الجزائر... الخبز وحده لا يكفي

08 يونيو 2022
أكد الحراك الشعبي أن الخبز وحده لا يكفي (Getty)
+ الخط -

تصحيح السياسات الاقتصادية في الجزائر مهم، وما تقوم به السلطة في هذا السياق يبدو مقنعاً للكثير من المراقبين والأطراف التي تعتبر أن إعادة ترتيب الأولوية الاقتصادية في صدارة الاهتمامات الحكومية مسألة ضرورية وحيوية. 

وربما جاءت التداعيات التي أفرزتها الحرب في أوكرانيا وبوادر أزمة الغذاء في العالم، لتعزز توجّه السلطة في هذا الاتجاه، وتبرز الحاجة إلى خوض معركة الاكتفاء الذاتي.

أهل الاختصاص في السياسات الاقتصادية هم أكثر إدراكاً لما إذا كانت هذه الخيارات التصحيحية تتم بالطريقة السليمة، والمنهجية اللازمة، وبالأدوات التي تتماشى مع تطور علم الاقتصاد والمعرفة. 

لكن هناك زوايا أخرى تبدو مهمة أيضاً في هذا السياق، مرتبطة به أشد الارتباط، ومن دونها ستكون هذه السياسات التصحيحية من وجهة نظر السلطة، معرضة لأن تنحرف كما انحرفت سياسات مماثلة تبناها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في بداية حكمه قبل أكثر من 20 عاماً، كبرنامج "دعم النمو" و"الإنعاش الاقتصادي".

وذلك سيعيد إنتاج السياقات نفسها التي وفّرت ظروف تعشيش الفساد ونهب المال العام ونشوء كارتيلات مالية في الجزائر. ما لم تترافق سياسات التصحيح الاقتصادي مع مراجعة سياسية لخريطة الطريق التي تتبنّاها السلطة في الوقت الحالي، فإن الخيارات السياسية والاقتصادية معرّضة للأوبئة نفسها التي حاقت بسابقاتها. 

ويجب أن يتضمن ذلك تحرير المبادرة السياسية، وتمكين المؤسسات الديمقراطية من لعب دورها التمثيلي والرقابي، حتى لا يبقى البرلمان على صورته السابقة كغرفة لتسجيل قوانين تعدها الحكومة، وتحقيق الاستقلالية الناجزة للعدالة، ورفع الضغوط المسلّطة على وسائل الإعلام، والحد من الإكراهات القائمة على الحريات، وتحرير المجتمع المدني من الأدوار الدعائية، وإعادة الاعتبار للروح النقدية المسؤولة وتعديل دور الجامعة، وتفكيك الارتباط القائم بين الريع السلطوي والبيروقراطية المتكلسة.

الجزائريون خبروا "دولة الإنجاز" التي تقدّم البنى التحتية والمشاريع النوعية كمنجز مؤطر، (مترو الأنفاق والطريق السيار ومليون شقة وغيرها). لكن في النهاية تلك المنجزات كانت تخفي وراءها غابة من الفساد الهائل تكشّفت بعد حين. 

واكتشف الجزائريون أن تلك المشاريع الحيوية كان يمكن إنجازها بأقل كلفة وأفضل معايير وبتدبير أكثر نجاعة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية لو توفرت عوامل الشفافية والمؤسسات الديمقراطية التي تمارس دورها الرقابي، والقضاء المستقل الذي يحاسب من دون اعتبار للولاءات السياسية، والإعلام الحر الذي يكشف الحقائق ولا يغطي.

المتغيّرات الإقليمية الحساسة لم تعد تسمح مطلقاً بتكرار الأخطاء السابقة، لأنها ستصيب البلد في مقتل إذا حدثت مستقبلاً.

وما يضمن عدم تكرار هذه الأخطاء الفادحة سياسياً والمكلفة اقتصادياً والمرهقة اجتماعياً للجزائر، هو توفير الضمانات الأساسية للعملية السياسية، بتخلي السلطة عن منطق "وحدي أضيء على البلاد"، والاقتناع بأن الحزب النقدي المعارض الحامل لمشروع مغاير هو شريك في الوطن وضرورة من ضرورات التدافع السياسي المشروع، والبرلمان القوي والقضاء المستقل هو ضمانة أساسية لنجاح أي إصلاح سياسي واقتصادي جدي وجاد، والصحافة الحرة والنقابة الفاعلة والمنظمة الناقدة هي بالأساس حماية للبلاد وللمال العام. 

الحراك الشعبي قدّم جملة من هذه التطلعات في تعبيراته السياسية، وأكد أن "الخبز وحده لا يكفي"، وأنه من حق الجزائريين الحصول على خبز كريم وديمقراطية ناجزة. الصلاة التي لا تنهى عن الفحشاء ليست بصلاة، والديمقراطية التي لا تحمي من الفساد هي ديمقراطية فاسدة.

المساهمون