التطرف اليميني يضرب أجهزة الدولة في ألمانيا

28 سبتمبر 2020
ضبط عناصر يمينيين متطرفين داخل الجيش الألماني (باتريك ستولارز/فرانس برس)
+ الخط -

تتوالى تبعات فصول اكتشاف المزيد من العناصر اليمينيين المتطرّفين في صفوف الجيش الألماني وصعوبة مكافحتهم، لا سيما بعد تفكيك مجموعة من شرطة ولاية شمال الراين فستفاليا، فضلاً عن قرار وزيرة الدفاع أنغريت كرامب كارنباور الاستغناء، أخيراً، عن خدمات رئيس الاستخبارات العسكرية كريستوف غرام، بعدما علت الأصوات بين المسؤولين والخبراء في مجالات الأمن لجهة خطورة تصاعد القومية اليمينية في صفوف الجيش الذي يعتبر حامي المجتمع.
وأخطرت وزارة الدفاع، الأسبوع الماضي، ممثلي لجنة الدفاع في البودستاغ بهذه الخطوة وأن رئيس جهاز الاستخبارات غرام سيستقيل الشهر المقبل وفق اتفاق متبادل بين الطرفين يقضي بتركه المنصب. وفي السياق، أبرزت الوزارة أن إحدى مهام الجهاز تحديد الميول المتطرفة في وقت مبكر واكتشاف الأشخاص، أو الهياكل، المشاركين في هذا النوع من التوجهات المتطرفة، وتحديد هويتهم بشكل كامل.
وتعزو العديد من التقارير الصحافية، بينها ما نشرته صحيفة "دويتشلاند فونك" وموقع "شبيغل أون لاين"، أخيراً، أنه نسب في الماضي إلى الجهاز المذكور تردده للغاية في اتخاذ إجراءات ضد التطرف اليميني في البوندسفير، وأن الحكومة الاتحادية توافقت في برلين على ضرورة العمل على استصدار قانون يتيح طرد الجنود الذين يرتبطون باليمين المتطرف أو ينسب إليهم تنفيذ جرائم خطرة، وهنا يمكن الحديث عن التهديدات الإلكترونية بالقتل التي تعرض لها سياسيون من أحزاب مختلفة ومشاهير في عالم الفن، وعن سرقة الذخيرة والمسدسات والقذائف، كما ونشر صور لهتلر ومشاهد عنف ضد لاجئين، فضلاً عن المعلومات التي تفيد بالعثور على كتابات معادية للمسلمين على جدران أكاديميات للشرطة في ولايتي برلين وبراندنبورغ. 

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ طالب عضو لجنة الدفاع في البوندستاغ والمنتمي إلى الحزب الليبرالي الحر، ألكسندر مولر، وزيرة الدفاع بمعلومات أكثر تفصيلاً عن غرام، قائلاً في مقابلة مع "دويتشلاند فونك": "لا بد أنه ارتكب خطأً كبيراً". فيما اعتبر حزب الخضر أن إقالته كانت حتمية. وفي خضم ذلك، أبرزت الوسيلة الإعلامية ذاتها أن وزارة الدفاع تجري الآن تحقيقات في أكثر من 700 قضية يمينية متطرفة في البوندسفير. 

