الجماعات الجهاديّة في مصر.. بيّن الوهم والحقيقة

02 أكتوبر 2014
تأسست جماعات جهادية عقب ثورة يناير(غنلويغي غورسيا/فرانس برس)
+ الخط -
أصبح تأسيس جماعة "جهادية" في الوقت الحالي، أمراً سهلاً لا يتعدى بعض الكلمات وضغطة زر على لوحة تحكم جهاز "الحاسوب"، لنشر بيان للجماعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يثير الشكوك في حقيقة العديد من الجماعات التي نشأت أخيراً في مصر. غير أنّ التأكد من صحة وجودها بات صعباً خصوصاً مع "السّرية" التي تتبعها تلك الجماعات، سواء في قادتها وعملياتها وأعضائها وتحركاتها.

ومنذ ثورة 25 يناير، أعلنت عدّة جماعات عن نفسها، وصبغت بالطابع "الجهادي"، وكان أول هذا الظهور لـجماعة "أنصار بيت المقدس" وآخرها "جند الخلافة في أرض الكنانة" قبل عدة أيام، بيد أن تلك السطور تبحث في حقيقة الجماعات "الجهادية" فقط، نظراً لكثرة المجموعات التي أعلنت مواجهة أجهزة الأمن عقب عمليات القتل الممنهج ضد أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي.

تأسست "أنصار بيت المقدس"، عقب ثورة يناير، وهي جماعة تتمركز في سيناء شمالي شرق البلاد، ارتبط اسمها بالعمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي، منها تفجير خطوط الغاز إلى الاحتلال وبعضها إلى الأردن، قبل أن تتمدد وتظهر خلايا تابعة لها في عدة محافظات مصرية.

أما الجماعة الأخير "جند الخلافة في أرض الكنانة"، فأعلنت عن نفسها أول مرة قبل عدة أيام، في بيان تم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"تويتر"، وسط شكوك في حقيقة وجود هذه الجماعة.

وأكّدت الجماعة، التي لم يتم التأكد من صحة وجودها، أنّها "لم نجد من علماء مصر الذين كنّا نحسبهم مخلصين من يبين للناس إلا جماعة أنصار بيت المقدس -حفظهم الله وأيدهم بنصره- فقدمت البرهان وأقامت الحجة وقامت تدفع الصائل المغرور".

وعرّفت عن نفسها في بيانها التأسيسي، قائلة: "ومن هنا فنحن مجموعات من شباب الإسلام في أرض مصر قامت تحمل الراية السوداء راية العقاب، قاتل تحتها حتى يفتح الله عليهم ويعبد الله وحده ويكون الدين كله لله".

وأضافت: "قد عقدنا لواءنا وبايعنا أحدنا أميراً علينا وبايعنا على الموت فعصبنا الرؤوس لا نلتفت حتى نلقى الله تعالى مقبلين غير مدبرين بإذن الله".

وعن منهجها لفتت "عقيدتنا هي عقيدة أهل السّنة والجماعة، ولذا وبعد هذه الخطوة المباركة فقد علمنا من قرآن ربنا أمر الله لنا بالاجتماع والاعتصام بالله، فنعلن بيعتنا لأمير المؤمنين وخليفة المسلمين أبو بكر البغدادي الحسيني، حفظه الله، على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله، إلا أن نرى كفراً بواحاً فيه لنا من الله برهان".

وبين الجماعتين السابقتين، أعلنت جماعات ومجموعات جهادية أخرى عن نفسها، ففي مطلع العالم الحالي أعلنت جماعة، أطلقت على نفسها تسمية "أجناد مصر"، في بيانها التأسيسي، مؤكّدة قيامها بمجموعة من العمليات ضد قوات الجيش والشرطة، فضلا عن جماعة "داعش مصر".

