الجزائر... إما الفساد وإما الدولة

الجزائر... إما الفساد وإما الدولة

05 يناير 2022
طالب الجزائريون باستئصال الفساد (آلان بيتون/Getty)
+ الخط -

قبل أيام فقط، خرج المبلّغ عن الفساد نور الدين تونسي من السجن. دفع الرجل بعضاً من عمره في السجن نتيجة تبليغه عن الفساد في ميناء وهران غربي الجزائر.

وبينما كان يفترض أن يُكرم الرجل لشجاعته وتتوفر له الحماية القانونية، وجد نفسه بين قضبان الزنزانة.
لم يكن نور الدين ضحية لشجاعته، ولكنه كان ضحية لدولة الفساد التي شيّدت قلاعها، وللقضاء الظالم، والإعلام المتواطئ في غالبيته.

تُستذكر قصة الرجل في خضمّ الإعلان عن استحداث مزيد من هيئات مكافحة الفساد في الجزائر، مع أن وجود الكثير منها لم يمنع طوفان فساد في العهد السابق، ولم يحُل دون أن يتحوّل الفساد إلى فساد مهيكل، استخدمته السلطة نفسها لتسيير البلد، عبر تعويم الجميع في الإناء على طريقة "كلنا لصوص".

مكافحة الفساد تتطلب تفكيك النسق المؤسسي للفساد، وذلك لن يتم بمزيد من النصوص والهيئات فحسب، بل بتحرير سلطات أخرى تمثل دعامات لتركيز النزاهة والشفافية في إدارة الشأن والمال العام.

لا يمكن مكافحة الفساد، من دون حق المواطن في النفاذ إلى المعلومة، وإعلام مستقل يملك حريته المسؤولة في الكشف عن قضايا الفساد، والقدرة على القيام بالاستقصاء، والجرأة على مواجهة المسؤولين المتورطين والمتواطئين مع الفساد، مهما كانت مستوياتهم ومناصبهم، ومن دون أن تخشى الصحافة الضغوط وتجفيف الإشهار، ومن دون توجيه واستخدام السلطة للإعلام في معارك تبييض لوحات أو تسويد صحائف.

للأسف، الإعلام الجزائري بواقعه الحالي البائس والمستسلم كلياً للرؤية والرواية الرسمية، مؤهل للمشاركة في التغطية على الفساد وليس محاربته.

لا يمكن مكافحة الفساد من دون قضاء وقاضٍ مستقل، لأن ما حدث في الثاني من يناير/كانون الثاني يعيد طرح سؤال عن استقلالية العدالة بحدة.

كل الشخصيات العسكرية والسياسية المتهمة في قضية "اجتماع التآمر" الشهير في مارس/آذار 2019، حصلت على أحكام بالبراءة بعد أحكام بالسجن لمدة 15 عاماً.

مثل هذا القضاء الذي يُصدر حكمين بالغين في التناقض استناداً إلى نفس الوقائع والوثائق والمستندات، ويُخضع أحكامه للظروف السياسية، سواء عند الإدانة أو عند التبرئة، هل يمكن أن يحارب الفساد في مستوياته جميعاً؟

لا يمكن محاربة الفساد من دون استقلالية نافذة للمؤسسات الرقابية كالبرلمان. بعض الوقائع في البرلمان الجديد وسلوك الكتل النيابية الموالية للسلطة واستعدادها الذي عبّرت عنه للتغطية على العجز الحكومي وإخفاقات الوزراء، لا يعطي مؤشراً أن المؤسسة النيابية قادرة على إحداث فارق رقابي.

ثم إن محاربة الفساد في الجزائر تطرح مشكلة أخرى، لكون السلطة ما زالت تحصر الفساد في أشكاله التقليدية المرتبطة بنهب المال العام أو المعاملات غير القانونية، بينما مفهومه تطور كثيرا واتسع أكثر.

تضييع وقت المواطنين في الزحام والطوابير هو فساد أيضاً، وتعيين مسؤولين غير أكفاء هو أيضاً فساد، والتمسك بهم تواطؤ.

مكافحة الفساد ليست شعاراً، ولكنها مسار يتطلب استحقاقات ضرورية لا يمكن أن ينجح من دونها.

وإذا سئل الجزائريون عن اختياراتهم بين الفساد والدولة، سيختارون الدولة بالتأكيد، لكن إذا طرح السؤال على السلطة، فالإجابة ليست مضمونة بالضرورة.