الجامعات الأميركية تستحدث "مدونات سلوك" لقمع التظاهرات المؤيدة لغزة

30 اغسطس 2024
من مخيم جامعة جورج واشنطن، مايو 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تظاهرات طلابية واسعة دعماً لغزة:** شهدت أكثر من 100 جامعة أميركية تظاهرات طلابية دعماً لغزة، مما أدى إلى اعتقال أكثر من 3 آلاف طالب وفصل عدد منهم، وتعرضوا لانتقادات شديدة من السياسيين ووسائل الإعلام.

- **إجراءات صارمة من الجامعات:** استجابت بعض الجامعات لمطالب الطلاب بوقف الاستثمار في شركات تدعم الاحتلال الإسرائيلي، بينما رفضت معظم الجامعات الاستجابة وفرضت عقوبات جديدة على الطلاب.

- **انتقادات من الأساتذة والطلاب:** اعتبرت الجمعية الأميركية لأساتذة الجامعات أن السياسات الجديدة تنتقص من حرية الرأي والتعبير، ودعت إلى تشجيع الحوار المفتوح، مشيرة إلى استهداف واضح للطلاب المناصرين للقضية الفلسطينية.

مع بدء عودة موسم الدراسة، اتخذت الجامعات الأميركية قرارات جديدة في محاولة لاحتواء التظاهرات الطلابية من أجل غزة والسيطرة عليها، ومنع وجود مخيمات طلابية مثل تلك التي شهدها العام الدراسي الماضي، والتي شهدت أيضاً عمليات اعتقال وصفها أكاديميون وباحثون بأنها تعارض الحق في حرية الرأي والتعبير والتعديل الأول للدستور الأميركي.
وخرج طلّاب في أكثر من 100 جامعة بمختلف أنحاء الولايات المتحدة، في تظاهرات دعماً لغزة، وأقيمت مخيمات احتجاجية في حرمها، في تحركات كانت في أغلب حالاتها سلمية، فيما تم اقتحام الحرم الجامعي لأكثر من جامعة من قبل الشرطة واعتقال أكثر من 3 آلاف طالب في مختلف أنحاء البلاد، وفصل عدد من الطلاب، وشيطن سياسيون ووسائل إعلام أميركية الطلاب المطالبين بوقف الإبادة الجماعية في غزة، وتم وصفهم في جلسات بمجلس النواب بالكونغرس الأميركي بأنهم "إرهابيون"، و"تابعون لحماس".

ودعا طلاب الجامعات الأميركية خلال تظاهرات العام الدراسي الماضي، إلى وقف الاستثمار في شركات تدعم الاحتلال الإسرائيلي وتدعم الإبادة الجماعية في غزة، ووقف البرامج الأكاديمية التي تتعاون وتتشارك مع جامعات إسرائيلية، والإعلان عن وقف الاستثمارات في شركات توفر تمويلاً مالياً وعسكرياً لإسرائيل. واستجاب عدد من الجامعات الأميركية لهذه المطالب أو لبعضها، غير أن معظم الجامعات رفضت الاستجابة لمطالب الطلاب المحتجين، وقامت بإبلاغ الشرطة لفضّ المخيمات السلمية التي تم تنظيمها.

فرضت جامعة جورج واشنطن قانوناً جديداً يطبّق قواعد سلوك الطلاب خارج الحرم الجامعي أيضاً

تظاهرات الجامعات الأميركية تتحدى القمع

ووصفت تظاهرات العام الماضي في الجامعات الأميركية دعماً لغزة، بأنها الأكبر في القرن الحادي والعشرين، وشارك فيها طلاب من مختلف التيارات، كما اختلفت عن التظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية خلال الأحداث الكبرى التي كانت تحدث خارج الحرم الجامعي، مثل التظاهرات الاحتجاجية بعد مقتل المواطن من أصول أفريقية جورج فلويد على يد الشرطة في عام 2020، والتظاهرات ضد حرب العراق. بينما تختلف عن تظاهرات الجامعات في القرن الماضي (حرب فيتنام والفصل العنصري بجنوب أفريقيا)، بأنها كانت أكثر سلمية، مقارنة باقتحام مبان واعتداءات على الشرطة وإحراق عدد من المباني في جامعات مختلفة ومقتل أعضاء في جامعة، وإطلاق الحرس الوطني النار على عدد الطلاب.

وقررت بعض كبرى الجامعات الأميركية وضع قواعد جديدة لهذه الاحتجاجات، من بينها حظر المخيمات، وتحديد مدة التظاهر، والسماح بالاحتجاجات في أماكن مخصصة فقط. وعدلت جامعة جورج واشنطن، مدوّنة سلوكها، واعتبرت أن السلوك غير المنضبط يشمل رفع الصوت أو الإساءة اللفظية لمسؤول جامعي، والتهديد والمضايقة في الهتافات واستخدام مكبّرات الصوت، وإحداث ضوضاء والهتاف بما يكفي لتعطيل الفعاليات، والتدخل في الفعاليات، وعدم الامتثال لتوجيهات مسؤولي الجامعة وعدم إخلاء الأماكن أو تقديم بطاقة الهوية عند الطلب، والدخول أو البقاء في أي جزء من أي مبنى جامعي من دون إذن.