ويشكك الباحث في الحركات الإسلامية والجهادية، الذي تحفظ عن ذكر اسمه، لـ "العربي الجديد"، بحقيقة وجود جماعة "داعش مصر" و"جند الخلافة"، معللاً ذلك باعتماد "الجماعات الجهادية في القيام بعمليات نوعية للإعلان عن نفسها، أما هاتان المجموعتان اكتفتا بإصدار بيان عبر الإنترنت".

ويقارن الباحث نفسه، بين طريقة إعلان "جند الخلافة في أرض الكنانة" التي أعلنت بيعتها لزعيم تنظيم "الدولة الإسلامية" وتنظيم "جند الخلافة في الجزائر"، هو الآخر بايع البغدادي، بيد أن الأخير أعلن عن نفسه باختطاف رهينة فرنسي وقتله فيما بعد.

ويلفت الباحث إلى صعوبة تحديد حقيقة غالبية الجماعات التي تعلن عن نفسها، نظراً لأن بياناتها تنشر بشكل عشوائي في حالة غياب تام لأجهزة الأمن، موضحاً "لو أن جند الخلافة المصرية بايعت البغدادي لكانت بياناتها تنشر عبر المؤسسات الإعلامية لـتنظيم "الدولة الإسلامية".

وعن "داعش مصر"، تعجب الباحث في الحركات الإسلامية والجهادية، من اسم الجماعة في الأساس، لأن القائمين على هذه المجموعة يفترض انتماؤهم لتنظيم "الدولة"، خاصة وأن لفظة "داعش" مثار استهجان ورفض من قبل أعضاء تنظيم "الدولة الإسلامية".

ويعرض الباحث أحد أبرز المؤشرات على عدم وجود جماعة تحمل اسم "داعش مصر"، إذ أنها أعلنت في أحد البيانات مسؤوليتها عن حادث الهجوم على مقر لقوات حرس الحدود المصرية في منقطة الفرافرة بمحافظة الوادي الجديد شهر يوليو/تموز الماضي، غير أنّ جماعة "أنصار بيت المقدس" بثت صوراً حصرية لعملية الفرافرة، في نهاية مقطع فيديو يحمل اسمه "أيّها الجندي"، ووعدت بنشر فيديو جديد لتفاصيل العملية كاملة.

وعن جماعة "أنصار بيت المقدس"، يرى الباحث في الحركات الإسلامية، "أنّ الجماعة في أغلب الظن موجودة وقامت بعمليات كبيرة ليس فقط في سيناء، ولكن حقيقة تلك الجماعة لا أحد يعرف، من يقف وراءها ومن أين تحصل على تمويلها لا أحد يعرف، وهو حال مختلف الجماعات الجهادية في عدة مناطق بالعالم".

ويلفت إلى أن "الجماعة تحوّلت باتجاه مواجهة النظام الحاكم وقوات الجيش والشرطة عقب حوادث القتل لمؤيدي مرسي، لكّن الجماعة تقف على طرف النقيض بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين".

وبيّن أن الجماعة تنشر بياناتها عبر شبكات جهادية عالمية تعتبر "موثوقة" إلى حد كبير، نظراّ لاتباع هذه المنتديات طرقاً لمنع اختراقها، وتعتمد في عضويتها من الأعضاء على نظام "التزكية" من عضو آخر على المنتدى شرط موافقة إدارة المنتدى، مثل منتديات شبكة "شموخ الإسلام" وشبكة "فداء الإسلام".

من جانبه، يعتبر الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء عادل سليمان، أنّ "هناك أزمة كبيرة فيما يخص معرفة حقيقة المجموعات الجهادية التي تنتهج العنف على مدار أكثر من عام حتى الآن".

ويضيف سليمان في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "هذه المجموعات لا يمكن الحكم عليها بمجرد إطلاق بيان عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو من خلال ما ينشر في وسائل الإعلام، أو من خلال مقاطع فيديو تبث عبر الإنترنت".

