أكدت "هيئة التفاوض السورية"، في البيان الختامي الصادر عن اجتماعاتها التي عقدت في العاصمة السويسرية جنيف، أن "إعطاء الثقة المسبقة للنظام بإعادته إلى الجامعة العربية، قبل التزامه بقرارات الشرعية الدولية، يشكل خطراً نتيجة تمسّكه بالمكاسب المجانية ورفضه المضي بالحل السياسي".
واجتمعت هيئة التفاوض بعد حوالي ثلاثة أعوام من انقطاع اجتماعاتها التي تجري بشكل حضوري، وذلك بعد خلافات عصفت داخلها؛ منها التي لا تزال مستمرة حتى الآن، لكن الهيئة في اجتماعها الأخير لم تتطرق لتلك الخلافات، وناقشت التطورات السياسية الأخيرة حول القضية السورية، لا سيما مسألة التقارب العربي والإقليمي مع النظام السوري.
القرار 2254
وعبرت الهيئة، في بيانها، عن أسفها لخلو "إعلان جدة" (بيان القمة العربية الأخير) من أي إشارة للقرار 2254 الخاص بحل الأزمة السورية، وفق المرجعية الأممية.
وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 اتخذ بالإجماع في 18 ديسمبر 2015، ويتعلق بوقف إطلاق النار، والتوصل إلى تسوية سياسية للوضع في سورية.
وأكدت "هيئة التفاوض السورية"، في البيان الختامي، أن "تنفيذ القرار 2254 بشكل كامل وصارم الذي يؤدي إلى انتقال سياسي حقيقي، هو الكفيل بالقضاء على الإرهاب والحفاظ على وحدة سورية، أرضاً وشعباً"، وعبرت عن "تقديرها لكل جهد يسعى لتحقيق الحل السياسي، حسب مضمون القرار 2254، والانتقال بسورية إلى دولة ديمقراطية تعددية يجري فيها تداول السلطة وحرية التعبير".
وطالبت الهيئة ما وصفتها بـ"الدول الصديقة" بدعم جهود الأمم المتحدة لـ"تطبيق قرارات الحل السياسي الشامل، وفق منطوق قرار مجلس الأمن الدولي 2254، باعتبار أن الظروف الدولية والإقليمية والسورية، والحراك النشط المتعلق بالمسألة السورية، يؤمن ظرفاً مناسباً لاستئناف المفاوضات المباشرة حسب القرار الدولي، وفق جدول زمني محدد، وعدم اقتصاره على استئناف اللجنة الدستورية".
إعادة اللاجئين
ورفضت الهيئة الإعادة القسرية للاجئين السوريين كجزء من القانون الدولي العرفي، بما يلزم جميع الدول باحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، وأكدت "ضرورة تضافر كل الجهود الوطنية والأممية، لضمان عودة آمنة للاجئين إلى وطنهم، مقدرة جميع الدول التي استضافت اللاجئين السوريين"، كما أدانت الممارسات والانتهاكات العنصرية بحقهم.
المعتقلون والمغيبون
وبحسب البيان، ناقش المجتمعون ملف المعتقلين والمغيبين قسرياً، الذي "لم يشهد أي تطور ذي قيمة لتحقيق العدالة والإفراج عنهم ومعرفة مصيرهم". وأكدت الهيئة أن "هذه القضية هي أساس أي إجراء إنساني لبناء الثقة نحو تنفيذ القرار 2254، كقضية إنسانية ووطنية، وتشكل الأساس لبناء الثقة، بجدوى الحل السياسي"، مشددة على ضرورة إبعادها عن "أي عملية تسييس أو تمييز أو استغلال من أي نوع كان".
وأكدت ضرورة محاسبة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وطالبت الأمم المتحدة والمنظمات المعنية الدولية باتخاذ الإجراءات القانونية والتنظيمية لتحقيق العدالة.
الاحتياجات الإغاثية والإنسانية
واعتبرت الهيئة أن "الاحتياجات الإغاثية والإنسانية تزداد صعوبة، بسبب سياسات النظام السياسية والأمنية، وتجذر الفساد، واستمرار هجرة رأس المال الوطني والبشري إلى خارج البلاد"، مؤكدة أن "الازدياد في الاحتياجات المترافق مع انهيار القدرة الشرائية، وتدني نسبة إيفاء الدول بتعهداتها بتمويل المساعدات، وعدم توزيعها بشكل متوازن وعادل بين المناطق السورية كافة، أدى إلى اختراق منظومة الفساد لمنظومة عمل وآليات توزيع المساعدات، وخضوع منظمات الأمم المتحدة لإملاءات النظام وابتزازه، وهو ما عطل من فاعليتها".
وعرجت الهيئة في بيانها على مأساة المتضررين من كارثة الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وشمال سورية في فبراير/ شباط الماضي، مشيرة إلى أن المخاطر المحدقة والكوارث الطبيعية تتطلب الارتقاء إلى مستوى التحديات.
استخلاص الدروس
ووجهت الهيئة في بيانها بـ"ضرورة إعادة النظر بعين النقد للممارسة السياسية للمعارضة والتزام الشفافية والإقلاع عن ممارسات التدمير الذاتي، واستخلاص الدروس من الأخطاء السابقة لإصلاح البيت السياسي، بالعمل على توحيد الطاقات، وبناء التحالفات، ومد الجسور، والتركيز المشترك"، مؤكدة دعمها "أي تحرك مدني من شأنه تعزيز استقلالية المجتمع المدني لخدمة الشعب السوري، مرحبة بكل الخطوات لتنظيم قوى المجتمع المدني وتطوير قدراته وأدائه".
وكانت الهيئة قد اجتمعت أول أمس بمعظم أعضائها، سواء الحاضرين أو عبر "الإنترنت"، لتعثر الحضور لوجستياً، مع المبعوث الأممي غير بيدرسون، وتناولت الكثير من المواضيع التي تتعلق بتطورات الأزمة السورية، لا سيما تعطل مسار الحل السياسي.
وسيجتمع أعضاء الهيئة، اليوم الأحد، بممثلي بعض الدول ومبعوثيها إلى الملف السوري، لبحث التطورات والتحركات الإقليمية والعربية والدولية حول القضية السورية، ومسارات التعاطي معها مؤخراً.
وتأسست "هيئة التفاوض السورية" أواخر عام 2015 في الرياض، وتناوب على رئاستها عدد من شخصيات المعارضة، لا سيما رئيس الحكومة الأسبق رياض حجاب، وأخذت على عاتقها التفاوض بشأن الحل السوري، تحت مظلة الأمم المتحدة، وتعرضت لعدد من الاستقالات والخلافات التي أثرت في مشاركتها وفاعليتها فيما بعد.
وتتكون الهيئة، البالغ عدد أعضائها 36 عضواً، من ست كتل، لكل واحدة منها حجم معين من الممثلين، وهي: "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة" (8 ممثلين)، والمستقلين (8 ممثلين)، و"هيئة التنسيق" (5 ممثلين)، والفصائل المسلحة (7 ممثلين)، و4 ممثلين لكل من منصتي موسكو والقاهرة.