استمع إلى الملخص
- **تفكك التحالفات**: بعد فترة الحراك الشعبي، تفكك تحالف "البديل الديمقراطي" نتيجة تنافر سياسي بين الأحزاب، مما أدى إلى تباين المواقف من الانتخابات النيابية والمحلية عام 2021.
- **التنافر الأيديولوجي**: التنافر بين قوى التيار الديمقراطي يعكس انقساماً حاداً وتبايناً في المواقف الأيديولوجية، مما أضعف موقفه وتمثيله في الساحة السياسية.
لم يكن التيار الديمقراطي في الجزائر (التيار الديمقراطي يتبنى المطالب التقدمية، ومتصادم مع التيار الإسلامي ومع التيار الوطني لأنه يحمّل الدولة الوطنية مسؤولية الفشل) على نحو من التشتت السياسي، كما هو الحال في الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقررة في السابع من سبتمبر/أيلول المقبل، التي بدأت حملتها الدعائية منذ أكثر من أسبوع. مرشح واحد ممثل لهذا التيار في الانتخابات، هو السكرتير الأول لـ"جبهة القوى الاشتراكية" يوسف أوشيش، لكنه لم يحظَ بدعم القوى الديمقراطية التي اتخذت كل منها مواقف متباينة من الانتخابات الرئاسية الجزائرية بين داعٍ إلى مقاطعتها ورافضٍ لدعم أي مرشح، بمن فيهم أوشيش، على خلفية صراع سياسي وخلافات حادة منذ عام 2021.
بخلاف التيار الوطني (يضم الأحزاب السلطوية والقومية، وهو الذي يعتبر نفسه سليل الدولة الوطنية ويدافع عن منجزاتها) الذي تجمّع حول الرئيس المرشح عبد المجيد تبون، وقوى التيار الإسلامي التي تجمعت في غالبيتها حول رئيس حركة مجتمع السلم عبد العالي حساني، وجد يوسف أوشيش نفسه من دون حزام سياسي أو حزبي داعم له من تياره السياسي. مع العلم أن هناك مجموعة تقاطعات سياسية واسعة ومطالب تضمنها برنامج أوشيش الرئاسي، تقاطعت مع قوى التيار الديمقراطي، في علاقة بمطلب التغيير والانتقال الديمقراطي، ومسألة الحريات وقضايا معتقلي الرأي وتحرير العدالة والنظام البرلماني. وعكس هذا التفكك تنافراً لافتاً بين الأحزاب المشكّلة لهذا التيار، ما أضعف موقفه وتمثيله في الساحة السياسية، على الرغم من نجاح تجارب سابقة لتشكيل قطب ديمقراطي مؤثر.
إبراهيم عوف: أوشيش يراهن في حملته الانتخابية على محاولة استقطاب الشباب
بدايات التيار الديمقراطي
خلال فترة الحراك الشعبي (بين عامي 2019 و2021)، نجح التيار الديمقراطي في تشكيل تحالف سياسي قوي باسم "البديل الديمقراطي"، ضم جبهة القوى الاشتراكية بقيادتها السابقة، وحزب العمال، وحزب جيل جديد، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، والاتحاد من أجل التغيير والرقي، وحركة الديمقراطية الاجتماعية، والاتحاد من أجل الديمقراطية، إضافة إلى حركات وائتلافات مدنية أخرى. شكّل هذا التحالف قطباً سياسياً لافتاً في تلك الفترة، لكن بعد استبعاد القيادة القوى الاشتراكية برئاسة علي العسكري الذي تبنّى مواقف راديكالية إزاء السلطة، وتولي القيادة الحالية مقاليد الحزب برئاسة يوسف أوشيش، وتغيير مواقفها بقبولها الحوار مع تبون، بدأ تنافر سياسي بين أطراف هذا التكتل السياسي، وانفرط عقده بالكامل. وعزز تباين الموقف من المشاركة في الانتخابات النيابية والمحلية التي جرت عام 2021، من الخلافات السياسية بين هذه الأحزاب، ما نتج منه أيضاً تلاسن سياسي في وقت لاحق.
أوضحت هذه الخلفية رفض غالبية قوى التيار الديمقراطي تأييد المرشح الديمقراطي الوحيد في الانتخابات الرئاسية الجزائرية الحالية، أو دعمه في حملته الانتخابية، إذ رفض التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، ثاني أكبر أحزاب هذا التيار، الاعتراف أساساً بالانتخابات، ووصفها بـ"المسرحية السياسية والسيناريو المُعَدّ مسبقاً"، داعياً إلى مقاطعتها. أما رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي، القاضية السابقة زبيدة عسول، التي ترشحت لكنها أخفقت في جمع النصاب المطلوب من التواقيع، فلم تدعُ إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية الجزائرية، لكنها أكدت عدم دعمها أي مرشح، على الرغم من التقارب السياسي مع أوشيش.
