التوغل الأوكراني في المناطق الحدودية يكشف ثغرات الدفاعات الروسية

16 اغسطس 2024
آلية أوكرانية في سومي على حدود روسيا، 14 أغسطس 2024 (رومان بيليبي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **التوغل الأوكراني في كورسك**: تعرضت مقاطعات بيلغورود وكورسك وبريانسك لهجمات أوكرانية متكررة، مما أدى إلى إجلاء أكثر من 100 ألف من سكان المناطق الحدودية وفرض نظام "عملية مكافحة الإرهاب".

- **ردود الفعل الروسية**: أثار التوغل الأوكراني غضباً وانتقادات داخل روسيا، حيث تساءل المحللون عن ضعف الدفاعات الحدودية. القوات الأوكرانية استخدمت الحرب الإلكترونية واخترقت الحدود بمجموعات متفرقة.

- **التكتيكات الأوكرانية وردود الفعل الدولية**: وصف التوغل بأنه حرب عصابات وإرهاب، وأشار الرئيس بوتين إلى أن "نظام كييف" يسعى لتحسين مواقفه التفاوضية. حذر دميتري بوليانسكي من تداعيات استخدام الأسلحة الأميركية.

بيلغورود وكورسك وبريانسك، ثلاث مقاطعات روسية متلاحمة مع مقاطعات خاركيف وسومي وتشيرنيهيف الأوكرانية، في الشمال الشرقي من أوكرانيا، باتت عرضة إلى هجمات أوكرانية متكررة. ومع إطالة أمد الحرب الروسية المفتوحة في أوكرانيا واقترابها من إتمام عامين ونصف العام، تعرضت هذه المقاطعات لمجموعة من الضربات الموجعة، وآخرها التوغل الأوكراني في مقاطعة كورسك، الذي بدأ في السادس من أغسطس/آب الحالي، مع احتلال القوات الأوكرانية بعض المناطق في كورسك، مما اضطر السلطات الروسية إلى إجلاء أكثر من 100 ألف من سكان المناطق الحدودية، وفرض نظام "عملية مكافحة الإرهاب" في المقاطعات الحدودية الثلاث تحسباً لهجمات جديدة.

التوغل الأوكراني في كورسك

وتصدرت كورسك عناوين الصحافة العالمية إثر التوغل الأوكراني الأخير، بعد أن كانت بيلغورود في طليعة المقاطعات الروسية التي تعرضت إلى هجمات أوكرانية منتظمة بواسطة مسيّرات، وحتى بالأسلحة الغربية، قبل منح الضوء الأخضر الرسمي لاستخدامها في العمق الروسي. كما سقط عشرات القتلى والجرحى بين المدنيين بالقصف الأوكراني لبيلغورود. تضاف إلى ذلك محاولات عناصر أوكرانية ومجموعات روسية منشقة مثل "روسيا الحرة" و"فيلق المتطوعين الروس" اختراق الحدود الروسية. وفي موازاة إجراء انتخابات الرئاسة الروسية التي أفضت إلى إعادة انتخاب الرئيس فلاديمير بوتين للولاية الخامسة منتصف مارس/آذار الماضي، حاولت عناصر أوكرانية اقتحام المناطق الحدودية في مقاطعتي بيلغورود وكورسك، مما دفع بالكرملين إلى الإعلان عن عزمه إقامة منطقة عازلة في مقاطعة خاركيف وشن تقدم هجومي فيها تعثر في نهاية المطاف.

