الجزائر والمغرب... القطيعة تتغلب

الجزائر والمغرب... القطيعة تتغلب

22 يوليو 2021
لم تتغلب معطيات الجيرة والجغرافيا بعد على الخلافات (فاضل سنة/ فرانس برس)
+ الخط -

بجرّة قلم، تكبر المسافة بين الجزائر والمغرب، وبجرّة قلم تتجمد الجغرافيا، ويُكتب في سجل التاريخ المزمن بين البلدين، ما كان يفترض أن يكتب خلافه أصلاً.
تفرض العلاقات الجزائرية المغربية المتوترة نفسها باستمرار على طاولة البحث والنقاش. وتجاوزاً للحظة انفعال إزاء تطور آني حاد، يُمكن أن يوضع قيد البحث، سؤالٌ متعدد الأبعاد والجوانب: لماذا لم ينجح البلدان في تحقيق تطور إيجابي في العلاقات البينية، وهل فعلاً يريد البلدان تجاوز وتسوية سجل الخلافات القائمة، أم أنهما يرفضان تطبيع العلاقات لفائض الحاجة للخصومة ذات الاستخدام السياسي؟
المسألة معقدة بعض الشيء، ومن الصعب الوقوف على الحياد عندما يتعلق الأمر بالوحدة الوطنية، لكن عندما تتوفر الإرادة السياسية تصغر المشاكل مهما كانت معقدة وبالغة الحساسية.
ثمة مثال حيّ ودال على ذلك في السياق الجزائري – المغربي. بين عامي 1986 و1995، كانت الحدود البرّية مفتوحة بين البلدين، وحركة التنقل في معبر "زوج بغال" حثيثة، على الرغم من أن قضية النزاع في الصحراء، بين المغرب و"جبهة البوليساريو" كانت تعيش مرحلة ساخنة بسبب الحرب التي لم تتوقف إلا في عام 1991، وعلى الرغم من أن الرباط تضع النزاع كسبب مباشر لخلافاتها مع الجزائر.
حتى مع تغير المعطيات المحلية في كلا البلدين، كان هناك الممكن الذي يقتطع من جسم الأزمة شيئاً. في فبراير/شباط 2013، حصلت تطورات إيجابية أفرزت ما عرف بتفاهمات فبراير، والتي نصّت على وقف الحملات الإعلامية بين البلدين، وتبادل الزيارات الوزارية على أعلى مستوى. وقد حصلت فعلاً زيارات لوزراء من البلدين، وتوقفت الحملات الإعلامية المضادة لوقت، وكان يمكن أن يؤسس ذلك لمزيد من الانفراج.
تقدم هذه الحالات المنفلتة من عقد الأزمة، دليلاً على أن هناك مُمكناً فعلاً، وعلى أن قضية النزاع في الصحراء لا تقف حائلاً ولا مانعاً أمام تطبيع نسبي للعلاقات الجزائرية - المغربية، بدلاً من دفعها إلى مزيد من القطيعة. ويجيب ذلك عن جزء من السؤال السالف، بأنه متى توفرت الإرادة السياسية والنوايا الصادقة، تغلب الود على القطيعة.
الثابت أن مأزق العلاقات مرهق سياسياً ومكلف اقتصادياً بالنسبة للبلدين. ولذلك، حتى وإن أراد أحد الطرفين إبقاء الأزمة قائمة لغرض استفادة ما، فإنها استفادة غير مجدية تماماً، بل إن الفاعل الخارجي هو الوحيد المستفيد منها، في كل مراحلها وتجلياتها.
يبقى من المهم الإشارة إلى أن تغلب القطيعة، وإخفاق الجزائر والمغرب في الانتصار إلى معطيات الجيرة والجغرافيا التاريخية والدم والدين واللغة، هو جزء من ذات صلة بإخفاقات الداخل، بحيث لا يستطيع النظامان الجزائري والمغربي المزايدة على بعضهما في مجالات الحريات والديمقراطية وتحقيق التنمية والرفاه. مؤشرات الفقر والفساد تتناسب في البلدين، تماماً كما تتناسب مؤشرات نكسة الديمقراطية والحريات ومنسوب حرية التعبير وغيرها.
للرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين أكثر من قول مأثور، بينها أنه قال: "يوماً ما، سنلتقي مع الشعب المغربي حتماً".
 

المساهمون