وحذرت الجامعة ومقرها واشنطن، من أن القانون يفرض تطبيق قواعد سلوك الطلاب خارج الحرم الجامعي أيضاً، وبالتالي قد يُحاسب الطلاب على انتهاكات السياسات التي تحدث بعيداً عن جامعة جورج واشنطن. وأوضحت أنه قد يفقد الطلاب امتيازات مثل السكن في الحرم الجامعي والمشاركة في المنظمات الطلابية، والدراسة في الخارج، وتمتد العقوبات إلى الإيقاف والطرد ووقف المساعدات المالية. وشهدت جامعة جورج واشنطن تظاهرات طلابية معظم العام الدراسي الماضي، وأقام الطلاب الداعمون لغزة مخيماً سلمياً في حرم الجامعة استمر لمدة أسبوعين قبل أن تتدخّل الشرطة بناء على طلب الجامعة وبعد ضغوط من الكونغرس الأميركي، وتلقي القبض على 34 طالبا، وتتخذ قرارات بفصل عدد من الطلاب.

جامعة كولومبيا التي شهدت منذ أسابيع استقالة رئيستها نعمت شفيق رغم أنها استعانت بالشرطة لفضّ التظاهرات، ووصف سلوكها من قبل كثيرين بأنه منافٍ للحريات الأكاديمية وحرية الرأي والتعبير، كانت قبل أيام قليلة تشهد تعديل قواعد سلوك الجامعة الخاصة بحرية التظاهر والاعتصام، أيضاً، بزعم "إرشادات جديدة لتعزيز الفهم المشترك للقواعد لمجتمع كولومبيا بأكمله". وتضمّنت القواعد الجديدة، التي حرصت الجامعة على أن تكون سارية قبل بدء العام الدراسي، عدم استخدام مكبرات الصوت بشكل يعيق الحياة الأكاديمية، وضرورة تقديم إشعار قبل تنظيم التظاهرات والاحتجاجات، وفرضت عقوبات على الطلاب حال عدم الالتزام بمدونة السلوك الجديدة.

وشهدت جامعة كولومبيا في العام الدراسي الماضي الاعتداء على طلاب متظاهرين سلميين من أجل غزة بمواد كيميائية، ولم تظهر نتائج التحقيقات حتى اليوم، كما استدعت الجامعة الشرطة للقبض على الطلاب وذلك بعد استجواب رئيسة الجامعة نعمت شفيق في مجلس النواب، والتي سألها أحد أعضائه: "هل تريدين أن يلعن الله جامعة كولومبيا؟"، فردت "طبعاً لا"، فاستطرد شارحاً: "إن العقد الذي قطعه الله مع إبراهيم كان واضحا جداً: إذا باركت إسرائيل أباركك، وإذا لعنت إسرائيل ألعنك"، وردت: "شكرا لإعلامي بذلك". كما حظرت جامعة بنسلفانيا المخيمات والتظاهرات المسائية واستخدام مكبرات الصوت بعد الخامسة مساء، واشترطت إزالة الملصقات خلال أسبوعين من وضعها. وحظرت جامعة إنديانا المخيمات والتظاهرات بعد 11 مساء، ومنعت وضع لافتات على ممتلكات الجامعة من دون موافقة مسبقة، وهو ما تكرر مع عشرات الجامعات الأميركية في مختلف أنحاء الولايات.

تنتقص القواعد الجديدة للجامعات من حرية الرأي والتعبير 

رفض من الأساتذة والطلّاب

واعتبرت الجمعية الأميركية لأساتذة الجامعات، في بيان لها، رداً على هذه الإجراءات، أن السياسات الجديدة التي تتطلب من المتظاهرين الإخطار مسبقاً وتحديد صارم لأماكن التظاهر والتجمعات، ووضع قواعد جديدة لاستخدام مكبرات الصوت واللافتات، تنتقص من حرية الرأي والتعبير. وكشفت أن العديد من هذه السياسات تمّ فرضها من دون مساهمة أعضاء هيئة التدريس، وأكدت الجمعية أنه يجب على الكليات والجامعات الأميركية تشجيع الحوار والمناقشات المفتوحة حتى حول أكثر المعتقدات الراسخة، وليس قمعها.

وشهد اليوم الأول من الدراسة خلال الأسبوع الحالي تظاهرات في عدد من الجامعات، من بينها جامعتا جورج واشنطن وكولومبيا، ونظّم طلاب جورج واشنطن مسيرة في محيط الجامعة أكدوا فيها أنها "لا تتوقف حتى تتحقق العدالة"، ورفعوا لافتة تقول إن جامعة جورج واشنطن تموّل الإبادة الجماعية، ونظموا تظاهرة أمام منزل رئيسة الجامعة إلين غرينبرغ تضمنت شعاراتها توجيه سباب لها بسبب مواقفها. وقالت إحدى الطالبات التي طلبت عدم ذكر اسمها، لـ"العربي الجديد"، إنهم سيواصلون تظاهراتهم داخل الحرم الجامعي وفي محيط الجامعة لحين الاستجابة لمطالبهم ووقف الاستثمار في شركات تشارك في الإبادة الجماعية، مؤكدة أن الإجراءات القمعية التي تتخذها الجامعة لن تقضي على "الانتفاضة الطلابية".