كما قارن الخبير العسكري، بين ما يتم نشره من بيانات وأخبار بخصوص مجموعات جهادية في مصر، وما ينشر عن تنظيم "الدولة الإسلامية" أو تنظيم "القاعدة" مثلاً، "فهذه الجماعات والتنظيمات لها تواجد على الأرض وعمليات يمكن الاستدلال عليها، فضلاً عن وجود قادة معروفين".

ويوضح أنّ "المجموعات التي أعلنت عن نفسها حتى الآن، قائدها أو أعضاؤها ليسوا معروفين، كما أنّ هناك العديد من العمليات ضد قوات الجيش والشرطة لا نعلم من المسؤول عنها".

وعن دور أجهزة الأمن المصرية في متابعة وملاحقة تلك المجموعات، يقول الخبير العسكري إن "عدم التوصل لهذه المجموعات يفيد بأمرين لا ثالث لهما، إما فشل وتباطؤ الأجهزة الأمنية، أو تواطؤ تلك الأجهزة لما يخدم مصلحتها".

ويشدد سليمان أنّ "الفشل يتمثل في عدم اعتماد أجهزة الأمن المصرية في ما هو متبع دولياً من تطبيق المعايير الاحترافية في تعقب مثل تلك المجموعات، فضلاً عن أن التواطؤ يمكن أن يكون بطريق مباشر أو غير مباشر".

ويلفت إلى أن التواطؤ المباشر يمكن أن يكون بإصدار الأجهزة الأمنية بيانات تسهم في صالحها، أو بشكل غير مباشر بمعرفتها هذه المجموعات ولكّن تتركها لخدمة أهداف خاصة.

وفي هذا الصدد، يطرح الخبير العسكري عدة تساؤلات "من يمول هذه المجموعات، من قادتها، ما أهدافها، ما جدوى عملياتها؟". ويلفت إلى أنّ "الأمن المصري لم يقدم أي قضية محكمة حتى الآن، بواقعة معينة ومتهمين حقيقيين وأدلة ثبوت وشهود وإلى غير ذلك، موضحاً أنّ جميع القضايا مثل سابقتها في عصر الرئيس المخلوع حسني مبارك.

بدوره، يعتبر الخبير في الحركات الإسلامية، كمال حبيب، أنّ "مصر تشهد تغيراً كبيراً على مستوى تمدد الجماعات الجهادية، والتي غالبتها مجموعات صغيرة ليس بمفهوم الجماعات الجهادية الكبرى".

ويضيف حبيب، أنّه "باستثناء جماعة أنصار بيت المقدس، لم يستدل على حقيقة جماعات ظهرت عبر بيانات على الإنترنت، ويمكن لأي شخص إصدار مثل تلك البيانات".

ويتابع في حديثه لـ"العربي الجديد"، "ربما يكون بعض هذه البيانات ليست جماعات جهادية بالمعنى المعروف ولكن مجموعة من الشباب المتحمس، بفعل الأحداث التي تشهدها مصر أو المنطقة، ويقررون تكوين تنظيم أو مجموعة صغيرة من عدة أفراد".

ويقلل الخبير في الحركات الإسلامية من أهمية تلك المجموعات، "نظراً لأنها تعمل بشكل منفرد دون تنسيق وخبرة كبيرة في العمل الجهادي، وغالبيتهم لم يسافروا للخارج للمشاركة في القتال بأي منطقة نزاع، بخلاف جماعة أنصار بيت المقدس".

ويبين أن "المجموعات الصغيرة التي تعمل بخبرة أمنية قليلة، ستسقط يوماً ما، إما في يد الأجهزة الأمنية، أو تختفي من على الساحة بفعل عدم وجود تمويل مناسب ودائم، أو لأنّها لا تمتلك الجرأة في اتخاذ القرار والتحركات السلمية بعيد عن أعين الأجهزة الأمنية".

وعن اختراق تلك المجموعات أمنياً، لم يستبعد حبيب الأمر، معتبراً أنّ الأمن قد يستفيد من العمليات التي تقوم بها تلك المجموعات لفترة لصالحه.
المساهمون