كذلك أعلن حزب العمال بقيادة المرشحة الرئاسية السابقة لويزة حنون (شاركت في رئاسيات 2004، 2009، 2014)، التي أخفقت هي الأخرى في جمع التواقيع، أنه غير معني بهذه الانتخابات، وهذا يعني عدم دعم أوشيش، وخصوصاً بعد نشوب خلاف سياسي حاد بين الحزبين خلال عملية جمع التواقيع، إذ اتهم حزب العمال جبهة القوى الاشتراكية بتعطيل تجمّع سياسي كان مقرراً لحنون في مبنى بلدية بإدارة مسؤول في القوى الاشتراكية.
على أساس هذه الخريطة من المواقف، بدا التيار الديمقراطي مشتتاً وموزعاً على أكثر من نقطة خلال الانتخابات الرئاسية الجزائرية الحالية، بين مشارك فيها، مثل جبهة القوى الاشتراكية بمرشحها، وبين قوى ديمقراطية اعتبرت نفسها غير معنية بالانتخابات بشكل كامل، ولم تشارك في النقاشات القائمة خلال الحملة الانتخابية، وبين قوى شجعت على مقاطعة التصويت. كذلك فإن كتلة مهمة من نشطاء الحراك الشعبي رفضت المشاركة في الانتخابات. وأدى ذلك إلى ضرب حظوظ أوشيش ومنح المزيد من الفرص لتبون. وحصلت هذه التطورات على الرغم من أن الانتخابات الرئاسية الجزائرية شكّلت فرصة لقوى التيار الديمقراطي للتقارب، ودعم المرشح الديمقراطي من جهة، والمشاركة في النقاشات السياسية بمناسبة الحملة الانتخابية للتحضير للاستحقاقات المقبلة اللاحقة، من جهة أخرى.
قاسم بن حمو حجاج: لا انسجام حقيقياً بين القوى الديمقراطية أيديولوجياً
في وقت سابق، أجرت قيادة جبهة القوى الاشتراكية سلسلة اتصالات ولقاءات سياسية مع قيادات من التيار الذي عكست مواقفه برنامج أوشيش لطلب الدعم السياسي، نجح بعضها في إقناع مجموعات سياسية ديمقراطية في ذلك، بمن فيها نشطاء ونقابيون، بينما تمسكت أطراف أخرى بتصوراتها السياسي. وأكد القيادي في القوى الاشتراكية، إبراهيم عوف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "المرشح أوشيش يراهن خلال حملته الانتخابية على محاولة استقطاب الشباب، فهناك كتلة ديمقراطية واسعة غير منتظمة وغير مهيكلة، ولذلك يركز في حملته على مطلب إطلاق سراح معتقلي الرأي ومسألة الحريات، وقد نجح فعلاً في ذلك ولقي تجاوباً كبيراً في الشارع وفي اللقاءات الحوارية التي يقوم بها". ونجح أوشيش في استقطاب أبرز مجموعة شبابية نشطة في منطقة ورقلة (عاصمة النفط جنوبي الجزائر)، وهؤلاء لديهم تأثير مهم، كما في مناطق أخرى.
تنافر المعارضين في الانتخابات الرئاسية الجزائرية
التنافر المسجل بين قوى التيار الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الجزائرية كان واضحاً منذ إعلان بدء الترشح للرئاسة، إذ كان هناك أكثر من مرشح، ثلاثة منهم على الأقل من قيادات هذا التيار، لويزة حنون وزبيدة عسول ويوسف أوشيش، والأخير هو فقط مَن قُبل ملفه. وقال الباحث في الشؤون السياسية قاسم بن حمو حجاج لـ"العربي الجديد"، إن "هذا التنافر بين الأحزاب المسماة ديمقراطية يعكس أولاً انقساماً حاداً، وتبايناً في المواقف، ويعكس تشتتاً في ولاءات قواعدها المناطقية والسياسية من جهة، ومن جهة ثانية نتيجة عدم وجود انسجام حقيقي بين هذه القوى على صعيد توجهاتها الأيديولوجية". وأضاف: "نجد داخل التيار الديمقراطي، يساراً اشتراكياً يمثل الأممية الرابعة (أنصار القيادي السوفييتي ليون تروتسكي)، مثل جبهة القوى الاشتراكية، ويساراً اشتراكياً تروتسكياً ممثلاً في حزب العمال، ويميناً ليبرالياً مثل التجمع من أجل الديمقراطية"، متابعاً: "إضافة إلى أن هذا التباين يؤثر في الموقف من القضايا وفي العلاقة مع السلطة، هناك أيضاً تأثير النرجسيات السياسية الفردية لدى القيادات".