الجزائر... إعدام سياسي

14 ديسمبر 2022
رئيس الكتلة النيابية لحركة مجتمع السلم أحمد صادوق خلال "اليوم البرلماني" (العربي الجديد)
+ الخط -

ما حدث أن الكتلة البرلمانية الوحيدة التي تمثّل طيف المعارضة في البرلمان الجزائري، حركة مجتمع السلم، نظّمت يوماً برلمانياً حول "دور المعارضة في الساحة السياسية". لكن الصحافة الرسمية وغير الرسمية، وكالة الأنباء الجزائرية خصوصاً، نشرت برقية، وصورة مختصرة عن الحدث، تضمّنت حصراً كلمة رئيس البرلمان الذي يعدد فيها إنجازات الرئيس. ولم يتضمن ذلك ذكر حتى اسم الجهة المنظمة، كونها حزباً معارضاً، ولا حتى كلمة واحدة عن القضية الرئيسية التي تمت مناقشتها، ولا ربع تصريح لمسؤول من الكتلة المبادرة بهذا النشاط.

تختصر هذه الصورة على سبيل المثال، والمضمون الإعلامي العادِم في المجمل لأنشطة المعارضة، بما فيها تلك التي تعمل من داخل المؤسسات التمثيلية، النظرة السلطوية في الجزائر إلى المعارضة، لا كخصم سياسي، تنظم القوانين وقواعد اللعبة الديمقراطية (نظرياً) حدود العلاقة والتعاطي معه، بل كطرف عدو يستحق إعدام كل المساحات التي يتحرك فيها، وإغلاق كل الهوامش لحرمانه ما أمكن من الأدوات المشروعة. يوضح ذلك أن السلطة ما زالت تنظر إلى المعارضة برمتها، وبكل أطيافها وتوجهاتها، بكثير من الريبة والشك، وببالغ القلق والتوجس، بحيث لم تعد لها القابلية مطلقاً لسماع صوت نقدي، سواء كان في صوره المنتظمة والمؤطرة سياسياً، أو في صوره التعبيرية الأخرى.

أكثر من ذلك، تُظهر مواقف عديدة في السياق، أن السلطة لم تعد تفرّق بين المعارضة الملتزمة والتي قبلت العمل من داخل مؤسسات الدولة، أو تلك التي تمسكت بالخيارات الرافضة للمشاركة في المسار الانتخابي. ففي الوقت الذي تعرّض فيه النشاط الذي نظمته كتلة المعارضة داخل المؤسسة البرلمانية للإعدام الإعلامي، كانت السلطات تصر على حل جمعية مدنية (تجمّع عمل شبيبة)، وترفض منح ترخيص لحزب سياسي معتمد (التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية) لعقد مجلسه الوطني الدوري في قاعة عمومية. كما تم رفض السماح للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان بعقد يوم دراسي بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان.

صحيح أن الدستور الجزائري تقدمي من حيث النص، بحيث دَوَّن حقوقاً كاملة تتيح ممارسة الحق في المعارضة، في السياسة والإعلام، وفي البرلمان كأقلية، لكنه تنصيص يشبه إلى حد بعيد الكثير من المضامين الدستورية الأخرى التي لا تجد لها أثراً في الواقع الجزائري (على الأقل في الظرف الحالي)، وبالصورة المطلوبة والمتوافقة مع تطلعات جامحة للجزائريين، وتعترضها إشكالات ومشكلات كثيرة والتفافات على القانون أو بغيره، كحق التنظم وحق التظاهر والحق في التعبير.

ثمة تفسير لهذا السلوك الحاد للسلطة إزاء كل المعارضات الموجودة في الساحة، أحزاباً أو تنظيمات، نخباً ومدونين. يقول التفسير إن الحراك الشعبي ما زال قائماً في ذهن السلطة، لذلك فهي تعتبر أن كل كلمة ناقدة ومعترضة على سياسات هي وقفة، وكل فقرة تتضمن مطالبة بالتغيير السياسي تظاهرة، وكل منشور أو خطاب سياسي معارض، مسيرة بحد ذاته.

المساهمون