الجبهة الشمالية عامل رئيسي بحسابات صفقة وقف النار إسرائيلياً

14 يونيو 2024
جندي إسرائيلي في كريات شمونة، 4 يونيو 2024 (عمّار عوض/رويترز)
+ الخط -
اظهر الملخص
- قرار مجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار في غزة يعتمد على اقتراحات بايدن، مع تأكيد إسرائيل على استمرار العمليات لتحقيق أهدافها بما في ذلك القضاء على قدرة حماس العسكرية وإعادة الأسرى.
- تصاعد الهجمات من حزب الله يزيد التعقيد في الجبهة الشمالية، مع تحذيرات إسرائيلية من عدم الاستعداد لحرب واسعة النطاق، مما يعكس التحديات الأمنية والعسكرية الكبيرة.
- الديناميكيات السياسية والعسكرية داخل إسرائيل، بما في ذلك الضغوط السياسية الداخلية وتأثير الأحزاب والمؤسسة العسكرية، تؤثر بشكل كبير على مسار الحرب والمفاوضات، مع تحديات في تحقيق الأهداف الأمنية والحفاظ على استقرار المنطقة.

اعتمد قرار مجلس الأمن حول وقف إطلاق النار في غزة، الذي أقر الاثنين الماضي، بشكل كبير على بنود خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن قبل نحو أسبوعين، الذي أعلن فيه عن اقتراح مجلس الحرب الإسرائيلي الذي قُدم للإدارة الأميركية. وفي رد غير رسمي أولي على القرار، صرح "مصدر سياسي" إسرائيلي، الثلاثاء الماضي، بأن إسرائيل لن تنهي الحرب قبل تحقيق كل أهدافها، ومنها القضاء على القدرة العسكرية لحركة حماس وسلطتها، وإعادة كل الأسرى والمخطوفين، والتأكد من أن لا تكون غزة مصدر تهديد لإسرائيل. وأضاف المصدر السياسي أن المقترح الأميركي يُتيح لإسرائيل تحقيق أهدافها، وهذا ما ستفعله فعلاً. بمعنى آخر، لا ترفض إسرائيل القرار، لكنها لن تلتزم به وستستمر في العمل لتحقيق أهداف الحرب ولو بأدوات مختلفة، خصوصاً أن القرار الذي وضع تصوراً لمسار وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمخطوفين لا يشمل بنداً أو نصاً واضحاً وقاطعاً لإنهاء الحرب على غزة.

إسرائيل، كما تعاملت مع خطاب بايدن، ستستمر في اتخاذ موقف ضبابي من دون أن تعلن موقفاً علنياً وواضحاً تجاه قرار مجلس الأمن، خصوصاً أن مصير الحكومة الإسرائيلية، بعد انسحاب حزب "المعسكر الرسمي" بقيادة بني غانتس من الحكومة، بات متعلقاً تماماً برضا بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير. قبول القرار رسمياً يعني تفكك التحالف الحكومي، ورفض القرار يعني تعميق الأزمة مع الإدارة الأميركية وزيادة الضغوط على إسرائيل في الساحة الدولية، وربما توسيع الاحتجاج داخل إسرائيل، المُطالب بالتوصل إلى صفقة تبادل أسرى ووقف إطلاق النار. ناهيك عن أن رفضاً إسرائيلياً علنياً لقرار مجلس الأمن واستمرارها في الحرب على غزة يمكن أن يؤدي إلى توسع الجبهة الشمالية في محاولة من حزب الله للضغط العسكري على إسرائيل لدفعها إلى قبول وقف إطلاق النار في غزة.


وفق التقييمات الإسرائيلية الجيش الإسرائيلي غير مستعد لحرب واسعة مع حزب الله

الجبهة الشمالية وحسابات الصفقة إسرائيلياً

بات من الواضح ترابط الجبهة الشمالية مع تطورات الحرب على غزة. فمنذ أن بدأت إسرائيل الاجتياح البري لرفح، في 6 مايو/ أيار الماضي، تزايدت هجمات حزب الله، كماً ونوعاً ومدى، من دون أن تؤدي لغاية الآن إلى حرب واسعة. ونشر مركز أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، في 21 مايو الماضي، ملخصاً لتطور الجبهة الشمالية أشار فيه إلى تصعيد واضح وجدي في شهر مايو، تميز بارتفاع عدد الهجمات وحجم نجاحات حزب الله، مع زيادة في نوعية الهجمات. في المقابل، لم يحصل أي تقدم نحو تسوية دبلوماسية، بسبب إصرار حزب الله على مواصلة القتال ما دامت الحرب في غزة مستمرة، وفقاً للتقرير. وبلغ عدد هجمات حزب الله في شهر مايو 325 هجوماً في مقابل 228 في شهر إبريل/ نيسان الماضي، وبرز استخدام الصواريخ الثقيلة من نوع "بركان" من أجل زيادة الضرر في المواقع المستهدفة، وزادت محاولات حزب الله إسقاط الطائرات الإسرائيلية، وتوسع مدى إطلاق النار، وزاد استخدام الطائرات من دون طيار الهجومية.

