أدت حادثة مقتل عدد من عناصر "اتحاد قبائل سيناء"، والذي يعمل تحت إمرة أجهزة الأمن المصرية بمحافظة شمال سيناء، شرقي البلاد، بإطلاق نار من مجهولين، السبت الماضي، إلى تزايد مخاوف آلاف المواطنين في المحافظة من فتح باب الثأر بين أهالي سيناء والمتعاونين مع الجيش والمخابرات، الذين استغلوا علاقاتهم في إيذاء المواطنين خلال سنوات "الحرب على الإرهاب".
وفي السياق، أفادت مصادر قبلية لـ"العربي الجديد"، بأن اثنين على الأقل من عناصر الاتحاد قُتلا بالرصاص أثناء تحركهما في قرية أبو طويلة في نطاق مدينة الشيخ زويد، فيما لم تعلن أي مصادر رسمية أو أمنية أي تفاصيل عن الحادثة.
وجرى نقل جثث القتلى إلى مستشفى العريش العام لاتخاذ الإجراءات القانونية في ما يتعلق بتصريح التشريح والدفن. وكشفت أنه عُرف من القتلى إبراهيم عبد حسين وعلي صبري محمود، بالإضافة إلى عدد من المصابين عرف منهم إبراهيم عبد الله الدسوقي. ويتلقى الجرحى العلاج في المستشفى.
قلق المتعاونين والأهالي في سيناء
وأوضحت المصادر القبلية أن القتل جاء على خلفية حدث قديم وقع في عام 2017 بين أفراد إحدى عائلات مدينة الشيخ زويد وهذه المجموعة من "اتحاد قبائل سيناء"، وأدت إلى وقوع خسائر في صفوف العائلة، ولاعتقال العديد من أفرادها.
وردت العائلة بإطلاق تهديدات متكررة بأنها ستصفي حسابها معهم في الوقت المناسب، إلى أن وقعت حادثة السبت الماضي، محدثة قلقاً كبيراً في أوساط المتعاونين والأهالي خشية من دخول المنطقة في أتون مواجهات بين القبائل والعائلات على مرأى من قوات الجيش والأمن.
ولطالما نشر المتعاونون مع الجيش المصري، وكذلك صفحة "اتحاد قبائل سيناء" الرسمية، صوراً ومقاطع مصورة وبيانات تؤكد قتلهم عشرات المدنيين في محافظة شمال سيناء بحجة تعاونهم مع تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش"، ما دعا مؤسسات حقوقية دولية ومصرية إلى التحذير من مغبة هذه الإعدامات خارج القانون، والاعتداء على المواطنين وحرياتهم بغطاء كامل من قوات الجيش التي كانت تتابع عن كثب كل جرائم المجموعات القبلية بحق المواطنين الآمنين.
أبو أحمد السواركة: على المعنيين التدخل وإلا ندخل في حرب من تصفية الحسابات
وحول هذا التطور، اعتبر أحد أبرز شيوخ قبيلة السواركة في سيناء، وهو أبو أحمد السواركة، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن ما يجري اليوم هو ما حذرنا منه بالأمس حينما تغول بعض المتعاونين مع الجيش المصري والشرطة وأجهزة الأمن على حقوق الناس، تحت مظلة الحرب على الإرهاب، بينما كانت أفعالهم موجهة للمواطنين العزل الذين لا حول لهم ولا قوة في سيناء.
واعتبر أن هذه الفترة امتدت بين عامي 2014 و2021، وجرى خلالها قتل واعتقال ونهب وسرقة عشرات المواطنين، إذ عانى سكان مدينة الشيخ زويد من هذه الظاهرة بشكل خاص، نظراً إلى أن الجيش في ذلك الحين عمد إلى التعاون مع عدد من أصحاب السوابق في المدينة، ليسوا من أبناء القبائل المعروفة الذين لهم مرجعية من كبار القبيلة ليردوا المظالم والحقوق إلى أصحابها.
وأضاف السواركة أنه من سوء أفعالهم وتضييقهم على حياة المواطنين وأخذ الخوات من التجار وأصحاب المحال التجارية، وفي سوق الثلاثاء بالشيخ زويد، اضطر الجيش المصري في لحظة ما إلى الاستغناء عنهم ونشر أسماءهم وأعلن أنهم خارج مظلة الجيش، فيما اقتص تنظيم "داعش" من عدد منهم قتلاً أمام عائلاتهم ومنازلهم، بعد ثبوت تعاونهم مع الجيش وإيذائهم للمواطنين. واعتبر أن هذه التطورات لم تكن كافية ولا رادعة لهذه العناصر للتوقف عن أفعالهم.
وأشار السواركة إلى أن ما جرى السبت الماضي في قرية أبو طويلة بالشيخ زويد يعتبر بداية تصفية الحسابات بين العائلات والمتعاونين مع الأمن، بعدما انتهت مهمة المتعاونين وسُحبت منهم الأسلحة والسيارات التي نفذوا فيها جرائمهم بحق المواطنين.
ورأى أنه لا غرابة في أن نسمع عن مزيد من حوادث القتل في سيناء خلال الفترة المقبلة، داعياً الأجهزة الأمنية والجيش المصري وكل من له علاقة بالملف الأمني بسيناء إلى ضرورة تسوية النزاعات والثأر الذي زرع نتيجة أفعال المتعاونين مع الأمن، وإعادة الحقوق إلى أصحابها قبل فوات الأوان ودخول المنطقة في أتون حرب من تصفية الحسابات والثأر لا نهاية لها.
وفي عام 2019 حذر تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" من استخدام الجيش مليشيات موالية للحكومة تستخدم "قواتها الفعلية لاعتقال المواطنين وتصفية الحسابات الشخصية"، واتهمها بالتورط في عمليات قتل خارج القانون.
قاض عرفي: بعض القضايا لا يمكن للناس التخفيف عن مرتكبيها
مخاوف من الثأر في سيناء
واعتبر أحد القضاة العرفيين في سيناء في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن أي حادثة لأخذ الحق بالقوة ستكون مشجعة للآخرين لاتباع الأسلوب نفسه في سيناء، خصوصاً في ظل غياب مؤسسات الدولة عن إعادة الحقوق لأصحابها، ووجود آلاف المظالم في سيناء على مدار العقود الماضية.
وأضاف القاضي العرفي: سنحاول قدر المستطاع ضبط العائلات والقبائل عن أخذ حقوقها باليد والثأر وإراقة المزيد من الدماء على أرض سيناء التي ما فتئت تقدم من أرواح أبنائها لاستقرار البلاد، إلا أن بعض القضايا لا يمكن لنا دفع الناس إلى العفو فيها أو التخفيف عن مرتكبها، لأن جزءاً كبيراً منها كان عن عمد، وبشكل مقصود، فيما لا تزال آثارها شاخصة للعيان، ما بين قتل واعتقال وإخفاء قسري، وضرر مادي ونفسي، والاعتداء على النساء والأطفال وكبار السن.
ويشار إلى أن حالة من الارتباك كانت تسود سيناء قبل هذه الحادثة نتيجة الهجوم على مقر الأمن الوطني في نهاية الشهر الماضي، والتي أدت لمقتل وإصابة أكثر من 30 عسكرياً من قوات الأمن المصرية.
وفيما لم تصدر أي رواية رسمية عن الجهات الحكومية أو الأمنية للحادثة، وجهت اتهامات على وسائل التواصل الاجتماعي لرئيس "اتحاد قبائل سيناء" رجل الأعمال إبراهيم العرجاني بالوقوف وراء الهجوم.