مرآة المجتمع
وعن هذا الأمر، اعتبر مولر أن هذه الأرقام تتزايد بالتأكيد، مبيناً أنه "وخلال السنوات الأخيرة أصبحت مشكلة اجتماعية بشكل عام، والمجتمع ككل أصبح أكثر راديكالية، والبوندسفير هو مرآة المجتمع". وشدد على ضرورة أن "نولي الأمر اهتماماً خاصاً، ولا يمكن تصوير البوندسفير على أنه كيان منعزل، كدولة داخل الدولة، ينجرف فجأة نحو اليمين".
وقال أيضاً "أنا مقتنع بأن غالبية الضباط القادة في الجيش الألماني يتمتعون بمسؤولية عالية"، قبل أن يشدد على أهمية أن يعمل المسؤول الجديد عن كثب مع باقي الأجهزة الأخرى، بينها المكتب الاتحادي لحماية الدستور ومكتب الشرطة الجنائية الفدرالي، وفي محاولة لتنسيق التعاون الوثيق فيما بينهم، ومبرزاً قضية المهاجم التونسي أنيس العامري، الذي هاجم بشاحنة سوقاً لعيد الميلاد في برلين ما أسفر عن عدد من القتلى والجرحى.
وأضاف لقد "أظهرت في ذلك الوقت أن لدينا عدداً من السلطات المختلفة، وكلها تتعامل مع عمليات معينة، ولكنها تتعاون بشكل ضعيف للغاية بعضها مع بعض"، مشيراً في الوقت ذاته إلى ما وصفه بـ"جزر معلومات" في سلطات مختلفة، وإذا ما قمت بربط هذه المعلومات فستكون لديك صورة أفضل بكثير عن الوضع. وختم "وأنا متأكد من أن هذا هو الحال أيضاً في حالة مكافحة التطرف اليميني".

حظر أعلام الرايخ
بدورها، تحدثت صحيفة "باديشه تسايتونغ" عن أن الجدل الدائر في ألمانيا يتجاهل جوهر المشكلة، وأن حظر أعلام الرايخ للحرب في الأماكن العامة، وفق ما يريد وزير الداخلية الاتحادي هورست زيهوفر والذي أقرته ولاية بافاريا منذ يومين، خطوة غير ذات مغزى وأن الأمر يجب أن يستتبع بإجراءات عملية على الصعيد الوطني.
أما صحيفة "دي فيلت"، فأبرزت، أمس الأحد، وثيقة عن مكتب حماية الدستور وصفتها بـ"السرية"، صنف فيها أكثر من 300 قضية في خانة التطرف اليميني تشتبه بها أجهزة الأمن الألمانية، وتشمل الفترة الممتدة ما بين مطلع يناير/كانون الثاني 2017 حتى نهاية مارس/آذار 2020. 
وبحسب الصحيفة، فإنه كان على السلطات في دائرة المخابرات الفدرالية وجهاز الاستخبارات العسكرية ومكتب الشرطة الجنائية الاتحادي وقوات الشرطة في الولايات الست عشرة ومكتب حماية الدستور، والتي تضم جميعها حوالي 300 ألف موظف، ملء استبيان حول قضايا اليمين المتطرف، والذي قام المكتب الفدرالي فيما بعد بتقييمه مركزياً، وخلص إلى أن معظم الحالات المشتبه بها بين الولايات الفدرالية موجودة في ولاية هيسن.
ولفتت الصحيفة، مستندة إلى معلوماتها من الوثيقة، إلى أنه في الولاية المذكورة كانت هناك تحقيقات داخلية مكثفة منذ قرابة العامين، وتم تنفيذ 59 إجراء رسميا، واتخذت تدابير مسلكية تأديبية بحق 50 منهم، وفي إحدى عشرة حالة كانت هناك حالات فصل أو رفض إعادة تعيين. 

التطرف جذوره عميقة
وفي غضون ذلك، دعا الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، خلال كلمة أول من أمس السبت، في ميونخ بمناسبة إحياء الذكرى الأربعين لهجوم "أكتوبر فاست"، إلى اتخاذ إجراءات منسقة ضد التطرف اليميني في صفوف الشرطة، مشدداً على أهمية عدم التسامح مع أعداء الحرية والديمقراطية.
كما دعا إلى بذل كل جهد لفضح الشبكات المتطرفة، قائلاً إن "التطرف اليميني له جذور عميقة في مجتمعنا"، غير أنه أكد على "ثقته بأجهزة الشرطة ومعرفته بما يقوم به الضباط من جهد في هذا الإطار". 
 

المساهمون