لغاية الآن لم تردع إسرائيل حزب الله، رغم الخسائر الكبيرة في الأرواح، وهو مستمر بخطوات وعمليات أدت مثيلاتها في السابق إلى حرب مع إسرائيل بشكل فوري. الحكومة الإسرائيلية والقيادات العسكرية كررت مراراً في الأيام والأسابيع الأخيرة تهديداتها لحزب الله ولبنان، ورددت أن صبرها بدأ بالنفاد وأن بمقدورها نقل حالة غزة إلى لبنان. وجاءت أبرز التهديدات من رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي في زيارة له إلى الجبهة الشمالية الأسبوع الماضي، حيث قال: "نحن نقترب من النقطة التي يجب اتخاذ القرار فيها، والجيش الإسرائيلي مستعد للغاية لهذا القرار". وبعدها طلب الوزير في مجلس الحرب بني غانتس (قبل استقالته) عقد اجتماع خاص لمجلس الحرب لمناقشة تطورات جبهة الشمال، وصدرت تصريحات تصعيدية من غانتس بعدما كان معارضاً في السابق لفتح جبهة الشمال بالتوازي مع الحرب في غزة.

مع ذلك، أوضحت المؤسسة العسكرية ووزراء في الحكومة، من ضمنهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بنفسه، أنه لن يكون هناك تصعيد في الجبهة الشمالية قبل الانتهاء من العمليات العسكرية في غزة، لأنه ليس بوسع الجيش توسيع جبهة لبنان والإقدام على توغل بري في جنوب لبنان من دون الانتهاء من العمليات العسكرية في غزة. وأظهرت إسرائيل إشارات متخبطة بشأن بدء حرب واسعة ضد حزب الله، مفادها أن أي حرب واسعة ستؤدي إلى خسائر كبيرة لم تشهدها إسرائيل سابقاً، ومنها تدمير بلدات على الحدود الشمالية وفي العمق الإسرائيلي، مع حصول دمار للبنى التحتية وللاقتصاد، وخسائر بشرية كبيرة، واحتمال تعطيل مرافق استراتيجية مثل منشآت إنتاج الكهرباء والماء، وشبكات الاتصال. الحرائق الكبيرة التي اندلعت في الجولان والشمال بسبب قصف حزب الله الأسبوع الماضي، أعطت لمحة مصغرة عما يمكن أن يحدث في حال توسع الجبهة إلى حرب واسعة.

صحيفة "كلكاليست" كانت قد نشرت في الثامن من فبراير/ شباط الماضي تقريراً خاصاً أعده "معهد سياسات مكافحة الإرهاب في جامعة رايخمان"، بوشر العمل عليه قبل ثلاث سنوات وشارك في إعداده حوالي مائة من الخبراء ومسؤولين أمنيين سابقين وأكاديميين ومسؤولين حكوميين، تناول الجوانب المتعلقة بإعداد الجيش الإسرائيلي والجبهة الداخلية لحرب متعددة الأطراف. ووفقاً للتقرير، "ستكون الحرب مع حزب الله أكثر تدميراً ودموية مما نتصور. وسيقوم حزب الله بإطلاق آلاف الصواريخ يومياً على الجبهة الداخلية في إسرائيل، ومنها صواريخ دقيقة، وسيحاول التشويش على عمل سلاح الجو بواسطة استهداف متواصل للمطارات العسكرية، وأيضاً استعمال مُرَكّز للصواريخ ضد المدرعات، وصواريخ بحرية، وسيطاول القصف كافة البلدات الإسرائيلية". وفقاً للتصور الوارد في التقرير، "سيحاول حزب الله، بواسطة استعمال الأسلحة الدقيقة، إلحاق الضرر ببطاريات القبة الحديدية وتدميرها.

