واجه رئيس الحكومة الجزائرية، أيمن بن عبد الرحمن، وفريقه من الوزراء، اليوم الإثنين، في جلسة النقاش العام في البرلمان حول بيان السياسة العامة للحكومة (الحصيلة)، عاصفة من الانتقادات من قبل نواب من الكتل النيابية التي تتبع أحزاب الموالاة والحزام الحكومي، وبشكل غير مألوف من نواب الموالاة، بعد تشجيع لافت من قبل الرئيس عبد المجيد تبون للنواب بممارسة حقهم في الرقابة على الحكومة.
وقال رئيس كتلة التجمع الديمقراطي (من الحزام الحكومي)، منذر بودن، إن "الحكومة لا تواكب الحركية التي يقودها الرئيس تبون، في مختلف المجالات، ويجب الأخذ بالاعتبار أن هناك بعض القطاعات الوزارية غير قادرة على استيعاب برنامج الرئيس، كما أن الإقلاع الاقتصادي الذي كان عنوان سنة 2021 لم يتحقق، وهناك ما يقال حول ما يعاش في الواقع"، وانتقد عجز الحكومة في محاربة السوق السوداء، وعدم فتح مكاتب صرف، وفي حل مشكلة التأشيرة الإلكترونية، مشيرا إلى أن جزءا من الحرائق الكارثية التي شهدتها البلاد يعود إلى ما وصفها "غياب اليقظة الاستراتيجية".
ودعا بودن الرئيس تبون إلى إلقاء خطاب في مقر البرلمان يكون الأول من نوعه في التاريخ السياسي للجزائر، إذ لم يسبق لرئيس جزائري أن ألقى خطابا أمام البرلمان، منذ عهد الرئيس الأول أحمد بن بلة. وخلال عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، جمع الأخير غرفتي البرلمان مرتين في قصر الأمم، لطرح مسودة تعديل دستوري عامي 2008، و2016، لكنه لم ينزل إلى مقر البرلمان لإلقاء خطاب حول حال الأمة، أو الوضع السياسي والسياسات العامة في البلاد. وتبدو دعوة النائب المحسوب على كتلة المولاة، والذي كان من أكبر المتحمسين لترشح الرئيس السابق بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة عام 2019، قبل اندلاع الحراك الشعبي، لافتة من حيث توقيتها، أو أنها ناتجة عن دفع من أطراف من محيط الرئاسة، للتمهيد لمناسبة لاحقة ينزل فيها الرئيس تبون إلى البرلمان.
وبدا واضحا أن نواب الكتل النيابية الموالية التقطوا الإشارات السياسية التي كان أطلقها الرئيس تبون قبل أسبوع في خطابه خلال لقاء الحكومة بحكام الولايات، عندما أشاد بالبرلمان الجديد، وبأغلبيته الشابة التي قال إنها "نتاج انتخابات نزيهة استبعد فيها المال الفاسد"، ودافع فيه عن حق النواب في ممارسة الرقابة وانتقاد الحكومة. ورفع ذلك الحرج السياسي عن النواب حتى بدا خطاب نواب هذه الكتل اليوم نقديا اتجاه الحكومة وبشكل مفاجئ.
وفي السياق نفسه، أكد النائب محمد مشقق عن كتلة حزب جبهة التحرير الوطني، أكبر أحزاب الموالاة، أنه عاجر عن فهم المعايير التي توزع على أساسها الحكومة مشاريع البنية التحتية على الولايات، بسبب عدم استفادة ولايات حيوية وذات كثافة سكانية كبيرة من مشاريع حيوية خاصة في قطاع الصحة. وقال النائب البراء بن قرينة، وهو نجل رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة (تشارك في الحكومة)، إن "بيان السياسة العامة الذي قدمته الحكومة يحمل الكثير من التسويف، وهو ما يجعل منه مخطط عمل وليس حصيلة"، وانتقد "عدم وجود أرقام ومؤشرات تسمح بتقييم عمل الحكومة"، مشيرا إلى "وجود تضارب في الأرقام والمؤشرات البيانية، فبشأن إنتاج الحبوب، قال رئيس الحكومة في سبتمبر/أيلول إن الانتاج بلغ 22 مليون طن، بينما الوثيقة تقول 41 مليون طن، والشأن نفسه فيما يخص نسبة التضخم التي تعلنها الحكومة، وهي غير صحيحة، والحديث المضلل عن ارتفاع قيمة الدينار الجزائري، بينما القيمة الحقيقية للدينار موجودة في السوق السوداء".
ووجه نواب عن كتلة المستقلين، وهي الكتلة الأكثر تحمسا لسياسات الرئيس تبون، انتقادات حادة للحكومة، خاصة بشأن الإخفاق في التكفل بمعاناة مرضى السرطان، بسبب نقص الأدوية الموجهة لعلاجهم. وقال النائب عبد العزيز قاسمي إن الوزراء يرفضون استقبال نواب البرلمان ويماطلون في الرد على الاستجوابات الشفوية والكتابية، مشيرا إلى أن هذا "أمر غير مقبول واستخفاف بالنواب"، بينما كان رئيس الحكومة أيمن بن عبد الرحمن قد زعم في خطابه اليوم أمام النواب أن نسبة الرد على استجوابات النواب من قبل الوزراء بلغت 100%.
ولم يكن مفاجئا موقف نواب كتلة حركة مجتمع السلم، التي تحوز أكبر كتلة معارضة في البرلمان، والتي اعتبر نوابها المتدخلون اليوم بيان السياسة العامة للحكومة خاليا من البيانات والأرقام التي تسمح بإحداث تقييم مقارنة مع الالتزامات التي قدمتها الحكومة في يوليو/تموز 2021. وقالت النائب صليحة قاشي إن "بعض الأهداف التي رسمت في مخطط عمل الحكومة لم ترد في بيان السياسة العامة، وهذا يعني أن الحكومة أخفقت تماما في تحقيقها"، واعتبرت أن البيان الحكومي تضمن حشوا مبالغا فيها من حيث الحديث عن منجزات لا يمكن تلمسها في الواقع الاجتماعي والاقتصادي للبلاد.