سارعت الصين، اليوم الخميس، إلى مهاجمة التقرير الأممي الذي نشرته المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه قبيل انتهاء ولايتها، والذي أكد أن الانتهاكات التي تتعرض لها أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينجيانغ، شمال غربي البلاد، قد ترقى إلى مستوى "جرائم ضد الإنسانية".
وقال المتحدث باسم البعثة الصينية في الأمم المتحدة ليو يوين إنّ التقرير "كان مهزلة خالصة، ووثيقة مسيّسة دبرتها القوى المناهضة لبكين، التي استخدمت حقوق الإنسان أداةً سياسيةً لتشويه سمعة الصين".
وجاء في تعليق ليو المكتوب أنّ التقرير "شوّه بشكل خبيث قوانين وسياسات الصين، وكذلك جهود مكافحة الإرهاب، بينما فضح التحيز عميق الجذور ضد الصين والجهل بها". وقال إنّ "محاولة بعض الدول الغربية والقوى المناهضة استخدام هيئات الأمم المتحدة للتلاعب بالقضايا المتعلقة بشينجيانغ، محكوم عليها بالفشل".
هذا وربط تقرير باشليه، الذي يتألف من 48 صفحة، بين سياسات التوظيف التمييزية والعمل الجبري، وقال إنه وجد أدلة على التعذيب وسوء المعاملة في معسكرات الاعتقال، التي تصفها الحكومة الصينية بأنها "مراكز تدريب مهني"، واتهم بكين بفرض سياسات قسرية تتعلق بتنظيم الأسرة خلال الفترة ما بين 2017 و2019، وذلك عن طريق تغريم المتخلفين، والتهديد بالإحالة إلى مراكز الاعتقال، في انتهاك للحقوق الإنجابية.
وأشار التقرير إلى أنّ الإجراءات الحكومية القسرية أدت إلى انخفاض حاد في معدل المواليد الجدد في أقصى غرب الصين. وأوصى باتخاذ إجراءات عاجلة من قبل الحكومة الصينية والأمم المتحدة والمجتمع الدولي على نطاق أوسع لمعالجة وضع حقوق الإنسان في شينجيانغ.
صفعة مزدوجة
وقال أستاذ الدراسات السياسية في جامعة سوتشو، ليو بينغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن تقرير باشليه "مثّل صفعة مزدوجة لبكين، التي سعت خلال الأشهر الماضية، باستخدام تأثير نفوذها السياسي والاقتصادي على باقي الدول، إلى الحيلولة دون نشره مع نهاية ولاية المفوضة السامية في نهاية أغسطس/أب، فضلاً عن أنّ نشر التقرير جاء في وقت حسّاس للغاية بالنسبة للصين، التي تستعد لعقد المؤتمر العام للحزب الشيوعي في شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وبالتالي لم تكن ترغب في أن يعكر ملف الانتهاكات في إقليم شينجيانغ أجواء التوجه لتنصيب الرئيس شي (جين بينغ) لولاية ثالثة".
وأضاف الأستاذ المقيم في تايوان أنّ التقرير "يبحث بعمق الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إقليم شينجيانغ، ويستند إلى أدلة دامغة، على خلاف تقارير حقوقية أخرى دانت الصين بناءً على تكهنات"، لافتاً إلى أنّ باشليه زارت الإقليم في شهر مايو/أيار الماضي، والتقت بالسكان هناك، كما أجرت لقاءات مع مسؤولين في الحزب الشيوعي الصيني، وبالتالي فإنّ تقريرها يتمتع بمصداقية عالية، وسيكون مرجعاً أممياً في هذا الملف، وهو الأمر الذي أغضب بكين، نظراً لتأثير ذلك على سمعتها الدولية، في وقت تسوق لنهج رئيسها الداعي إلى بناء مجتمع ذي مصير مشترك، قائم على العدالة والمساواة واحترام التعددية".
وتوقع ليو أن يصار، خلال الفترة المقبلة، إلى فرض عقوبات جديدة على الصين استناداً إلى هذا التقرير، مثل حظر بعض الشركات الصينية المتورطة في قضايا العمل القسري من الدخول إلى الأسواق الغربية، وكذلك إدراج مسؤولين في الحزب الشيوعي ضمن قائمة سوداء خاصة بمرتكبي الجرائم والانتهاكات في ملف حقوق الإنسان.
أداة سياسية
من جهته، قلل الباحث في معهد لياونينغ للدراسات السياسية وانغ تشي يوان، في حديث لـ"العربي الجديد"، من تداعيات نشر التقرير الأممي وتأثيره على موقف الصين وعلاقاتها الدولية، وقال إنّ "تهويل الأمر مرتبط بالمناكفة السياسية القائمة بين الصين والقوى الغربية". وبرأيه فإنّ "تسييس حقوق الإنسان والمعايير المزدوجة لن تجدي نفعاً".
ولفت إلى أنّ باشليه نفسها تعرضت لانتقادات حادّة من قبل الولايات المتحدة في وقت سابق، لأنها لم تتبنَّ اتهام واشنطن لبكين بشكل لا أساس له من الصحة بارتكاب "إبادة جماعية" في شينجيانغ، الأمر الذي يعكس، حسب قوله، مدى هامش المناورة والتسييس في هذا الملف.
ولفت إلى أنه على الرغم من أنّ الإدارة الأميركية سعت مراراً لاحتواء الصين تحت غطاء حقوق الإنسان في شينجيانغ، فإنّ ذلك لم يؤثر على صادرات الإقليم إلى الولايات المتحدة، وأشار في هذا الصدد إلى أنّ صادرات الملابس من شينجيانغ إلى الولايات المتحدة وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ ما يقرب من عامين، بحسب بيانات محلية، مبرزاً أنّ ذلك لم يتأثر بفرض واشنطن قانونا لحظر البضائع من أقصى غرب الصين بسبب مخاوف العمل القسري هناك.
هذا وكانت الصين قد اتُهمت باحتجاز ما يصل إلى مليون من الإيغور وغيرهم من الأقليات المسلمة في معسكرات إعادة التعليم، واستخدام السخرة، وهي اتهامات نفتها بكين بشدة قائلة إنّ سياساتها في المنطقة "تهدف إلى مكافحة الإرهاب والتطرف".