ألكسندر تشالينكو: لا يمكن استيعاب كيف يعزف بلد في حالة حرب عن تعزيز دفاعاته الحدودية

وفي منتصف فبراير/شباط الماضي، شنت القوات الأوكرانية ضربة صاروخية على بيلغورود بواسطة راجمة "أر أم-70 فامبير" تشيكية الصنع أسفرت عن إصابة مركز تجاري. وقبل حلول السنة الجديدة 2024 بيوم، أسفرت ضربة أوكرانية في 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي، عن مقتل 25 شخصاً وإصابة أكثر من 100 بجروح. أما مقاطعة بريانسك، فكانت أقل عرضة للهجمات الأوكرانية نظراً للغابات الكثيفة في المنطقة الحدودية، مما يزيد من صعوبة اختراقها، شأنها في ذلك شأن مقاطعتي فورونيج وروستوف المتلاحمتين مع الحدود الأوكرانية المعترف بها دولياً، اللتين تعيشان حالة من الهدوء النسبي، باستثناء تعرضهما لهجمات متفرقة بالمسيرات الأوكرانية، نظراً لسيطرة روسيا على مقاطعتي لوغانسك ودونيتسك الأوكرانيتين المجاورتين وتحولهما، في الواقع، إلى منطقة عازلة.

وأعرب المحلل السياسي، الصحافي المتخصص في الشأن الأوكراني المقيم في موسكو، ألكسندر تشالينكو، عن دهشته من تخاذل بلد في حالة حرب منذ أكثر من عامين، عن إقامة دفاعات محصنة في المناطق الحدودية، وعدم استخلاص دروس من الحوادث السابقة. وقال تشالينكو الذي تعود أصوله إلى مدينة دونيتسك في الشرق الأوكراني، في حديث لـ"العربي الجديد": "لا يمكن استيعاب كيف يعزف بلد في حالة حرب منذ أكثر من عامين عن تعزيز الدفاعات في المناطق الحدودية، ولا يستخلص دروساً من الحوادث مثل إقصاء القوات الروسية من مقاطعة خاركيف في سبتمبر/أيلول 2022، حين تسللت القوات الأوكرانية أيضاً بمجموعات صغيرة إلى عمق الأراضي التي كانت تسيطر عليها روسيا، ومنذ ذلك الحين بات واضحاً أن عبور الحدود الروسية بالطريقة ذاتها مسألة وقت".

وحول رؤيته لكيفية حصول التوغل الأوكراني للحدود الروسية في كورسك، رأى تشالينكو أن "القوات الأوكرانية وظفت أولاً وسائل الحرب الإلكترونية لتعطيل المسيّرات الروسية التي تراقب الحدود، ثم اخترقت الحدود بمجموعات متفرقة لم تصادف في طريقها سوى أفراد الخدمة الإلزامية (غير محترفين) وعناصر كتيبة أحمد الشيشانية، وأسرت عدداً منهم ودخلت إلى بلدات سكنية سيطرت عليها". وكان قائد قوات "أحمد" الشيشانية الخاصة، اللواء أبتي علاء الدينوف، قد قدّر عدد عسكريي القوات المسلحة الأوكرانية الذين اقتحموا أراضي مقاطعة كورسك بنحو 12 ألفاً. وقال الدينوف لقناة "روسيا 1" الحكومية، أول من أمس الأربعاء: "نعلم أن عدد من دخلوا الأراضي بلغ نحو 12 ألفاً. يجب الإشارة إلى أن هؤلاء هم الوحدات المتبقية من بعض الكتائب والفرق التي كانت ممتدة على كامل خط الجبهة. تم سحبها من هناك والإلقاء بها إلى هنا".

