الجزائر... نوستالجيا سياسية

16 أكتوبر 2024
زارت الرئيسة الهندية دروبادي مورمو الجزائر (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- زيارة الرئيسة الهندية دروبادي مورمو إلى الجزائر أثارت تعليقات حول سياسات الهند تجاه المسلمين وعلاقاتها الاستراتيجية مع إسرائيل، مما يعكس تعقيدات السياسة الدولية.
- الجزائر تسعى لإحياء علاقاتها التاريخية مع دول مثل صربيا ودول أوروبا الشرقية، مستفيدة من حاجاتها للطاقة، وتستهدف تعزيز التعاون مع إندونيسيا، مستندة إلى إرث تاريخي مشترك.
- وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف أكد توجه الجزائر نحو آسيا الوسطى وآسيا، مشيراً إلى تقديم طلب للانضمام لمعاهدة الصداقة والتعاون لمنظمة "آسيان"، مما يعكس تحولاً استراتيجياً في السياسة الخارجية.

بالتأكيد لم تمر زيارة الرئيسة الهندية دروبادي مورمو إلى الجزائر بدون تعليقات جانبية، من قبيل مهاجمة كتّاب سياسات الحكومة الهندية تجاه المسلمين في الهند، ولكن بالأخص لكون الهند على علاقة استراتيجية مع إسرائيل وترتبطان بعلاقات تعاون عسكري متقدمة، وكون مواقفها في المجتمع الدولي تسير لصالح تل أبيب. لكن، وخارج هذا السياق من التعليقات، يمكن رؤية خيار سياسي يتشكل منذ فترة بالنسبة للجزائر التي تعيد من خلاله اكتشاف وهندسة علاقات مع دول وكتل إقليمية، كانت تجمعها معها علاقات وثيقة، منذ السبعينيات، سواء لأسباب تاريخية، دول عدم الانحياز في حالة الهند وإندونيسيا، أو لظروف سياسية، على غرار دول أوروبا الشرقية، قبل أن تفعل تحوّلات ما بعد نهاية الحرب الباردة فعلها في تغيير ترتيب العلاقات بين الجزائر وهذه الدول.

تتحدث الجزائر ضمن الاتجاه نفسه بوضوح عن "إحياء إرث تاريخي متميز" مع بلغراد، وقد كانت العلاقات بين صربيا (يوغسلافيا سابقاً) والجزائر وطيدة في السبعينيات، خصوصاً في عهد الزعيمين جوزيف بروز تيتو وهواري بومدين، وتوجه جهودها الدبلوماسية بشكل مركز لإعادة بعث علاقات مع دول أوروبا الشرقية، المتكتلة في ما يعرف بـ"مجموعة فيشغراد"، المجر والتشيك وبولندا وسلوفاكيا، التي كانت تتشارك معها الخيار الاشتراكي، بحيث تمثل حاجيات هذه الدول من الطاقة ممراً مهماً إليها بالنسبة للجزائر.

إضافة إلى الهند ودول أوروبا الشرقية، توجد دولة مهمة سياسياً واقتصادياً، هي إندونيسيا، ضمن دائرة التوجه الجزائري الجديد. قبل السياسة والاقتصاد تقع إندونيسيا في قلب التاريخ الثوري للجزائر، وترتبط بمؤتمر باندونغ لدول عدم الانحياز (1955)، والذي أعطى زخماً دولياً كبيراً للقضية الجزائرية في تلك الفترة، وغالباً ما كان هذه الإرث التاريخي المشترك عاملاً مساعداً يحرض الجزائر على إعادة اكتشاف إندونيسيا والاستفادة من تجربتها الاقتصادية.

في الواقع لا يوجد ما هو أوضح من تصريح وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في 29 أغسطس/ آب 2023، لفهم التوجه الجديد للسياسة الخارجية للجزائر، حين قال إن الجزائر تعمل على "تحويل محور من محاور السياسة الخارجية نحو آسيا الوسطى وآسيا، فالمستقبل هناك". وكلمة "المستقبل هناك" تعني الكثير، بل إن الجزائر أعلنت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أنها قدمت طلباً رسمياً للانضمام لمعاهدة الصداقة والتعاون لمنظمة "آسيان".

إذا كانت "نوستالجيا" سياسية قد وجهت الجزائر إلى إعادة بناء علاقاتها مع دول كانت قد سقطت لظروف وعوامل متعددة في العقود الماضية من لائحة أولوياتها في الشراكة والعلاقات، فإن الحافز الاقتصادي يبدو هذه المرة الأكثر حضوراً، فمجموع هذه الدول السالفة خاضت تجارب ناجحة في التحول الاقتصادي، خصوصاً بالنسبة لتلك التي تحولت من النظام الاشتراكي إلى نظام المبادرة الحرة، بينما أخفقت الجزائر في تحقيق هذا الانتقال بفعل التردد وارتباك السياسات والخيارات المشوشة. هذا الفارق الأساسي يمكن أن يمثل حافزاً بالنسبة للجزائر للاستفادة من هذه التجارب وعرض شراكات جادة، بيد أن "النوستالجيا" السياسية لن تكون كافية ما لم تكن الجزائر جاهزة فعلاً لذلك، ذلك أن هند جواهر نهرو ليست هند ناريندرا مودي، وصربيا ليست هي يوغسلافيا تيتو، وإندونيسيا السبعينيات ليست هي إندونيسيا الحالية.

دلالات