قررت الجزائر تعليق اتفاقية الصداقة والتعاون مع إسبانيا على الفور، في خطوة جديدة تؤشر على تفاقم الأزمة السياسية والدبلوماسية بين البلدين، منذ قرار مدريد الاعتراف بالطرح المغربي، القاضي بالحكم الذاتي في منطقة الصحراء المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو، فيما عبّرت إسبانيا عن أسفها إزاء القرار الجديد.
وقرر مجلس الأمن القومي برئاسة الرئيس عبد المجيد تبون المنعقد اليوم الأربعاء "التعليق الفوري لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع إسبانيا، التي كان قد تم التوقيع عليها في الثامن أكتوبر/ تشرين الأول 2008 "، بسبب تغيّر الموقف الإسباني من النزاع الصحراوي.
وأكد بيان للرئاسة الجزائرية أن "السلطات الإسبانية باشرت حملة لتبرير الموقف الذي تبنته إزاء الصحراء، والذي يتنافى مع التزاماتها القانونية والأخلاقية والسياسية، وموقف السلطات الإسبانية يتنافى مع التزاماتها كقوة مديرة للإقليم، والتي لا تزال تقع على عاتق مملكة اسبانيا إلى غاية إعلان الأمم المتحدة عن استكمال تصفية الاستعمار بالصحراء".
واعتبرت الرئاسة الجزائرية أن "السلطات الإسبانية تعمل على تكريس سياسة الأمر الواقع الاستعماري، باستعمال مبررات زائفة، ونفس هذه السلطات تتحمل مسؤولية التحول غير المبرر لموقفها منذ تصريحات 18 مارس 2022 والتي قدمت الحكومة الإسبانية الحالية من خلالها دعمها الكامل للصيغة غير القانونية وغير المشروعة للحكم الذاتي الداخلي المقترحة من قبل القوة المحتلة".
إسبانيا "تأسف" لقرار الجزائر
في المقابل، قالت مصادر دبلوماسية إسبانية إن إسبانيا "تأسف" لقرار الجزائر تعليق اتفاق التعاون بين البلدين.
وأوضحت المصادر ذاتها، حسب "رويترز"، أن "الحكومة الإسبانية تأسف لإعلان الرئاسة (الجزائرية) تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون"، مضيفة أن إسبانيا "تعتبر الجزائر دولة مجاورة وصديقة وتكرر استعدادها الكامل للاستمرار في الحفاظ على علاقات التعاون الخاصة بين البلدين وتنميتها".
وكانت أزمة دبلوماسية مفاجئة قد اندلعت في 18 مارس/آذار الماضي بين الجزائر وإسبانيا، على خلفية إعلان طارئ لمدريد عن موقف جديد يؤيد خطة الحكم الذاتي في منطقة الصحراء المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو، التي تدعمها الجزائر.
وقررت الخارجية الجزائرية حينها استدعاء السفير الجزائري من مدريد فوراً للتشاور، وفي 26 إبريل/نيسان الماضي، أعلن الرئيس تبون رفضه عودة السفير الجزائري إلى مدريد، وأعلنت الحكومة الجزائرية أن عودة السفير الجزائري إلى مدريد مرتبطة "بتوضيحات مسبقة وصريحة من قبل مدريد لإعادة بناء الثقة التي تضررت بشدة"، وأكدت أن "عودة السفير الجزائري لن تتم قبل إعادة بناء الثقة المتضررة بشكل خطير على أسس واضحة ومتوقعة ومطابقة للقانون الدولي".
ولا يعرف في الوقت الحالي طبيعة التداعيات السياسية والاقتصادية التي تترتب على قرار الجزائر إلغاء معاهدة الصداقة، لكنها قد تؤثر على التفاهمات السياسية القائمة بين البلدين في عدة مجالات وقضايا، بما فيها ملف الطاقة، ويؤشر على أن العلاقات بين الجزائر ومدريد تتوجه إلى التأزم أكثر وتمر بأسوأ فتراتها.
ويعد هذا القرار خطوة ثالثة من نوعها تتخذها الجزائر في سياق تطورات الأزمة السياسية بين البلدين، بعد قرار الجزائر سحب السفير، ثم وقف التعاون الكامل مع إسبانيا في ملف الهجرة غير نظامية ورفض تسلم وعودة المهاجرين غير النظاميين وترحيلهم إلى الجزائر.
وفي وقت سابق حذّر عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الجزائري عبد السلام باشاغا في تصريح لـ"العربي الجديد" من أن "الموقف الجزائري قد يزداد تصلباً أكثر في حال ما أصرت الحكومة الإسبانية على موقفها، وهناك خطوات دبلوماسية متبقية قد تتم لاحقاً"، على غرار ما تقرر اليوم.
ويعتقد باشاغا أن تكون اتفاقات الطاقة والتمون بالغاز هي الخطوة التالية التي قد تلجأ إليها الجزائر لزيادة الضغط على إسبانيا في ظرف إقليمي ودولي حرج، إذ تورد الجزائر إلى إسبانيا عبر خط بحري يربط بني صاف الجزائرية بألميريا الإسبانية ما بين 8.5 إلى عشرة مليارات متر مكعب من الغاز.
وكانت وزارة الطاقة الجزائرية قد هددت بداية مايو/أيار الماضي بقطع إمدادات الغاز عن إسبانيا، في حال أخلت بالعقود المبرمة بين البلدين بشأن توريد الغاز الجزائري أو إعادة توجيهه إلى أي بلد آخر.
وأكد بيان لوزارة الطاقة حينها أن "أي كمية من الغاز الجزائري المصدرة إلى إسبانيا تكون وجهتها غير تلك المنصوص عليها في العقود، ستعتبر إخلالاً بالالتزامات التعاقدية". وقال دبلوماسي جزائري رفيع "إذا قررت إسبانيا إعادة تصدير الغاز الذي تشتريه من الجزائر إلى دول ثالثة، فقد توقف الجزائر بدورها الإمدادات إلى مدريد".