التطبيع بين الأحزاب التركية يوشك على الانهيار

29 يونيو 2024
أردوغان وباهتشلي في أنقرة، 26 يونيو 2024 (مراد جاتينمهردار/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- بعد فترة قصيرة من التطبيع السياسي في تركيا، اشتعلت السجالات السياسية مجددًا، خصوصًا بين الحزب الحاكم وأكبر أحزاب المعارضة، مما يعكس استمرار الاستقطاب السياسي وتوقعات بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
- زعيم حزب الشعب الجمهوري يرفض التحالف مع الحزب الحاكم وينتقد سياساته، بينما يدعو أردوغان المعارضة لتبني لغة شاملة، مما يعكس عمق الانقسام السياسي وصعوبة تحقيق التوافق.
- المطالبات الشعبية والسياسية بإجراء تغييرات تشمل رفع الرواتب وإعادة النظر في قضايا المعتقلين السياسيين تبرز التحديات أمام تحقيق التوازن السياسي وضرورة التوصل إلى دستور جديد يعزز الديمقراطية.

لم تكد الأوساط السياسية في تركيا تتنفس الصعداء بعد ماراثون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية العامين الماضيين، من خلال التطبيع بين الأحزاب التركية وخصوصاً الحزب الحاكم وأكبر أحزاب المعارضة، حتى اهتزت هذه المرحلة بعودة حدة السجالات المتبادلة. ويبدو أن خشية الرئيس رجب طيب أردوغان من أن تكون مرحلة التطبيع السياسي بين الأحزاب التركية "بعمر الفراشة"، أي قصيرة، بدأت تتحقق. فصول المواجهة بين الأحزاب التركية بدأت عقب زيارة أردوغان لمقر حزب الشعب الجمهوري لأول مرة منذ 18 سنة في 11 يونيو/حزيران الحالي، حيث أصدر بعدها بيوم زعيم الحركة القومية دولت باهتشلي، حليف أردوغان، بياناً أشار فيه إلى انزعاجه من هذه اللقاء، بقوله إنه بإمكان "العدالة والتنمية والشعب الجمهوري أن يجريا تحالفاً مشتركاً".

توقع أوزغور أوزال حصول انتخابات رئاسية مبكرة في تركيا

وفي 13 الشهر الحالي، رد عليه زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال قائلاً إنه "لا ينبغي لأحد أن يقترح علينا التحالف، لأن المسؤولين اليوم سيتحملون هذه المسؤولية، ولا ينبغي لباهتشلي أن يتخذ مثل هذه الخطوة السهلة، وأن يصل ببلاده إلى هذه النقطة ويدفع شريكه في الجريمة (سوء الإدارة) نحونا. إما أن يحلوا هذه المشاكل أو يرحلوا لنحلها".

رد أردوغان على "الشعب"

وعبارة "شريكه في الجريمة" المقصود بها بشكل مباشر أردوغان، استدعت رد فعل مباشرا من الأخير، الذي قال، أمام البرلمان يوم الأربعاء الماضي، إنه "على من يبحث عن شركاء بالجريمة أن يتساءل مع من يعملون في تحالف المدن (في إشارة إلى حزب ديم الكردي) قبل التشهير بنا. لن نتسامح مع التعبيرات غير اللائقة، وسنقدم إجابتنا بالمثل". وأضاف: "نتوقع أن تتبنى المعارضة لغة شاملة، وترون كيف تستجيب المعارضة لجهودنا رغم كل صدقنا. إن شعبنا يراقب كيف يحاول زعيم حزب الشعب الجمهوري جر السياسة إلى التوتر، بينما نحاول التصرف بشكل بنّاء. لم نتلق أي تصرف لطيف من حزب الشعب الجمهوري، ولم نخسر شيئاً. اليوم نحن لا نسعى لتحقيق مكاسب سياسية، نريد من حزب الشعب الجمهوري أن يتخلى عن سياسة التوتر، ونرجو أن تستفيد ديمقراطيتنا من هذا أيضاً".

وتبع ذلك لقاء جمع أردوغان مع حليفه باهتشلي. وكان قد سبق ذلك تصريحات تؤكد على أهمية التحالف الجمهوري. لكن أوزال واصل الخميس الماضي الرد على الحكومة، مطلقاً تصريحات أكثر حدة بقوله: "لقد أزعج التطبيع الحركة القومية، وإذا كان التطبيع يعني الالتزام بالقانون، فإن لديهم مخاوف كبيرة بشأن القانون، لقد نجحت هذه المجموعات (مجموعات داخل الحركة القومية تسيطر على الحزب وتنفرد به) في سحب الحركة القومية إلى نقطة معينة وجعلت الحزب الحاكم يتخذ موقفاً. نقول إنه لا يمكن أن يكون لدينا طريق للسير مع حزب العدالة والتنمية في نهاية 22 سنة (من حكم حزب العدالة والتنمية)".

