كشفت الرئاسة الجزائرية للمرة الأولى عن العدد الرسمي لضحايا الاستعمار الفرنسي للجزائر، خلال الفترة الممتدة من 1830، حتى حصول البلاد على استقلالها في يوليو/تموز 1962.
وتضمن بيان للرئاسة الجزائرية صدر مساء أمس السبت، رداً على تصريحات كثيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، رقماً مرجعياً لمجموع عدد الشهداء، إذ ذكر أن "تصريحات ماكرون حملت مساسا غير مقبول بذاكرة 5 ملايين و630 ألف شهيد ضحوا بحياتهم منذ المقاومات الشجاعة ضد الاستعمار الفرنسي، وخلال الثورة التحريرية المظفرة".
وتذكر سير ومراجع تاريخية القرارات لكبار جنرالات الجيش الفرنسي خلال الحملة الاستعمارية ومحاولة فرنسا التوسع وبسط كامل سيطرتها على المناطق الجزائرية، أنه تمت عمليات إبادة جماعية لقبائل بالكامل، وخاصة في المناطق التي رفضت الاستسلام وأبدت مقاومة ضد الاستعمار، بالإضافة إلى عمليات تطهير شامل للسكان المحليين في مناطق الداخل انتقاما من قادة المقاومات الشعبية، بالأغواط والمسيلة وجلفة وسط البلاد، ومستغانم ووهران ومعسكر منطقة تمركز الأمير عبد القادر الجزائري غربي الجزائر، إضافة إلى عمليات إبادة جماعية للسكان في مناطق البيض والجنوب.
ويتضمن هذا العدد الرسمي الجديد، مليوناً ونصف مليون شهيد قضوا خلال فترة الثورة التحريرية بين أول نوفمبر/ تشرين الثاني 1954 والخامس من يوليو/تموز 1962، ناهيك عن أعداد أخرى من الضحايا الذين قضوا بعد الاستقلال بسبب بقايا الألغام المزروعة على طول الحدود الغربية والشرقية وضحايا آثار الإشعاعات التي خلفتها التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية.
وتعترف السلطات الجزائرية رسميا بصفة "شهيد"، فقط لمن قضوا في فترة ثورة التحرير، وتمنح عائلاتهم منحا شهرية وامتيازات مادية وقانونية، بينما تقدر الباقي بنفس الصفة دون منح عائلاتهم امتيازات مادية، بمن فيهم ضحايا مجازر الخامس من مايو/أيار 1945، والتي قتل خلالها 45 ألف جزائري.
ولا يُعرف ما هي المراجع والمستندات التي اعتمدت عليها الرئاسة الجزائرية لإعطاء رقم الخمسة ملايين، و630 ألف شهيد، لكن جهودا توثيقية وعمليات إحصاء قامت بها مراكز البحث التاريخي، في السنوات الأخيرة التي أبدت فيها السلطات تركيزا على ملف الذاكرة وإحياء ذكرى المقاومات الشعبية، وربما تكون قد قادت إلى هذه التقديرات.
وقال أستاذ قسم التاريخ في جامعة خميس مليانة، أحمد بن يغرز، لـ"العربي الجديد" إن هناك أكثر من خمسة ملايين ضحية من ضحايا عمليات الإبادة الفرنسية للجزائريين، لافتاً إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان قد أشار عام 2014 إلى واحدة منها.
ولفت بن يغرز إلى أن "أعداد الشهداء خلال الحقبة الاستعمارية (1830-1962) بالتأكيد كبيرة، إذا اعتمدنا حساب كل شهداء المقاومات الشعبية، والإبادة الجماعية والقتل بالإهمال الصحي، وسياسات التجويع.. فضلاً عن شهداء الثورة التحريرية"، مضيفاً أنه "وفي كل الأحوال، لن يقل عن 5 ملايين، وأنت تعلم أن ضبط الأرقام ليس سهلاً في بلد كان تحت السيطرة الكاملة للإدارة الاستعمارية".
ويؤكد المؤرخ محمد الأمين بلغيث، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن هذا الرقم قد يكون أقل بكثير من العدد الحقيقي لمجموع ضحايا الاستعمار، مشيراً إلى أن العدد قد يصل إلى حدود عشرة ملايين شهيد، مقارنة بالفترة الزمنية الطويلة للاستعمار، وبالنظر إلى أن فرنسا نفذت عدداً كبيراً من عمليات الإبادة على مدار 132 عاماً من الاحتلال، وفي بعض العمليات كان عدد الضحايا لا يقل عن 40 ألف شهيد، على غرار مجازر الثامن من مايو/أيار 1945.
وجاء إعلان الرئاسة الجزائرية عن رقم خمسة ملايين و630 ألف شهيد، في سياق الرد الجزائري على التصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس الماضي بشأن الجزائر.
ومازالت تصدر ردود الفعل الغاضبة في الجزائر من هذه التصريحات، إذ وصفت حركة "مجتمع السلم"، أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر، تصريحات ماكرون بـ"العدائية وإهانة للدولة وللشعب الجزائري، وترجمة العقلية الكولونيالية والاستعلائية لفرنسا الرسمية، وخطوة خطيرة واستفزازية تمس بسيادة الدولة الجزائرية".
ودعت الحركة السلطات الجزائرية إلى "اتخاذ الإجراءات الفعلية التي يتطلع إليها الشعب الجزائري للقطع مع العهد الكولونيالي، ومنها إقرار قانون تجريم الاستعمار، وتفعيل قانون تعميم استعمال اللغة العربية، وسن قانون منع استعمال اللغة الفرنسية في الوثائق والخطاب والاجتماعات الرسمية".