منذ شهرين أو أكثر، ينتظر الرأي العام في الجزائر نصّ وتفاصيل المبادرة السياسية "لم الشمل" التي أعلن عنها منذ مطلع شهر مايو/أيار الماضي، واللقاء الجامع للأحزاب السياسية كما وعد الرئيس عبد المجيد تبون. مرّت ذكرى الاستقلال في 5 يوليو/تموز الحالي، بكل زخمها الذي كان، ولم تعلن الرئاسة عن تفاصيل المبادرة وخطواتها المنتظرة، والبلد أحوج ما يكون إلى خطوة في هذا الاتجاه.
البيان الافتتاحي الذي نشرته وكالة الأنباء الجزائرية في 2 مايو الماضي، حول مبادرة "لم الشمل"، حدّد سقفاً زمنياً واضحاً للمبادرة بحلول الذكرى الستين للاستقلال، على أساس أن يوفر الانخراط السياسي والمدني في هذه المبادرة، ظروفاً مشتركة واحتفاءً وطنياً بهذه المحطة التاريخية. لكن الموعد مرّ من دون أن تطرح في الساحة السياسية مبادرة واضحة الرؤى والتصور، وشفافة في الإطار السياسي، ومحددة الأهداف والغايات.
كان واضحاً من الطريقة التي تم الإعلان بها عن المبادرة في تلك الفترة، عبر وكالة أنباء رسمية، من دون أي بيان تفصيلي من الرئاسة يشرح كامل المعطيات، تنويراً للشعب والطبقة السياسية، أن الصورة ليست واضحة بالقدر الكافي لدى السلطة نفسها حول استحقاقات مبادرة "لم الشمل" وأدواتها، وأن الخطوة لم تستكمل النضج المطلوب.
وحتى انخراط مجمل الأحزاب السياسية والقوى الموالية في المبادرة، لم يسعفها في أن تتحول فعلياً إلى مبادرة واضحة وحقيقية، تعتذر عن نية مطلوبة وجدية ضرورية.
يُمكن ملاحظة أن مثل هذه الفعاليات السياسية والمدنية، التي تمثل في الغالب أجهزة دعاية للسلطة أكثر منها منتظماً يحتكم إلى ضوابط ومنطق العمل المؤسسي والمجتمعي، سارعت إلى التعليق وإسناد مبادرة سياسية غير موجودة بالأساس، لا على صعيد النص (كوثيقة)، ولا على صعيد الواقع كمبادرة مكتملة.
وهذه واحدة من مآسي العمل السياسي في الجزائر. ولذلك أخذت المبادرة السياسية وجوداً افتراضياً لم تكن له أية ترجمة فعلية على الواقع.
وعلى الرغم من أن السلطة حاولت استدراك الموقف، بتنظيم سلسلة لقاءات لتبون مع قادة عشرة أحزاب ومستقلين وقادة تنظيمات عمالية ومدنية، لإعطاء انطباع سياسي بوجود خطوة تصالحية، إلا أن لا أحد ممن تم استقبالهم خرج من الرئاسة بفكرة واضحة عن معنى وغايات مبادرة "لم الشمل".
وحتى الوعد الذي أطلقه الرئيس الجزائري خلال زيارته إلى تركيا في مايو الماضي، بعقد لقاء قريب يجمعه بقادة الأحزاب السياسية والقوى المدنية في غضون أسبوعين أو ثلاثة، مر عليه أكثر من ذلك ولم يحصل اللقاء.
ثلاث ملاحظات مهمة تسترعي الانتباه في هذا السياق. الملاحظة الأولى متعلقة بالمصداقية السياسية، قاعدةً أساسيةً للحكم ولبناء الثقة مع الجزائريين ومع كامل النخب والشركاء في الداخل.
الملاحظة الثانية متعلقة بواجب احترام النخب السياسية والرأي العام الوطني، وهذا الاحترام يبدأ من التعامل معها على قاعدة الوضوح والشفافية السياسية والقطيعة مع الممارسات السابقة.
أما الملاحظة الثالثة فتتمحور حول أن الظرفية السياسية الراهنة في الجزائر، تحتاج إلى مبادرة جادة وجدية، تتجاوز سياقات تدابير التهدئة، وتفي بالاستحقاقات الوطنية وتطرح فكرة إنجاز وطني مشترك.