وأثار إخفاق روسيا في التنبؤ بحصول التوغل الأوكراني والتخاذل عن إقامة الدفاعات مسبقاً، موجة من الغضب على قنوات أنصار الحرب المعروفة إعلامياً بقنوات "زد" على تطبيق تليغرام، نسبةً إلى الحرف اللاتيني Z الرامز إلى الغزو الروسي لأوكرانيا. وتساءل نائب قائد قوات هيئة "الحرس الروسي" في "جمهورية دونيتسك الشعبية" الأوكرانية الانفصالية المعلنة من جانب واحد، القائد السابق لكتيبة "فوستوك" (الشرق)، ألكسندر خوداكوفسكي، في منشور على قناته في "تليغرام" البالغ عدد متابعيها أكثر من نصف مليون: "ماذا حققت أوكرانيا بأعمالها، علماً أن إمكاناتها لا تؤهلها لتحقيق نجاح كبير؟ هل أرادت إذلالنا؟ إثارة الشكوك لدى حلفائنا وخصومنا في قدراتنا؟ إثارة الغضب داخل البلاد؟". وأجاب بنفسه على تساؤلاته، كاتباً: "لا يمكن لأحد أن يذلنا أكثر من قدرتنا نحن على إذلال أنفسنا. ترسخ لدى الخصوم منذ فترة طويلة تصور عنا يتعين علينا تغييره. أما الحلفاء، ففي أغلب الأحيان لهم مصالح معنا، ولذلك سيضطرون للسكوت. في ما يتعلق بالآمال في إثارة الغضب وتأجيج وضعنا الداخلي، فعلى الرغم من وجود دوافع للغضب، إلا أن الكراهية حيال العدو أصبحت هي العامل المهيمن"، وفق اعتقاده.


أندريه كوشكين: التوغل الأوكراني أقرب إلى حرب العصابات

حرب عصابات أوكرانية

من جانب آخر، اعتبر رئيس قسم العلوم السياسية والاجتماعية في جامعة بليخانوف الاقتصادية في موسكو، أندريه كوشكين، أن أي دولة لا يمكنها توفير غطاء كامل لحدود تمتد لأكثر من ألف كيلومتر كما هو الحال بين روسيا وأوكرانيا، واصفاً التكتيك الذي ساهم في نجاح التوغل الأوكراني بأنه أقرب إلى حرب العصابات و"الإرهاب"، على حد تعبيره. وقال كوشكين الذي خدم لثلاثة عقود في الجيش السوفييتي والروسي ويحمل رتبة عقيد الاحتياط، في تصريح لـ"العربي الجديد": "من وجهة نظري، ما قامت به القوات الأوكرانية من اعتداء على مقاطعة كورسك هو هجوم إرهابي، تم اتّباع خلاله أسلوب حرب عصابات مع استثمار طول الحدود الروسية الأوكرانية البالغ أكثر من ألف كيلومتر، ولا يمكن لأي دولة في العالم توفير غطاء كامل لمثل هذه المسافة بلا ثغرات". وكان بوتين قد اعتبر أن "نظام كييف" يسعى من خلال هذا الهجوم لتحسين مواقفه التفاوضية في المستقبل، وتعطيل تقدم القوات الروسية في دونباس (يضم إقليمي لوغانسك ودونيتسك)، وزعزعة استقرار الوضع الداخلي في روسيا نفسها، متوعداً بالرد على "العدو وتحقيق كافة الأهداف التي وضعتها روسيا".

ولما كان الغموض لا يزال سيد الموقف في ما يتعلق بمدى تنسيق هجوم كورسك بين كييف وواشنطن، اعتبر النائب الأول لمندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي، أن استخدام الأسلحة الأميركية من قبل القوات المسلحة الأوكرانية عند التوغل الأوكراني في المقاطعة عمل تصعيدي لن يمر مرور الكرام. وقال بوليانسكي في تصريحات صحافية أمس إن "استخدام الأسلحة الأميركية في كورسك وأوكرانيا أو أي مكان آخر يعد عملاً تصعيدياً بالنسبة إلينا ستكون له تداعيات خطيرة". تجدر الإشارة إلى أن مقاطعة كورسك لها رمزية خاصة في أذهان الروس، إذ شهدت في عام 1943 معركة تعرف باسم "قوس كورسك"، وهي حدث مفصلي في تاريخ الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، حين جمع "الجيش الأحمر" خلالها بين عمليات استراتيجية دفاعية وأخرى هجومية، أفضت إلى تحرير مدن سوفييتية عدة، ومن بينها أوريول وبيلغورود وخاركيف.