الجزائر... جبهة الداخل حكمة ثورية

10 نوفمبر 2021
الجزائريون غير راضين عن مخرجات ما بعد الحراك (Getty)
+ الخط -

ثمة قيمة تاريخية اكتنزها المجتمع السياسي في الجزائر من حكمة القادة المؤسسين للحركة الثورية ضد الاستعمار، وهي "أولوية جبهة الداخل". لا يزال هذا المبدأ، من دون شك، صالحاً، ودائماً، لأن يكون المحدد الرئيسي لخيارات الساسة وحكام البلد. في غمرة تدافع إقليمي وتهديدات متعددة الجوانب والأطراف، يحدث أن تُعارض الكثير من النخب الجزائرية، تحت مبررات عديدة، الحديث عن مخاطر استدراج البلد إلى المواجهة والاستنزاف، وترفض إحداث أي مقارنات مع بلدان أخرى، لكن يمكن استدعاء مثال بسيط على أن رفض هذه المقارنات ليس هو التقدير الصحيح، فعندما اندلعت الثورة في تونس (2011)، قال الرئيس المصري آنذاك محمد حسني مبارك، إن مصر ليست تونس، لكن مصر كانت مثل تونس، بخلاف ما كان يعتقد مبارك.

الجيش الجزائري قوي وازداد تسلحاً بما يفي بالحاجة الدفاعية والهجومية خلال السنوات الأخيرة صوناً للبلاد، لكن ذلك ليس كافياً ولن يكون، لأنه ليس ممكناً إلقاء كل العبء على الجيش، بينما الجزائر بحاجة إلى تماسك أكبر للجبهة الداخلية، وإلى تصحيح جدّي للأخطاء والمسارات التي قادت البلد إلى نكسات وضعت كامل الدولة على حافة الانهيار. الجزائر بحاجة إلى توسيع هامش الحريات وتحرير السياسة من المقبض الرسمي، وإطلاق يد الصحافة لتعدّل نفسها بنفسها، والجزائر بحاجة أيضاً إلى إنهاء التوظيف السياسي للأفراد والجماعات والقضاء، وتولية المناصب على مسطرة الكفاءة لا الولاء، وتعديل المقاربات السياسية في الحكم وإدارة الشأن العام.

قطاع واسع من الشباب الجزائري يشعر بالإحباط أمام مستقبل غير واضح، ولذلك يغادر البلد عبر قوارب الموت. وكثير من الشعب غارق في مشكلات العيش، وهذا يجب أن يتغير، وجزء هام من المجتمع السياسي يشعر أنه ضحية لتزوير الانتخابات والتلاعب بمجرياتها، وهذا يجب أن ينتهي. المجتمع المدني فرض عليه التحول إلى حالة وظيفية ريعية، وهذا وضع غير صحي، النخب والصحافيون يدركون كل الإدراك أن الحريات الإعلامية وحق التعبير ليسا بخير، وتلك حالة يجب أن تعالج بصدق، والعمق المجتمعي غير راض عن مخرجات ما بعد الحراك الشعبي التي أعادت استدعاء نفس أنماط الحكم والتسيير الحكومي.

كل تلك الزوايا والمجالات تشكل أبعاداً رصينة في تماسك الجبهة الداخلية، وهي وحدها حائط الصدّ الأخير إذا انكفأت مقومات الدفاع الأخرى. صحيح أن المسألة برمتها تحتاج إلى وقت للإصلاح، لكن لا شيء يمنع إظهار النية، والنية في ساسة الناس، والسياسة فعل بالأساس.

المساهمون