التيار الصدري يراجع حساباته السياسية بعد خسارة نفوذه في المحافظات

التيار الصدري يراجع حساباته السياسية بعد خسارة نفوذه في المحافظات

14 فبراير 2024
هل يُنهي الصدر مقاطعة العملية السياسية؟ (Getty)
+ الخط -

قالت مصادر سياسية عراقية متطابقة لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، إنّ خسارة التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر نفوذه في محافظات البلاد، على إثر اختيار رؤساء الحكومات المحلية الجديدة والمحافظين الجدد ممن يرتبطون بقوى سياسية مناوئة للتيار، دفعته باتجاه مراجعته حساباته السياسية للمرحلة المقبلة، وإمكانية إنهاء مقاطعة العملية السياسية.

وأوضحت المصادر أنه "وسط تأكيدات بصعوبة الموقف، فإنّ أمام الصدر خيارين فقط لا ثالث لهما: إما خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، وإما اللجوء إلى الشارع في حال قراره العودة لممارسة العمل السياسي".

واعتزل الصدر العمل السياسي، وسحب نواب كتلته "الصدرية" من البرلمان (76 مقعداً من أصل 329)، في أغسطس/ آب من عام 2022، بعد سلسلة أحداث كبيرة بدأت بتظاهرات لأنصار التيار انتهت بالاشتباكات داخل المنطقة الخضراء في بغداد، مع فصائل مسلحة منضوية تحت هيئة "الحشد الشعبي"، وهو ما منح تحالف "الإطار التنسيقي" الذي يضم قوى سياسية حليفة لإيران فرصة تشكيل الكتلة البرلمانية الكبرى، ومن ثم تشكيل الحكومة، والعمل على توسيع نفوذها على حساب النفوذ الصدري.

وأفرزت الانتخابات المحلية الأخيرة التي جرت في 18 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، نتائج لا تصبّ بصالح التيار الصدري في معظم المحافظات، خصوصاً تلك التي كان يتمتع بها بنفوذ كبير ويهيمن على معظم مناصبها، إذ خسر التيار منصب محافظ ميسان، الذي كان يديره علي دواي، وهو أحد قيادات التيار منذ عام 2009، فضلاً عن منصبي محافظي النجف وذي قار المحسوبين على التيار.

واستشعر التيار الصدري بخطر إزاحة نفوذه في أثناء انعقاد الجلسة الأولى لانتخاب رؤساء مجالس المحافظات والمحافظين، التي جرت الأسبوع الفائت، وأسفرت عن عناصر محسوبة على التيار بعض التصرفات والتحركات غير المحسوبة، التي دلت على عدم رضا بالواقع الذي سيفرض، خصوصاً بمحافظة النجف التي تمثل مركزاً دينياً وثقلاً لأنصار التيار، إذ علقت في المدينة لافتات تدعم بقاء المحافظ المحسوب على التيار (ماجد الوائلي) بالمنصب، وترفض انتخاب محافظ جديد.

وفي اليومين الماضيين، خرج بعض المحسوبين على التيار بتظاهرة في محافظة النجف، رفضاً لمحافظها الجديد المنتمي إلى "دولة القانون" التي يتزعمها نوري المالكي، وهو ألد خصوم الصدر، وقبيل اتساعها أصدر ما يُسمى "وزير الصدر" صالح محمد العراقي، توجيهاً بإنهاء التظاهرة. 

وقال في تدوينة على "إكس"، إنّ "محافظة النجف الأشرف بعيدة عن كل مظاهرة بلا مركزية.. وإن كانت عفوية"، مشدداً على أنّ "إبعاد محافظ نزيه لصالح جهة تريد إضعاف الإصلاح في المحافظة.. لا يعني زعزعة أمن المحافظة وإثارة الفتن فيها".

الواقع الذي بدأ يفرض نفسه على نفوذ التيار في تلك المحافظات الجنوبية، التي تمثل مصدر الدعم الشعبي للقوى الشيعية في البلاد، لا يمكن إغفاله من قبل التيار الصدري، وتحديداً زعيمه مقتدى الصدر، وفقاً لما رآه مصدر سياسي متداخل مع قيادات التيار، إذ قال لـ"العربي الجديد"، مشترطاً عدم ذكر اسمه: "بعد أن أصبحت مخرجات نتائج انتخابات مجالس المحافظات أمراً واقعاً، بدأ التيار بإعادة حساباته بسبب خسارته المباشرة منصب محافظ ميسان، وخسارة النجف وذي قار اللتين كان يديرهما محافظان محسوبان على التيار"، موضحاً أنّ "خسارة 3 محافظات ومحافظيها وما يترتب عن ذلك من مديرين عامين ومناصب أخرى للتيار فيها تدفع باتجاه إعادة الحسابات السياسية للتيار".

