لا تبدو النتائج واضحة لعملية التقارب العربي مع النظام السوري، سواء على مستوى الوضع الداخلي للنظام أو علاقاته الدولية، وحتى على مستوى تحقيق أي تقدّم في إطار الملفات التي حملتها المبادرة العربية التي أطلقها الأردن وتبنتها الجامعة العربية، وفي مقدمتها مكافحة تهريب الكبتاغون وصناعته، وعودة اللاجئين، وتحقيق "مصالحة" أو حلّ سياسي بما ينسجم مع القرار الأممي 2254.
ويؤشر الانهيار السريع والقياسي لليرة السورية، التي تخطت حاجز 12 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد، إلى أن الوضع بات أسوأ على النظام بعد التقارب. وربما تفسر ذلك زيادة الضغوط الغربية على النظام، وعدم القبول الغربي لعمليات التطبيع العربي معه، في ظل تعنّت النظام في عدم إبداء جدية لحلحلة جميع الملفات التي يطلبها منه العرب: اللاجئون، الكبتاغون والحل السياسي.
وعقب عودة النظام إلى الجامعة العربية، مدّد الرئيس الأميركي جو بايدن حالة الطوارئ الخاصة بسورية، الأمر الذي يعني أن النظام لا يزال يشكل تهديداً للأمن القومي في الولايات المتحدة بدعمه للإرهاب، ونظراً لعدم الاستقرار الذي تعيشه البلاد.
يؤشر الانهيار السريع لليرة السورية، إلى أن الوضع بات أسوأ على النظام بعد التقارب
وفضلاً عن ذلك، عبّرت واشنطن للعرب وعمّان التي تحمل لواء المبادرة العربية، عن عدم اقتناعها بخطوة التقارب لقناعتها بعدم استعداد النظام والأسد للتجاوب. تضاف إلى ذلك مساعٍ تشريعية في الكونغرس الأميركي لإصدار قانون مناهضة التطبيع، إذ يحاول المشرعون في الولايات المتحدة تثبيت عزلة النظام، وتضمين ذلك بقوانين لا يمكن للإدارة الحالية أو الإدارات اللاحقة التساهل معها.
مطالب عربية لم تنفذ
بالعودة إلى المبادرة العربية، لا يبدو النظام مستجيباً لأي من الملفات التي تحملها، وبدا ذلك واضحاً من زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى دمشق بداية شهر يوليو/تموز الحالي ولقائه رأس النظام بشار الأسد ووزير خارجيته فيصل المقداد، لبحث التطبيع مع ما خلص إليه اجتماع عمّان الوزاري وبيان الجامعة العربية الذي أفرز لجنة وزراية عربية لبحث الملفات المتفق عليها مع النظام. وتلك اللجنة لم تعقد أول اجتماعاتها حتى الآن.
ونقل الدبلوماسي السوري السابق، المقيم في واشنطن، بسام بربندي، أن الصفدي حمل إلى دمشق مطالب الدول العربية للنظام لتنفيذ ما تم الاتفاق والإعلان عنه في اجتماع عمّان، والمتمثلة ببدء عودة 4 آلاف لاجئ سوري من الأردن إلى سورية بالتنسيق مع الأمم المتحدة. وأشار إلى أن الصفدي أخبر الأسد بأن مؤسسات الأمم المتحدة ترفض تقديم أي دعم مالي لعودة العدد المتفق عليه، بسبب عدم قيام النظام بأي خطوة تجاه دعم عودة هؤلاء اللاجئين واعتبار الأمم المتحدة أن عودة هؤلاء السوريين ستهدد حياتهم.
وأضاف بربندي، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن الصفدي طلب من النظام اتخاذ خطوات قانونية لحل مشاكل عدة معرقلة للتقدم في المبادرة، وهي: منع الملاحقات الأمنية، عدم إرسال الشبان للخدمة العسكرية، وتأمين عودة الممتلكات لأصحابها وإلغاء أي استملاك أو مصادرة للأملاك، وإطلاق سراح أي معتقل جرى اعتقاله أخيراً أو تبيان وضعه (حياً أو ميتاً)، بالإضافة للطلب من روسيا عدم عرقلة قرار تمديد المساعدات عبر الحدود.
وقال بربندي إنه حصل على هذه المعلومات من مصدر دبلوماسي أردني، معلقاً بأنه من الواضح أن النظام وافق على تلك الشروط شكلياً، ورفضها أو يرفض تطبيقها بشكل عملي.
شروط غير متوفرة لعودة اللاجئين
بالنسبة لملف عودة اللاجئين، برز تصريح المبعوث الأممي الخاص إلى سورية غير بيدرسون أول من أمس الاثنين، بأن الظروف لعودة اللاجئين إلى سورية ما زالت غير مهيأة، منوهاً كذلك إلى استعصاء يطاول ملف الحل السياسي مع عدم التوافق على مكان جديد لعقد اجتماعات اللجنة الدستورية، بعد تحفظات روسية على عقدها في مدينة جنيف السويسرية.