وتابع أوزال، الذي توقع حصول انتخابات رئاسية مبكرة، في حديثه لصحيفة بير غون الخميس الماضي، إن "أردوغان انتخب لمدة خمس سنوات، ولكن أعتقد أنه بعد عام ونصف العام سنذهب إلى انتخابات مبكرة. تركيا ستتخلص من إدارة أردوغان وحكومته في أول انتخابات، وأول انتخابات ليست التي ستجري في العام 2028". كما أن حزب الشعب الجمهوري دعا إلى تظاهرة كبرى في إسطنبول غداً الأحد ضد الحكومة، للمطالبة برفع الرواتب والأجور، رغم لقاء وفد من الحزب بوزير المالية محمد شيمشك قبل أيام.

لا نهاية للتوترات بين الأحزاب التركية

ومن الواضح أن التوترات السياسية بين الأحزاب التركية لن تنتهي بسرعة وسهولة بعد عقود من الاستقطاب السياسي. وعلى ما يبدو فإن كل طرف حاول أن يظهر لحاضنته الشعبية كيف بذل جهوداً لتخفيف التوترات، مكتفياً بما حصل، لتعود الاستقطابات مجدداً في حال ذهبت البلاد بالفعل إلى انتخابات مبكرة، وعندها فإن حزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري سيواصلان رص الحلفاء إلى جانبهما.

محمد جيرين: بُنية السياسة في تركيا قائمة على تبادل السجالات السياسية والاتهامات

كما أن مطالب الطرفين لم تنفذ. فحزب الشعب الجمهوري طالب برفع رواتب المتقاعدين والحد الأدنى للأجور، والإفراج عن بعض المعتقلين وإعادة محاكمة شخصيات بارزة، مثل رجل الأعمال عثمان كافالا المتهم بقضية أحداث غزي بارك في ميدان تقسيم وانتمائه إلى "جماعة الخدمة"، وزعيم حزب الشعوب الديمقراطي السابق صلاح الدين دميرطاش، الذي صدر حكم، في 16 مايو/أيار الماضي، بسجنه لمدة 42 سنة، على خلفية تظاهرات عنيفة اندلعت في العام 2014 تنديداً بحصار تنظيم داعش لمدينة عين العرب (كوباني). وفي حين أن الموضوع الوحيد الذي تم حله جاء عبر الإفراج عن كبار السن من الضباط المتهمين بالتخطيط للانقلاب في العام 1997، فإنه لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن مطالبة حزب العدالة والتنمية بمواقف موحدة إزاء السياسة الخارجية، وكتابة الدستور.

لا توازن في التكتلات السياسية

وقال الكاتب والصحافي فراس رضوان أوغلو، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك نوعاً من عدم التوازن في التكتلات السياسية في تركيا حالياً، بمعنى أن أردوغان يمثل تكتلاً سياسياً من عدة أحزاب، بينما المعارضة لم يعد لديها تكتل ممثل بتحالف الشعب الجمهوري". وأضاف: "ربما الطرفان متفقان على أن المرحلة المقبلة في تركيا بحاجة لهدوء سياسي ودستور جديد، لكن نقطة الخلاف هي حول كيفية تنفيذ ذلك. هذا الاختلاف ليس فقط بين أردوغان وأوزال بل حتى بين أردوغان وباهتشلي، وحلفاء أردوغان قد تكون لديهم رؤية مختلفة عن أردوغان نفسه".

من ناحيته، قال المحلل السياسي محمد جيرين، لـ"العربي الجديد" إنه "كان يُنتظر أن يتم الوصول إلى هذه النتيجة، إذ إن الأحزاب التركية كانت بحاجة، بعد الانتخابات المحلية، للراحة والتخطيط للمرحلة المقبلة، فلجأت إلى هذه الطريقة من أجل تحقيق مكانة أمام الحاضنة الشعبية وتحقيق كل طرف لأهدافه". وأضاف: "بُنية السياسة في تركيا قائمة على تبادل السجالات السياسية والاتهامات، والتطبيع السياسي إن خلا من هذه السجالات فإن الأحزاب التركية لن تجد ما تتحدث فيه، والأهم من كل ذلك مدى إمكانية تطبيق كل طرف لمطالب الطرف الآخر. وبالتالي فإننا أمام مرحلة قد تنتهي سريعاً". وتابع: "ربما التظاهرة التي دعا لها أوزال قد تنهي هذه المرحلة، إذا صدر خلالها تصريحات قاسية، استتبعت برد من الجانب الحكومي".

المساهمون