقوق الإنسان واضحة في ماضٍ ليس بالبعيد. وتؤكد مصر، في هذا السياق، رفضها الكامل لأي انتهاكات لحقوق الإنسان وخرق التزامات الدول القانونية بهذا الصدد وترى ضرورة مواجهتها بشكل حاسم وفقاً للآليات الأممية التي تكفل التصدي لتلك الأعمال المشينة".
وعربياً صوتت كل من الجزائر وسورية ضد تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، فيما صوتت ليبيا بنعم، وامتنعت كل من البحرين ومصر والعراق والأردن والكويت وقطر وعمان والسعودية والسودان وتونس واليمن الإمارات عن التصويت، ولم يصوت لبنان والمغرب على المشروع.
وكانت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، قد أعلنت يوم الاثنين الماضي، أن بلادها ستسعى لتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، رداً "على الصور الواردة من بوتشا".
وكل من أوكرانيا وروسيا منضويتان حالياً في مجلس حقوق الإنسان. وهذه هي المرة الثانية التي تجمد الجمعية العامة للأمم المتحدة عضوية دولة ما في مجلس حقوق الإنسان، حيث سبق أن جمدت عضوية ليبيا عام 2011، بعد الانتهاكات التي مارسها نظام معمر القذافي بحق الشعب الليبي.
وتستمر العضوية في مجلس حقوق الإنسان ثلاث سنوات، وكان من المفترض أن تستمر عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان حتى نهاية 2023.