حثت بعض الخطابات السياسية في الجزائر مجدداً على عدم زجّ الجيش الجزائري والمؤسسة الأمنية في أي سجالات سياسية مثيرة للجدل، في خضم بداية النقاش حول الانتخابات الرئاسية المقبلة، إذ غالباً ما يكون الحديث في مثل هذه الاستحقاقات عن دور الجيش وموقفه.
وفي آخر بيان له، أكد حزب التحالف الجمهوري (تقدمي أسّسه رئيس الحكومة السابق رضا مالك)، أن التحديات الأمنية التي تواجهها البلاد "تستوجب النأي بالمؤسسات الجمهورية الهامّة (الجيش والأمن) عن التجاذبات السياسية، وتجنيبها الاضطرار إلى الاضطلاع بأدوار سياسية قد تتنافى مع مهامها الدستورية"، مشدداً على ضرورة السماح لهذه المؤسسات بالتركيز على "التحدّيات الأمنية التي تستوجب تحقيق التفاف أقوى للجزائريين والجزائريات حول مؤسّساتهم الأمنية، بغية تمكينها من التزام دورها الدستوري الذي تقوم به على أكمل وجه، في مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة، والحفاظ على الوحدة والسيادة الوطنيتين، وكذلك تعزيز النجاحات المتتالية التي تحققها القوى الأمنية في مجال مكافحة الإرهاب، والجريمة المنظّمة، والهجرة غير الشرعية".
وقبل ذلك، كان رئيس حركة البناء الوطني، عبد القادر بن قرينة، قد شدد في مؤتمر لقاء الهياكل وإطارات الحزب، على أن تأمين المواقف السيادية للجزائر يستدعي إبعاد الجيش الجزائري ومختلف أسلاك الأمن "عن أي مساجلات حزبية أو سياسية، حمايةً للوطن، ودفاعاً عن السيادة، وتشجيعاً لباقي مؤسسات الجمهورية، حتى تستمر في أداء أدوارها بانسجام، وفي إطار الدستور وقوانين الجمهورية، خدمة لصالح الوطن ومصلحة المواطن".
وشدد بيان أصدرته الحركة اليوم الأربعاء، على ضرورة "التحلي بثقافة الدولة، وتعزيز مؤسساتها التي لا يمكنها أن تكون محل طعن في أدوارها المنوطة بها أو تشكيك في نزاهة منتسبيها الذين يظلون مستأمنين على رسالة هذه المؤسسات ومهامها الدستورية".
ويفسر رئيس التحالف الجمهوري (التيار الديمقراطي)، بلقاسم ساحلي في تصريح لـ"العربي الجديد"، دعوته إلى تحييد المؤسسات الأمنية عن التجاذبات السياسية، بأنها "رسالة يراد توجيهها إلى أصحاب القرار، حول ضرورة الانتباه إلى كون الانغلاق السياسي والإعلامي، سوف يؤدي إلى إفراغ مؤسسات الدولة من كوادرها المؤهلة لتسيير الشأن العام، وبالتالي يضع المؤسسات الأمنية في واجهة المشهد السياسي عن قصد أو عن غير قصد، برغبة منها أو دون ذلك، وهو الأمر الذي سيثقل كاهلها ويعرّضها للخطر، سواء كان هذا الخطر انتقاداً داخلياً، أو تشويهاً وابتزازاً خارجياً".
وتابع: "لهذا دعونا إلى عقد جديد بين الأمة وجيشها، لتُعاد فيه صياغة هذه العلاقة الجدلية بين السياسي والعسكري".
ويستخدم أغلب قادة الأحزاب والنشطاء السياسيين تعبيرات سياسية أخرى، عن المطلب نفسه، إذ كان الأمين العام لجبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش، قد حذّر من مخاطر إلقاء كامل العبء على المؤسسة الأمنية، وإقحامها في تنفيذ مقاربات غير سديدة لتسيير المشهد السياسي.
وقال في خطاب سابق إن "المقاربة الأمنية لتسيير الشأن العام ومنع أي انفتاح داخل وتجاه المجتمع، هو مسار ليس من شأنه سوى تفويت الاستفادة من وسائل التجنيد والتعبئة الحقيقية للشعب الجزائري، ويكرس الخناق المفروض على المجالات السياسية، والنقابية، والجمعوية، والتراجع الرهيب عن المكتسبات التعددية، بالإضافة إلى تقييد النقاش العام وتوجيه مخيف للمشهد الإعلامي".
وتنطوي الرسائل السياسية المرتبطة بالحديث عن تحييد المؤسسة الأمنية والعسكرية عن أية تجاذبات ممكنة، ورفض شغلها عن مهامها الحيوية بقضايا أخرى ذات طبيعة سياسية، على حرص واضح لدى الطبقة السياسية في الجزائر حول ضرورة وضع المؤسسة العسكرية والأمنية خارج النقاشات التي قد تحدث تزامناً مع الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في غضون الأشهر التسعة المقبلة، وتجنب العودة إلى ظروف صاخبة صاحبت الحراك الشعبي عام 2019.