كما سيعرّض حجم الصواريخ الكبير التكنولوجيا الإسرائيلية لتحديات لم تواجهها بعد. ومخزون صواريخ القبة الحديدية ومقلاع داود الاعتراضية سينفد خلال أيام قليلة على الأكثر بعد بدء القتال، وستكون إسرائيل معرضة لآلاف الصواريخ والقذائف طوال ساعات اليوم من دون دفاع فعال، وبالتأكيد ليس محكماً". التحذير من مخاطر الجبهة الشمالية وضرورة تفادي توسيع الحرب جاء أيضاً على لسان حاييم تومير، الرئيس السابق لقسم "تيفيل" في جهاز الاستخبارات الخارجية "الموساد" (القسم المسؤول عن التعاون مع أجهزة مخابرات أجنبية)، في مقابلة مع صحيفة "يسرائيل هيوم" في الثامن من يونيو الحالي، أوضح فيها أن الوقت غير مناسب حالياً لفتح جبهة في الشمال، وأن حزب الله صنع تهديداً لم نتخيله، وأن الجيش الإسرائيلي ليست لديه إجابة على ذلك. وحول السيناريو الأسوأ الذي قد تصله إسرائيل، قال تومير "إن الدخول في حملة واسعة النطاق في لبنان بعد ثمانية أشهر من القتال في غزة، سيزيد بشكل كبير من الخطر على قدرة إسرائيل مواصلة عملها كدولة، ومواصلة الدورة الاقتصادية، واستمرار تصرفنا كمجتمع، وكلاعب دولي". وأضاف "على الجمهور أن يفهم أن الحرب الشاملة مع حزب الله تشكل تهديداً للرؤية الصهيونية لإسرائيل".


تقرير إسرائيلي: أي حرب مع حزب الله ستكون أكثر تدميراً ودموية مما نتصور

في انتظار الجبهة الشمالية

ليست حاجة نتنياهو السياسية لإطالة أمد الحرب هي العائق الوحيد أمام التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار وتبادل أسرى ومخطوفين مع حركة حماس، ولو كانت عاملاً هاماً، فضغوطات وتهديدات بن غفير وسموتريتش تمثل عائقاً آخر، كما أن للجيش الإسرائيلي رأياً في وقف الحرب. المؤسسة العسكرية في إسرائيل ولاعتبارات عسكرية استراتيجية، هي لاعب دائم ومركزي في اتخاذ القرارات الأمنية والعسكرية. صحيح أن المؤسسة العسكرية لم تعارض مبدأ وقف إطلاق النار في غزة، بل تحدثت عن أن إطلاق سراح الأسرى والمخطوفين يمكن أن يكون فقط نتيجة اتفاق، إلا أنها رددت مراراً أن في وسعها العودة متى شاءت لاستمرار الحرب مع حركة حماس وإكمال المهام. المؤسسة العسكرية ووزراء في الحكومة وعلى رأسهم رئيس الوزراء، ربطوا إمكانية توسع الحرب مع حزب الله بانتهاء الحرب في غزة، أو على الأقل بتراجع حدة المجهود الحربي في غزة. ووفقاً لما أعلنته القيادات الإسرائيلية، فإن وقف إطلاق النار في غزة قد يكون بداية مواجهة واسعة مع حزب الله، بينما اعتبر الحزب أن انتهاء الحرب على غزة يؤدي بشكل فوري وتلقائي إلى انتهاء العمليات العسكرية تجاه إسرائيل. فهل ستقبل إسرائيل بأن يقوم حزب الله بفرض توقيت بداية العمليات العسكرية تجاهها ومستواها، وأيضاً فرض توقيت وشروط نهايتها من طرف واحد؟

إسرائيل تتخبط، فالتراجع عن موقف المؤسسة العسكرية والقيادات السياسية بضرورة إبعاد قوات حزب الله عن الحدود، وعودة سكان الشمال إلى بلداتهم وضمان امنهم، وفقاً للمفاهيم والذهنية الإسرائيلية، يمكن أن يشكل ضربة إضافية لمكانة إسرائيل الاستراتيجية، ولقدرة الردع، ولمبدأ الحسم ونقل الحرب إلى أرض "العدو"، ولقدرتها على منع تعرض الجبهة الداخلية في إسرائيل إلى ضربات مستقبلية من قبل حزب الله. في المقابل، تُظهر كافة التقييمات الإسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي غير مستعد لحرب واسعة مع حزب الله، وأن ثمن الحرب سيكون فوق ما يمكن أن تتحمّله إسرائيل. بذلك يمكن الادعاء بأن إسرائيل تربط ضمنياً، من دون الإعلان عن ذلك، التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة باكتمال تصور إسرائيل وحسمها لكيفية تعاملها مع حزب الله في اليوم التالي للحرب على غزة: إما توسيع الجبهة الشمالية بعد وقف إطلاق النار في غزة، وإما البحث عن مخرج أو سلم لنزول القيادات الإسرائيلية والمؤسسة العسكرية عن شجرة التهديدات التي وجهوها لحزب الله منذ بداية الحرب على غزة.

المساهمون