وحول عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، قال بيدرسون: "في الوقت الحاضر فإن الظروف لعودة اللاجئين الآمنة والكريمة والطوعية غير متوفرة. ويجب حمايتهم، بما في ذلك من العودة القسرية، تماماً كما يجب حماية جميع المدنيين داخل سورية، بمن في ذلك النازحون داخلياً. نحن بحاجة إلى أن تبذل الحكومة السورية المزيد من الجهد لمعالجة مخاوف (عدم توفر) الحماية الحقيقية والمستمرة".
وحول إحراز تقدم في المفاوضات السياسية، قال المبعوث الأممي إن "أشهراً من الدبلوماسية لم تؤد إلى نتائج ملموسة على الأرض، في الداخل أو في الخارج، ولا إلى أي خطوات حقيقية في العملية السياسية"، آملاً أن يتغير ذلك قريباً. ونبّه بيدرسون كذلك إلى استمرار "الاحتجاز التعسفي، والتعذيب والإخفاء القسري، والقتل، وسط اشتباكات عنيفة، وتبادل منتظم لقذائف الهاون والصواريخ والمدفعية عبر شمال شرقي وشمال غربي سورية".
تجري مساعٍ تشريعية في الكونغرس لإصدار قانون مناهضة التطبيع
وتعقيباً على ذلك، رأى الباحث السياسي طه عبد الواحد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "أي متابع لسياسات النظام السوري، ولديه أدنى درجة من المعرفة بطبيعة هذا النظام، يدرك أنه لا يسعى لأي تسوية سياسية حقيقية، حتى لو كانت بالحدود الدنيا، ومقابل ثمن تدفعه هذه الدول أو تلك".
واعتبر عبد الواحد أن "النظام مقتنع أنه خرج منتصراً في "الحرب الكونية" ضده، ويعتبر تطبيع بعض الدول العربية معه ثمرة من ثمار هذا النصر". وتابع: "لفهم عدم وجود تقدّم في المبادرة العربية، يكفي أن نعود إلى تصريحات وزير خارجية النظام، خلال زيارته في شهر يونيو/حزيران الماضي إلى الرياض، حين قال إن سورية سارت مئات الخطوات من دون أن تلقى أي مقابل من الدول الأخرى".
وأضاف: "فضلاً عن ذلك رفض المقداد التسوية السياسية وفق الصيغة التي توافق عليها المجتمع الدولي، حين قال بشأن القرار الدولي 2254، إن النظام سينفذ ما يهمّه من مضامين القرار 2254، وبما يستلزم القضاء على الإرهاب وإعادة إنعاش الأوضاع الاقتصادية وإزالة العقوبات غير الأخلاقية وغير المبررة المفروضة من الدول الغربية".
طه عبد الواحد: النظام لا يريد أي تسوية ويواصل التلاعب على التناقضات في المنطقة وتصدير الأزمات والمخدرات
وعقّب عبد الواحد على ذلك بالقول: "إذاً النظام السوري لا يريد في الواقع أي تسوية، لا وفق المبادرة العربية ولا وفق القرارات الدولية، ويواصل التلاعب على التناقضات في المنطقة، وتصدير الأزمات والمخدرات من سورية ليزيد من مصادر التهديد للدول العربية، لاسيما المجاورة، حتى يرغم الجميع على الخضوع لرغباته وتمويل مشاريعه بحجج كثيرة منها على سبيل المثال إعادة الإعمار لتهيئة ظروف تسمح بعودة اللاجئين". وتوقع أن "الدول العربية والمجتمع الدولي لن يحصلوا على أي تنازلات حقيقية من النظام بشأن التسوية السياسية، لأنه يدرك تماماً أن أي تنازل ولو كان شكلياً، سيعني أنه يضع نفسه بنفسه على طريق نهايته".
ضغط غربي مستمر على نظام دمشق
وحول الموقف الغربي من عملية التقارب، رأى عبد الواحد أن الأوروبيين والولايات المتحدة "لم يكونوا حازمين في رفضهم تطبيع بعض الدول العربية مع النظام، ربما لأنهم رأوا في هذا التحرك العربي فرصة لاستكشاف حقيقة استعداد النظام السوري للمضي في الحل السياسي في حال الانفتاح عليه وتخفيف العقوبات ضده ومسايرته بشأن توفير تمويل لإنعاش اقتصاده". واعتبر أن كلمة رئيس النظام "خلال القمة العربية في جدة وضعت النقاط على الحروف بهذا الصدد، وأكدت أن الأسد لا يسعى ولا بأي شكل للتسوية السياسية، ولهذا زادوا من ضغوطهم عليه".
ونوه الباحث السياسي إلى أنه "لا يمكن تجاهل التأثير المباشر والواضح الذي تركته الحملات المناهضة للتطبيع التي نظمتها مجموعات سورية في الولايات المتحدة وأوروبا، على مواقف الدول الغربية في هذا الشأن، وهذه العوامل مجتمعة، حالت دون تعويم الأسد دولياً". كما أثّر، برأيه، "تصاعد حدة التوتر بين روسيا والغرب بسبب الحرب في أوكرانيا بشكل غير مباشر على موقف الغرب من النظام السوري". ورأى أنه "من الواضح حتى الآن، أن الضغط الغربي سيستمر على النظام السوري وسيتشدد برفض تعويمه دولياً، وسيعمل بفعالية أكثر ليُبقي التطبيع العربي ضمن حدود لا يستفيد معها النظام من هذا التطبيع".