وأكد أنّ "المعلومات المتوافرة لدينا هي أنّ الوضع غير مرضٍ بالنسبة إلى التيار الصدري، وأن مراجعته لحساباته السياسية قد بدأت بالفعل، وأن هذه المراجعة تأتي مع خسائر كبيرة ستتزايد يوماً بعد آخر في تلك المحافظات، وهو ما يحتم على التيار قراراً صحيحاً يعيد له قاعدته الشعبية ونفوذه".

وأشار إلى أنّ "الصدر ليس رجلاً بعيداً عن الفكر السياسي، بل يتابع مجريات الأحداث في البلاد بدقة، وفكّر في العودة للعمل السياسي وخوض الانتخابات المحلية، إلا أنه لم يتخذ قراراً بهذا الاتجاه، واليوم بعض القيادات القريبة منه بدأت بالضغط لمراجعة قرار الاعتزال السياسي"، كاشفاً أنّ "عودة التيار إلى العمل السياسي مطروحة بقوة مع مجريات ما يجري في الساحة السياسية، وأنها ستكون من أحد طريقين سلميين: إما الانتخابات البرلمانية وإما الشارع".

وأوضح أنّ "الصدر موقن بأن الانتخابات مضمونة النتائج له، والمعروف أن التيار لا يخشى أي انتخابات مع وجود قاعدته الشعبية، وسيفوز بها كما في انتخابات 2021، لكن هنا عليه أن ينتظر ما لا يقل عن عام، لأن الانتخابات ستجري في يونيو/ حزيران 2025 كحد أقصى، ولا يمكن تأجيلها"، مبيناً بقوله: "أما الخيار الثاني فهو تحريك الشارع كالاعتصام أو التظاهرات، وهذا خيار مستبعد حالياً، وقد يتعرض لمظاهرات مناوئة أو يُستفَز المتظاهرون، وتتسبب له مشاكل توظف من قبل خصوم الصدر السياسيين، لذا فإن الصدر يعلم بأن الحل الأول أسلم له وأضمن".

وأشار إلى أنّ "الصدر يدرك أن البقاء بعيداً عن العملية السياسية سبب خسارة له، وإنه يجب أن يملأ الفراغ، حتى لا يملأه خصومه، وأنه إذا استمر بالمقاطعة، فإنّ خسارته قد تصل حتى إلى جمهوره الذي قد لا يصبر مدة أطول ويتخلى عنه"، مرجحاً أن "يجري الصدر في الفترة المقبلة مباحثات مع حلفائه السابقين تحالف تقدم والحزب الديمقراطي الكردستاني".

من جهته، أكد الناشط في التيار الصدري، كريم الغريباوي، أنّ "أي عودة للتيار، تعني أنه سيجتاح الانتخابات بفوز كاسح"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أنّ "القاعدة الجماهيرية للتيار اتسعت بشكل كبير خصوصاً بعد اعتزال الصدر العمل السياسي، وأنه ضحى بمقاعده البرلمانية رفضاً للفساد".

وأشار إلى أنّ "قرار البقاء أو العودة بيد الصدر وحده، وأنه ينظر إلى العملية السياسية بمنظار المصلحة الشعبية، وأنه متى ما اقتضت مصلحة الشعب خطوة معينة، فإنّ الصدر لا يقصّر"، مشدداً على أن "التيار له ثقل كبير ولا يمكن له إلا أن يكون مؤثراً بكل الأحوال". 

رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، أكد في تصريح متلفز، أنّ الصدريين راجعون إلى المشهد السياسي من جديد، مضيفاً: "المطالبات ضاغطة على التيار الصدري لأجل عودته إلى العمل السياسي، ولا أتصور أن يتخلى  الصدر عن مشروعه الإصلاحي.. العراق بحاجة لكل القوى الوطنية الحقيقية لإنقاذه". وأكد: "نحن أمام متغيرات كبيرة في المرحلة القادمة تبدأ بعودة التيار الصدري، وأيضاً بداية صعود قيادات جديدة إلى المشهد السياسي".

ويخشى التيار الصدري التأثيرات الكبيرة لاتساع نفوذ قوى "الإطار التنسيقي"، واستخدامها أموال الدولة في فرض سياسته وتسلطه، على أنصار التيار وقاعدته الشعبية، لكن الخبير بالشأن السياسي العراقي، أحمد النعيمي، اعتبر أنّ انسحاب الصدريين أبعدهم عن الوضع السياسي والأمني المتوتر حالياً في العراق.

وأضاف لـ"العربي الجديد" أن "بقاء الصدريين بعيداً حالياً أفضل لهم، بعد ورطة تحالف الإطار التنسيقي، في تعامله مع الضغوط الأميركية والإيرانية وانكشاف عدم صحة شعارات قادة هذا التحالف"، واصفاً الصدريين بأنهم "البديل السياسي الجاهز في العراق، خلال الفترة المقبلة".