وأشارت إلى أنه تم فصل عدد من الطلاب الذين رفضوا التوقيع على شروط رأوا أنها مجحفة وظالمة لهم، كما تمّ منع عدد من الطلاب من الاقتراب من محيط الحرم الجامعي، وتعليق تخرج بعض الطلاب، مؤكدين أن هذه الإجراءات لن تزيدهم إلا إصرارا على التظاهر من أجل تحقيق مطالبهم، بما في ذلك أن تتخلى جامعة جورج واشنطن عن استثماراتها في الشركات المرتبطة بإسرائيل، وتسقط التهم الموجهة إلى عدد من المنظمات الطلابية، من بينها "طلاب من أجل العدالة في فلسطين، وطلاب الصوت اليهودي من أجل السلام وغيرها"، وتكشف عن جميع استثماراتها.

عصام برعي: أكذوبة المناخ الأكاديمي الداعم للحريات تظهر مباشرة في ما يخص قضايا العرب وفلسطين

من جانبه، قال المحاضر والباحث في العلوم السياسية بجامعة كورنيل، عصام برعي، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إن "أكذوبة المناخ الأكاديمي الداعم للحريات تظهر مباشرة في ما يخص قضايا العرب وفلسطين"، واصفاً ما يحدث بأنه "انهيار أخلاقي للجامعات والنظام التعليمي في أميركا". وأشار إلى ما حدث خلال وجوده باحثاً في جامعة كونيتيكت، والذي عدّه "مثالاً صارخاً على مدى التراجع في حرية الرأي والتعبير في الولايات المتحدة". وقال إن "اللجنة التنفيذية بالجامعة التي كنت عضواً فيها أصدرت قراراً، بعد التصويت بغالبية الأصوات، بإسقاط التهم الموجهة للطلبة نتيجة التظاهر من أجل غزة، إذ تم القبض على 26 طالباً متظاهراً". وأضاف: "لكن رئيسة الجامعة ردينكا موريك رفضت قرار اللجنة التنفيذية بإسقاط التهم عنهم بالمخالفة للقوانين واللوائح".

وأوضح أن "أكثر من ثلاثة آلاف عضو في هيئة التدريس في الجامعة وقعوا على خطاب رسمي موثّق، تم إرساله لرئيس الجامعة ينص على دعم الحريات الطلابية ودعم حق الطلاب في التظاهر والمطالبة بإسقاط التهم عنهم جنائياً وأكاديمياً بعد القبض عليهم في التظاهرات وتوجيه تهم جنائية لهم، لكن رد إدارة الجامعة كان بالإصرار على معاقبتهم". ولفت إلى أنه التقى نائب رئيس الجامعة دان وينر، والذي "رد عليه بالحرف الواحد بأنه سيستخدم كل شيء يملكه من أجل تدمير هؤلاء الطلاب"، ووصفهم بأنهم "أنصار لحماس وداعمون للإرهاب"، وهو نفس ما تكرر مع رئيسة الجامعة.

واعتبر أنه "لا توجد حرية تعبير أو حرية أكاديمية في أميركا والجامعات الأميركية عندما يتعلق الأمر بالطلاب العرب وحقوق الفلسطينيين"، مشيراً إلى أنه "منذ العام الماضي كانت جامعة كونيتيكت تمنع الخيام ومكبرات الصوت والتجمعات بعد الساعة 11 مساء، باعتبارها قواعد موضوعة من أجل انتظام العملية التعليمية". فيما سمحت الجامعة، وفق برعي، بخرق ما قالت إنها "قواعد ملزمة"، من أجل فريق كرة السلة بالجامعة، لافتاً إلى أنه كان هناك "استهداف للطلاب المناصرين للقضية الفلسطينية ومنعهم من ممارسة حقهم في التعبير وفي التنظيم والتجمع". وكشف عن أن رئيسة الجامعة "أرسلت عدة إيميلات أظهرت فيها كراهيتها للفلسطينيين، كما أن الممولين (للجامعة) أيضاً ينتمون لمؤسسات صهيونية تدعم إسرائيل وتهدد بمنع التمويل للجامعات في حال عدم دعمها للكيان". ويتساءل برعي: "كيف تنادي الجامعات بحرية التعبير وحرية التجمع وتوفير مناخ آمن للطلاب، وفي الوقت نفسه تعاقبهم أكاديمياً وتقاضيهم جنائياً وتهددهم بالسجن وترفض إسقاط التهم عنهم لمجرد التظاهر؟".

المساهمون