قال وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، خلال مؤتمر صحافي أمس الثلاثاء، إنّ العلاقات بين بلاده وإسبانيا "تراوح مكانها"، فيما يؤكد مراقبون أن الجزائر تنتظر نتيجة تشكيل الحكومة الإسبانية لمعرفة الخطوة القادمة حيال هذه الأزمة.
ولا تزال العلاقات السياسية بين إسبانيا والجزائر قيد التجميد، منذ أن استدعت تلك الأخيرة سفيرها في أعقاب إعلان مدريد تغيير موقفها من النزاع في الصحراء، في مارس/آذار من عام 2022، وهو ما اعتبرته الجزائر تنصلاً من مسؤولية تاريخية.
وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن الجزائر تنتظر تطورات تشكيل الحكومة في إسبانيا بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، قبل البدء بإحداث أي تغيير في علاقتها مع مدريد.
وخلال المؤتمر الصحافي ذاته، فسر الوزير الجزائري تجميد العلاقات بين البلدين بما يعتبره "استمراراً في الأسباب نفسها التي أدت إلى تدهور العلاقات سابقاً، والتي لا تزال قائمة"، وهذا قد يشير إلى تمسك الجزائر بموقفها وسلوكها مع مدريد، طالما لم تقم الأخيرة بإحداث تغيرات في موقفها من قضية الصحراء.
ويعتبر المحلل السياسي مراد عناني، أن تصريحات وزير الخارجية تؤكد مسألتين: "الأولى هي أن الجزائر متمسكة بموقفها، وأن أي مراهنة على عامل الوقت ليست مجدية بالنسبة إلى إسبانيا، والثانية أن الجزائر ما زالت قادرة على الاستمرار في حالة القطيعة ما لم تغير مدريد موقفها، خاصة وأن الجزائر وجدت في البرتغال وإيطاليا شريكان أكثر ثقة في الضفة الشمالية للمتوسط، كما أن عدم وجود سفير للجزائر بعد كل هذه المدة في مدريد هو في حد ذاته رسالة سياسية بأن مستوى المصالح الجزائرية مع إسبانيا ضئيل (خارج مسألة الغاز الذي تم تحييده عن الأزمة)، مقابل المصالح الإسبانية التجارية خاصة مع الجزائر".
وتعقدت الأزمة السياسية بين الجزائر وإسبانيا على المستوى السياسي، إذ أثر ذلك على تجميد الاتصالات السياسية ووقف التعاون في مجال محاربة الهجرة وتوقف الجزائر عن استصدار تصاريح قنصلية لترحيل المهاجرين، بالإضافة إلى شغور منصب السفير الذي سحبته الجزائر من مدريد.
على المستوى الاقتصادي، أدت الأزمة إلى عرقلة توريد البضائع والسلع والمنتجات الإسبانية، حيث أعلنت تقارير إسبانية تكبد شركاتها التي كانت تُصدر منتجاتها إلى الجزائر خسائر باهظة، ووفقاً لبيانات حديثة لمعهد التجارة الخارجية الإسبانية، فقد تراجعت مبيعات إسبانيا إلى الجزائر بنحو 93 بالمائة حتى شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كما أن معدل التصدير في الشهر الواحد تراجع من 169 مليون يورو إلى 10.8 ملايين يورو فقط.
ومع دخول الأزمة ما يقارب العام ونصف العام، يشير مراقبون إلى أن الجزائر ترصد الآن تطورات الموقف الإسباني ما بعد الانتخابات النيابية الأخيرة التي فاز فيها الحزب الشعبي، خاصة بعد أن قرر ملك إسبانيا فيليب السادس، الأسبوع الماضي، ترشيح زعيم اليمين ألبيرتو نونييز فاييخو، لرئاسة الحكومة الجديدة، على الرغم من عدم حصوله على الغالبية المطلوبة لتولي المنصب، حيث تعتبر الجزائر أن تنحي بيدرو سانشيز عن رئاسة الحكومة، وتولي فاييخو قد يسمح بفتح صفحة علاقات جديدة بين البلدين، على الرغم من أنه لا ضمان بإمكانية أن يقوم الأخير بمراجعة الموقف الإسباني من قضية الصحراء، خشية توتر العلاقات مع المغرب.
ويؤكد الكاتب والصحافي الإسباني ريكاردو غونزاليس، أنه من المبكر الحديث عن حلّ قريب للأزمة بين الجزائر وإسبانيا، خاصة وأنه ليس من المؤكد تشكيل حكومة من قبل فاييخو، لكونه يواجه بعض المشكلات في تشكيلها، كما أنه ليس من المضمون أن يقرر عودة إسبانيا إلى موقفها السابق من قضية الصحراء في حال قام هو بتشكيل الحكومة.
وأوضح الصحافي الإسباني، في حديثه مع "العربي الجديد"، إنه "من الصحيح أن الجزائر ستعتبر أن تشكيل حكومة جديدة لا يقودها سانشيز هو أمر يساعد أولاً على إعادة فتح باب الاتصال السياسي بين الجزائر وإسبانيا، لكن حتى الآن لسنا متأكدين ما إذا كان زعيم اليمين سيقدم على التراجع عن قرار سانشيز حول الصحراء، لأنه لم يتحدث خلال الحملة الانتخابية عن موقفه بوضوح (...) صحيح أنه انتقد القرار بشدة، كما أنه يتبنى موقفاً يدعو إلى أن تكون إسبانيا في موقف متوازن بين الجزائر والمغرب، لكن من الصعب الحديث الآن عن إمكانية التراجع عن القرار السابق، لأنه سينقل الأزمة من الجزائر إلى المغرب".